في خضم الذكرى الأولى للأزمة السودانية، جمعت فرنسا الدول المانحة والمنظمات الإنسانية في باريس؛ لتعبئة الدعم المالي لملايين النازحين السودانيين؛ في محاولة لمعالجة الأزمة الإنسانية المتفاقمة، غير أن انعقاد هذا المؤتمر دون تنسيق أو إشراك الحكومة السودانية، أثار غضبها الشديد واستنكارها لما اعتبرته "استخفافًا بسيادتها".
عام على الصراع
مع مرور عام كامل على اندلاع الصراع المسلح بين الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع، لا تزال الأزمة السودانية عالقة في مأزق حاد ولا يلوح في الأفق أي حل وشيك، فبحسب أرقام الأمم المتحدة، هناك نحو 25 مليون سوداني بحاجة للمساعدات الإنسانية الطارئة، أي أكثر من نصف سكان البلاد، فيما تم تشريد أكثر من 8 مليون شخص داخليًا، إضافة إلى نزوح مليوني شخص إلى الدول المجاورة هربًا من القتال العنيف الدائر.
وتُشير التقديرات إلى أن الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة تحتاج إلى نحو 4.1 مليار دولار هذا العام؛ لتغطية الاحتياجات المتزايدة للسودان والدول المضيفة للاجئين، لكن النداءات الإنسانية لم تلق حتى الآن سوى قليل من الاستجابة المطلوبة؛ مما يهدد بتفاقم المعاناة بشكل كارثي في ظل غياب آفاق تسوية سياسية للصراع.
مؤتمر المانحين
في محاولة لمعالجة الأزمة الإنسانية المتفاقمة في السودان، استضافت فرنسا مؤتمرًا للمانحين في باريس، حيث تمكنت من جمع ملياري يورو لدعم جهود الإغاثة، إذ جاء هذا المؤتمر في الذكرى الأولى لاندلاع الصراع المُسلح بين قوات الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع، والذي أسفر عن ضحايا بالآلاف وتشريد ملايين آخرين، فضلًا عن تدمير البنية التحتية وانقطاع الإمدادات الغذائية والخدمات الأساسية فضلا عن انهيار اقتصاد البلاد.
في المؤتمر، تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم 350 مليون يورو كمساعدات إنسانية، بينما قدمت فرنسا وألمانيا، الراعيتان المشاركتان، 110 ملايين و244 مليون يورو على التوالي. كما تعهدت الولايات المتحدة بمنح 147 مليون دولار، فيما خصصت بريطانيا 110 ملايين دولار أخرى.
غضب السودان
على الرغم من حجم هذه المساعدات المالية الضخمة، إلا أن السودان عبر عن غضبه الشديد من انعقاد هذا المؤتمر دون أي تنسيق أو تشاور معه، إذ أصدرت وزارة الخارجية السودانية بيانًا أعربت فيه عن "بالغ دهشتها واستنكارها أن ينعقد هذا المؤتمر حول شأن من شؤون السودان، الدولة المستقلة وذات السيادة والعضو بالأمم المتحدة، دون التشاور أو التنسيق مع حكومتها وبدون مشاركتها".
واعتبرت الخارجية السودانية، في بيان صادر عنها، هذه الخطوة "استخفافًا بالغًا بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وبمبدأ سيادة الدول".
كما انتقدت بشدة قرار المنظمين باستبعاد الطرفين المتحاربين واتهمتهما بـ"الاختباء خلف ذريعة الحياد لتبرير تجاهل الحكومة الشرعية والجيش الوطني"، مستنكرة "المساواة بين الحكومة والجيش من جهة، وميليشيا إرهابية متعددة الجنسيات" في إشارة إلى "الدعم السريع".
مأساة السودان
في كلمته الختامية للمؤتمر الذي عقد أمس في العاصمة باريس، شدد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، على ضرورة تضافر الجهود الدولية بشكل منسق؛ لحل النزاع الدائر في السودان ووقف أي دعم أجنبي لأي من الأطراف المتحاربة.
وقال ماكرون "للأسف المبلغ الذي حشدناه اليوم لا يزال على الأرجح أقل مما حشدته عدة قوى منذ بداية الحرب لمساعدة طرف أو آخر على قتل بعضهم البعض".
فيما حذرت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، من احتمالية موت مليون شخص جوعًا في السودان هذا العام، في حال تفاقم الأزمة الإنسانية وفقًا لأسوأ السيناريوهات، مضيفة "يمكننا أن نتدبر الأمر معًا لتجنب كارثة المجاعة الرهيبة، ولكن فقط إذا تحركنا معًا الآن".