كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، عن تنفيذ إسرائيل هجمات سريّة، على خطين رئيسيين لنقل الغاز داخل إيران، هذا الأسبوع، ما تسبب في تعطيل تدفق الطاقة للمنازل إلى محافظات يقطنها الملايين من الإيرانيين.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين غربيين وخبير استراتيجي عسكري تابع للحرس الثوري الإيراني، إشارتهم إلى مسؤولية الاحتلال الإسرائيلي عن الهجومين، وقالوا إن تفجير جزء من البنية التحتية للطاقة في البلاد، التي تعتمد عليها المصانع وملايين السكان، يمثل تصعيدًا في الحرب السريّة، ويبدو أنه يفتح جبهة جديدة.
ولفت المسؤولون الغربيون، والخبير الاستراتيجي العسكري الإيراني، إلى أن هجمات خط أنابيب الغاز التي شنتها إسرائيل تتطلب معرفة عميقة بالبنية التحتية الإيرانية وتنسيقًا دقيقًا، خاصة أن خطي أنابيب أصيبا في مواقع متعددة، في الوقت نفسه.
وأوضحت الصحيفة، أن الهجمات السريّة الإسرائيلية استهدفت عدة نقاط على طول خطي أنابيب غاز رئيسيين في محافظتي فارس وجهار محل بختياري، يوم الأربعاء الماضي، لكن انقطاع الخدمة امتد إلى المنازل السكنية والمباني الحكومية، والمصانع الكبرى في خمس محافظات على الأقل، في أنحاء البلاد، وفقًا لمسؤولين إيرانيين وتقارير وسائل إعلام محلية.
وتحمل خطوط الأنابيب الغاز من الجنوب إلى المدن الكبرى، مثل طهران وأصفهان، ويمتد أحد خطوط الأنابيب على طول الطريق إلى استارا، وهي مدينة قريبة من الحدود الشمالية لإيران مع أذربيجان.
ويقدر خبراء الطاقة أن الهجمات على خطوط الأنابيب، التي يمتد كل منها لمسافة حوالي 1200 كيلومتر أو 800 ميل، وتحمل ملياري قدم مكعب من الغاز الطبيعي يوميًا، عطلت نحو 15% من إنتاج الغاز الطبيعي اليومي في إيران، ما يجعلها هجمات كاسحة بشكل خاص على البنية التحتية الحيوية في البلاد.
وقال هومايون فلكشاهي، كبير محللي الطاقة في شركة "كبلر": "كان مستوى التأثير مرتفعًا جدًا لأن هذين الخطين مهمان، يتجهان من الجنوب إلى الشمال، ولم نشهد شيئًا كهذا من حيث الحجم والنطاق".
وقال وزير النفط الإيراني جواد أوجي، لوسائل الإعلام الإيرانية، أمس الجمعة: "كانت خطة العدو هي تعطيل تدفق الغاز بشكل كامل في الشتاء إلى العديد من المدن والمقاطعات الرئيسية في بلادنا".
ورغم أن " أوجي" لم يتطرق إلى اتهام الاحتلال الإسرائيلي مباشرة، بالوقوف وراء الهجمات، إلا إنه أكد أنها تهدف للإضرار بالبنية التحتية للطاقة، وإثارة غضب داخلي.
وأشارت "نيويورك تايمز" إلى تعليقات المحافظين المحليين ومسؤولين من شركة الغاز الوطنية الإيرانية، الذين وصفوا انقطاع الخدمة على نطاق واسع في خمس محافظات، ما أدى إلى إغلاق المباني الحكومية.
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، نصح خبراء الطاقة الإيرانيون الناس في المناطق المتضررة، حيث انخفضت درجات الحرارة في بعض الأماكن إلى ما دون درجة التجمد، بارتداء ملابس دافئة.
ووقعت الانفجارات نحو الساعة الواحدة صباحًا بالتوقيت المحلي، الأربعاء الماضي، ما أدى إلى حالة هلع بين السكان الذين فروا من منازلهم وتدفقوا إلى الشوارع، ووصفوا الانفجارات بصوت عالٍ، لدرجة أنهم استيقظوا معتقدين أن قنبلة قد أُسقطت، وفقًا لتقارير وسائل الإعلام الإيرانية، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال سعيد أكلي، المسؤول في شركة الغاز الوطنية، لوسائل الإعلام الإيرانية؛ إن المسؤولين دعوا على الفور إلى اجتماع طارئ، حضره وزير النفط ومسؤولون من وزارة الخارجية وممثلون عن جميع أجهزة المخابرات والأمن الإيرانية.
وأشار "أغلي" إلى أن الهدف من التخريب هو تدمير نحو 40% من قدرة نقل الغاز في البلاد.
ولا يزال من غير الواضح كيف تم ضرب خطوط الأنابيب، سواء بطائرات بدون طيار أو متفجرات مثبتة على الأنابيب أو بأي وسيلة أخرى، وقال محللون إن البنية التحتية للطاقة في إيران تم استهدافها في الماضي، لكن تلك الحوادث كانت أصغر بكثير من حيث النطاق والحجم.
وقال خبير استراتيجي عسكري تابع للحرس الثوري -الذي مثل المسؤولين الآخرين، غير مخول بالتحدث علنًا- إن الحكومة الإيرانية تعتقد أن إسرائيل كانت وراء الهجوم بسبب تعقيد العملية ونطاقها، وأضاف أن الهجوم يتطلب بشكل شبه مؤكد مساعدة المتعاونين داخل إيران، لمعرفة مكان وكيفية الهجوم.
وأشار الخبير إلى أن خطوط الأنابيب الرئيسية في إيران، التي تنقل الغاز عبر مسافات شاسعة، تشمل الجبال والصحاري والحقول الريفية، تخضع لدوريات حراسة في نقاط أمامية على طول الأنابيب، ويفحص الحراس مناطقهم كل بضع ساعات، لذلك ربما كان المهاجمون على علم بفترات الاستراحة، عندما تظل المنطقة خالية من الرجال.
وقال "فلكشاهي" محلل الطاقة؛ إن الانفجارات كشفت عن مدى ضعف البنية التحتية الحيوية للبلاد أمام الهجمات والتخريب. ولفت إلى أن إيران، ثالث أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، تمتلك نحو 40 ألف كيلومتر من خطوط أنابيب الغاز الطبيعي، معظمها تحت الأرض.
وأضاف أن خطوط الأنابيب مخصصة للاستهلاك المحلي في المقام الأول، وأنه بسبب العقوبات، كانت صادرات إيران من الغاز ضئيلة ومقتصرة على تركيا والعراق.
وهذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها إيران لهجمات إسرائيلية، وسبق أن جرت اغتيالات داخل البلاد وخارجها لعلماء وقيادات عسكرية، وهوجمت خوادم تتبع وزارة النفط بشكل إلكتروني، ما تسبب في تعطيل محطات الوقود في البلاد.