ما عرفته على يد عمار الشريعي يعادل ما تعلمته في معهد الموسيقى العربية لمدة 4سنوات"، لم يكن المطرب الراحل علاء عبدالخالق يبالغ، عندما قال هذه الجملة متحدثًا عن فضل الموسيقار الراحل في مسيرته الفنية، خصوصًا أنه كان أحد أفراد فرقة "الأصدقاء" التي أسسها عام 1980، وضمت أيضًا المطربتين حنان ومنى عبدالغني.
لا يقتصر تأثير الموسيقار الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده الـ76 على نجوم فرقته فقط، بل يمتد إلى الموسيقى المصرية والعربية بشكل عام، وساهم كثيرًا في تطويرها، مواكبًا التغيرات التي تفرضها التكنولوجيا الحديثة، وأيضًا تغير ذائقة المستمع، والانتشار الأكبر لاختراع "شريط الكاسيت"، بدلًا من جهاز الجرامافون المعروف، وظهور عدد من الفرق الغنائية سواء العالمية مثل "البيتلز" أو المحلية ومنها "المصريين".
التطور الكبير في الموسيقى مع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، دفعت عمار الشريعي المولود في محافظة المنيا، إلى تأسيس فرقة "الأصدقاء" معتمدًا على 3 شباب جدد يقدمهما للجمهور للمرة الأولى، وهم علاء عبدالخالق، حنان، ومنى عبدالغني، ونجحت بالفعل في فرض سيطرتها على السوق الغنائي، خصوصًا الغناء الجماعي.
مخزون العشق للموسيقى العربية الذي تكون داخل عمار الشريعي، يعود السبب فيه إلى والدته التي كانت شديدة الاهتمام بفن الفولكلور، صاحبه في رحلته الفنية منذ الصغر، إذ كان يعزف وعمره نحو 3 أعوام على البيانو لحن أغنية "اتمخطري يا خيل" للمطربة الراحلة ليلى مراد، ما كان يثير دهشة عائلته، وتعلق بالأعمال الفنية للمبدعين محمد عبدالوهاب، رياض السنباطي، محمد القصبجي، زكريا أحمد، وغيرهم، الأمر الذي أثر بشكل كبير على رؤيته الخاصة لفرقة "الأصدقاء" التي أسسها تواكب روح العصر، لكنها تستمد أضواءها من بريق الماضي، لتتميز عن الفرق الأخرى التي كانت تزامنها، ومنها فرقة الـ"فور إم" التي أسسها عزت أبو عوف.
بحث الشريعي عن أصوات خاصة تلائم فكره الموسيقي لتكوين الفرقة، ورغم أنه نشر إعلانًا في الصحف يطلب فيه أصواتًا جديدة، وتقدم له الآلاف من المواهب الشابة، إلا أنه لم يلفت أي منها انتباه أذن الموسيقار، ليذهب إلى علاء عبدالخالق ويطلب منه أن يختار أصواتًا نسائية من معهد الموسيقى العربية، وأقنعه المطرب الذي كان في بداية مشواره الفني وقتئذ بالمطربتين حنان ومنى عبدالغني.
كان حلم الشريعي أن تتكون الفرقة من 10 أعضاء، لكنه اكتفى بالثلاثة فقط الذين عثر عليهم، ليسير نحو حلمه الخاص، إذ اعتمدت الفرقة على مقامات موسيقية شرقية قدمتها في شكل متطور، مع أصوات طربية خالصة، واجهت به سيطرة الموسيقى الغربية على مثل هذه الفرق الغنائية المنتشرة في ذلك الوقت، كما أن موضوعاتها تناولت قضايا تتعلق بالهوية، ومنها الأغنية الشهيرة "الحدود" التي تتحدث عن الهجرة والاغتراب.
مطلع أغنية "الحدود" الصادرة عام 1982 يقول: "وأحنا فايتين على الحدود مستمرين في الصعود، اختفى النيل الجميل من تحتنا والمدن والريف وأول عمرنا وابتدى شيء ينجرح جوه الوجود، وابتدينا أسئلة مالهاش ردود"، إذ تعد أحد أبرز أغنيات الفرقة التي عالجت أيضًا موضوعات اجتماعية، ومنها "الموضات" التي تتحدث عن تغير موضة الأزياء كل فترة وهوس المجتمع بها.
مزج عمار الشريعي بين الموسيقى الغربية والعربية، واعتمد كثيرًا على آلات العود والكمانجا في ألحانه، مثلما نسمع في موسيقى مقدمة مسلسل "رأفت الهجان" التي تقدم فيها "الكمانجات" صولو مميزًا، ثم يمزج في نهاية اللحن قطعة موسيقية شرقية أصيلة، وكأنه يصيغ حوارًا بين الآلات الموسيقية المختلفة.
الموسيقي الراحل الذي بدأ التلحين وعمره 7 سنوات، كان شديد الارتباط بفرقة الأصدقاء، وبأعضائها، لذا شعر بحزن شديد بسبب انسحاب أعضاء الفرقة لظروف خاصة، ومنهم المطربة حنان التي تزوجت في عمر صغير وسافرت إلى ألمانيا، إذ قالت المطربة عن ذلك في لقاء إعلامي: أبلغني بأنه حزين للغاية على اعتزالي الفن، لقد كان دائمًا ما يوجهني وينصحني وشعرت بأنه صديقي بالفعل، وفي نفس الوقت كانت له هيبة ووقار مميزين.
لم تستمر "الأصدقاء" سوى 6 سنوات، لكن هذا العمر القصير للفرقة، لم يمنعها من أن تبقى أغنياتها عالقة في الأذهان، وتشكل جزءًا من الموروث الثقافي الموسيقي العربي.