الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تداعيات مُقلِقة.. ماذا بعد مغادرة "أتميس" من الصومال؟

  • مشاركة :
post-title
المرحلة الثانية من انسحاب قوات الاتحاد الإفريقي "أتميس" من الصومال

القاهرة الإخبارية - ساجدة السيد

بعد تأخير دام لأربعة أشهر منذ سبتمبر الماضي، أعلنت قوة حفظ السلام في 3 فبراير 2024، وبدعم لوجستي من مكتب الأمم المتحدة للدعم في الصومال، استكمال بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال (أتميس) المرحلة الثانية من انسحابها الذي يشمل 3000 جندي مع نقل 7 قواعد تشغيل أمامية إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية، بالإضافة إلى إغلاق قاعدتين أخريين. وأعلن اللفتنانت جنرال سام أوكيدينج أنه سيتم الاستعداد قريبًا للمرحلة الثالثة؛ لخفض الجنود بمقدار 4000 جندي في يونيو القادم.

إن دلالات توقيت انسحاب "أتميس" من الصومال تتزامن مع تحديات راهنة يشهدها القرن الإفريقي في ظل تصاعُد وتيرة الإرهاب، فالمشهد الصومالي لم يكن مستقرًا عقب "أتميس" بسبب الفراغ الأمني الذي ستُخلفه البعثة. كما أن خطوة مغادرة "أتميس" سيكون لها انعكاسات مباشرة، ليس على الصومال فحسب، بل على منطقة القرن الإفريقي أيضًا، فمن الُمرَجَح تغيير النهج الذي تتعامل معه دول الجوار مع الصراع الدائر في الصومال.

تأسيسًا على ما سبق، يسعي التحليل للإجابة على سؤال: ما تداعيات مغادرة بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال "أتميس" على أمن القرن الإفريقي؟

دواعي الانسحاب

إن نقل المسؤوليات الأمنية من "أتميس" إلى القوات الصومالية، يحمل معه الكثير من الأسباب، تتمثل في:

(*) اتباع استراتيجية الانسحاب التدريجي المُتفق عليها: بموجب جدول زمني للأمم المتحدة، من المُقرر انسحاب "أتميس" بالكامل من الصومال بحلول نهاية العام الجاري 2024، وتسليم المسؤولية بشكل نهائي إلى قوات الأمن الصومالية. حيث شهدت المرحلتان الأوليتان للانسحاب تخفيضًا لعدد القوات يصل إلى 5000 جندي (المرحلة الأولي 2000 جندي، والمرحلة الثانية 3000 جندي)، ولا يزال قرابة 14600 عضو من بوروندي وجيبوتي وإثيوبيا وكينيا وأوغندا منتشرين في الصومال. كما ستشهد المرحلة الثالثة في يونيو القادم خفضًا لأعداد الجنود من "أتميس" بمقدار 4000 جندي. نلاحظ أن "أتميس" تأخرت في سحب الجنوب واستكمال المرحلة الثانية؛ نتيجة الفيضانات الناجمة عن أمطار النينو والتحديات التي عرقلت عملية الانسحاب. ولكن بالتعاون مع الحكومة الفيدرالية في الصومال، نجحت "أتميس" في استكمال المرحلة الثانية.

(*) تَحَرُر الصومال من الاعتمادية: إن خروج "أتميس"، سيمنح الفرصة للحكومة الفيدرالية في الصومال لمواجهة التحديات الأمنية القائمة، والدفاع عن قضايا الأمن الداخلي الخاص بها بمجرد تسليم المسئوليات الأمنية من أتميس إلى الحكومة. فالصومال عادةً ما تستعين بالقوات الدولية؛ لاكتساب مناعة أمنية ضد حركة شباب المجاهدين الصومالية. لكن دفاع الصومال عن أمنها، يتطلب رفع حظر الأسلحة المفروض على الصوماليين؛ لمواجهة العمليات الإرهابية التي تقوم بها حركة الشباب. فنلاحظ مع العودة للخلف، اعتمدت الصومال على القوة البحرية للاتحاد الأوروبي المعروفة باسم عملية "أتالانتا" عام 2008؛ لمواجهة التهديد المتزايد للقرصنة قبالة سواحل الصومال. وفي 2010، استعانت الصومال ببعثة التدريب الأوروبية؛ لتدريب القوات الصومالية ودعم الجيش الوطني الصومالي المُنشَأ حديثًا آنذاك. وفي عام 2012، تم إطلاق بعثات بناء القدرات التابعة للاتحاد الأوروبي؛ بهدف مساعدة الصومال في تعزيز قدراتها في مجال الأمن البحري. واعتمدت الصومال على بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال (أميصوم) من 2007-2021، ثم التفويض إلى "أتميس" من 2022-2024؛ لمواجهة التحديات الأمنية القائمة.

تداعيات مُقلِقة

يُمثل سحب قوات "أتميس" نقطة تَحَوُل حاسمة في أمن الصومال خاصًة ومنطقة القرن الإفريقي عامًة، وستُخَلِف تلك الخطوة تبعات تتمثل في:

(&) تصاعُد نشاط حركة شباب المجاهدين الصومالية: نشرت حركة شباب المجاهدين الصومالية مقاطع فيديو دعائية تؤكد خلالها إدراكها بمغادرة قوات "أتميس" يومًا ما، مُعلِنًة معرفتهم بنقاط الضعف التي تعاني منها المجتمعات المحلية. نستدل من ذلك أن حركة شباب المجاهدين الصومالية تنتظر الفرصة لإعادة التعبئة وشن المزيد من الهجمات على الحكومة الصومالية، ومن ثُم استغلال الفراغ الأمني الذي ستخلفه "أتميس" ليس في الصومال فحسب بل في دول الجوار بمنطقة القرن الإفريقي. وفي 6 فبراير 2024، وقع انفجار استهدف سوقًا شعبيًا في العاصمة الصومالية "مقديشو" أسفر عن مصرع 10 وإصابة أكثر من 25 شخصًا، وتدمير محلات بشكل كامل أو جزئي، وشكك الكثيرون أن حركة الشباب هي المُنَفِذ لتلك العملية. فمن المُلاحَظ بعد أيام قليلة من انسحاب قوات "أتميس"، انتهزت حركة الشباب الفرصة لتكثيف عملياتها الإرهابية ضد المدنيين الصوماليين.

ولمواجهة هذا التحدي، من الضروري تركيز الحكومة الصومالية علي توافُر المعلومات الاستخباراتية وتكتيكات مكافحة التَمَرُد والدعم اللوجستي، بالإضافة إلى الاعتراف بالحاجة إلى الدعم الدولي والحفاظ على ثقة الشركاء الدوليين والدعم الشعبي؛ لدحر حركة الشباب التي لم تستسلم بسهولة، ومن ثُم بناء إطار أمني مُستدام في الصومال.

(&) دخول الصومال في اتفاقيات أمنية ثنائية: إن انسحاب قوات "أتميس"، سيضع الصومال أمام خيارات متعددة؛ من أجل الاحتفاظ بقوة أمنية في مقديشو وما حولها. فمن الأرجح أن تلجأ الصومال إلى الدخول في اتفاقيات أمنية ثنائية مع جيرانها، وستكون أوغندا الجارة التي تتكئ عليها الصومال؛ نظرًا لخبرة أوغندا التي تزيد على 16 عامًا في محاربة حركة الشباب الإرهابية. ويبدو أن هذا الوضع، سيكون أكثر مُلاءمة لاستتاب الأمن في الصومال بما لم يمثل تغييرًا ديناميكياً كبيرًا في المنطقة. فالتنسيق مع دولة جوار في منطقة القرن الأفريقي لمحاربة حركة الشباب، يمنح الصومال الفرصة لتقليل الاعتماد علي دولة أجنبية لا تملك الخبرة الكافية لمواجهة مثل تلك الحركة.

(&) مواجهات بين القوات الإثيوبية وعناصر حركة شباب المجاهدين الصومالية: إن وجود قوات إثيوبية في الصومال كقوات إضافية طلبتها "أتميس" لمحاربة حركة الشباب، وعقب الأحداث الأخيرة التي أسفرت عن تَدَخُل إثيوبيا بفرض حظر تَجول ليلي في منطقة دولو، من المُحتمل حدوث مواجهات بين القوات الإثيوبية وحركة شباب المجاهدين الصومالية. خاصةً أن حركة الشباب تستغل التوترات القائمة بين إثيوبيا والصومال بشأن مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال (صوماليلاند) الموقعة في 1 يناير 2024؛ من أجل تنفيذ عمليات إرهابية أكثر وحشية، ويبدو أن مغادرة "أتميس" سيُعَقِد الأمور أكثر بين الصومال وإثيوبيا إن لم تتوفر الجاهزية الكافية لقوات الأمن الصومالية لمواجهة تهديد حركة الشباب.

(&) تزايد النفوذ الروسي: إن روسيا تسعي جاهدًة لاستغلال الأوضاع الأمنية غير المستقرة في القرن الإفريقي، فكما استغلت الانسحاب الفرنسي من النيجر، وإلغاء مالي اتفاق السلم والمصالحة الموقع في الجزائر، وإعلان بوركينا فاسو التحرر من قيود إيكواس، فمن المرجح تزايد النفوذ الروسي من خلال تقديم الدعم للصومال بحجة مكافحة الإرهاب بشتى الطرق المختلفة كالتدريب أو تقديم شحنات الأسلحة التي تؤهل الصومال لمواجهة حركة الشباب.

(&) توسُع الوجود العسكري الأمريكي: إن وصف القيادة الأمريكية لحركة شباب المجاهدين الصومالية في إفريقيا بأنها أكبر شبكة لتنظيم القاعدة وأكثرها فتكًا في العالم، يؤكد مدى رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في التخلص من تلك الحركة التي تعرقل دورها في الصومال. لذلك، من المُرَجَح مع مغادرة قوات "أتميس" أن تتحرك الولايات المتحدة الأمريكية لإرسال قوات مسلحة للصومال بهدف التدريب والتصدي لعمليات حركة الشباب الإرهابية.

في نهاية المطاف، يمكن القول إن خروج قوة الاتحاد الإفريقي من الصومال لا يعني اختفاء القوة الدولية، بل سيظل الوجود الأمني الدولي في مقديشيو ودول الجوار دائم؛ لحماية المجتمع الدبلوماسي. كما أن جيران الصومال لن تسعى إلى خفض قواتها إلى الصفر، لكن سيظل الدعم الإقليمي موجودًا؛ من أجل محاربة حركة شباب المجاهدين الصومالية التي تستهدف القوات سواء الدولية منها أو الإقليمية. فمغادرة "أتميس" سيضع الصومال ومنطقة القرن الأفريقي أمام خيارات صعبة، فالقضاء على حركة الشباب أمر مستحيل، فوفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية تصل الضريبة التي يفرضونها بالقوة إلى 100 مليون يورو سنويًا مما يعني محاولاتهم المستميتة للبقاء، ولا يمكننا استبعاد إمكانية التفاوض في حال تأزم الأوضاع عقب انسحاب "أتميس" نهائيًا.