الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

شركات ناشئة.. أين وصلت أدوار الفاعلين غير الرسميين في الصناعات الدفاعية؟

  • مشاركة :
post-title
معرض مصر الدولي للدفاع والأمن - أرشيفية -

القاهرة الإخبارية - د. محمد أبو سريع

شهد العالم، خلال العامين الأخيرين، فاعلين غير رسميين، يعملون في الصناعات الدفاعية العسكرية، وخُصِّصَت أغلب استثمارات الشركات الناشئة العاملة في المعدات الحربية، بمجالات تصميم الصواريخ الجديدة وتطويرها، وقدرات النمذجة والمحاكاة، والهندسة الرقمية، وهندسة الأنظمة المفتوحة.

ووفقًا لدراسة أجرتها شركة Statista، أنفق خمسة مستثمرين في مجال الفضاء والدفاع ما يقرب من 11 مليار دولار على البحث والتطوير. فالابتكار هو القوة المحركة لصناعة الدفاع، والبحث والتطوير هو وقودها، إذ تستثمر شركات الفضاء والدفاع في مراكز الأبحاث لاستكشاف التقنيات الجديدة والاستفادة منها، كما تتطلع إلى إنشاء شركات ناشئة وإعداد جيل واعد من رواد الأعمال ليثري مستقبل التكنولوجيا العسكرية أو الدفاعية.

فمن شأن هذه الاستثمارات الضخمة، إحداث تحول أساسي في صناعة الدفاع عبر التوسع في الشركات الناشئة الدفاعية، وزيادة الاستثمارات الموجهة إليه، وتطوير مجالاتها، من التخصصات التقليدية مثل التخصصات الميكانيكية والكهربائية، لتشمل كذلك التخصصات الرقمية مثل البرمجيات والأمن السيبراني. وأصبح التجديد والتطور متطلبًا أساسيًا، إذ يتم استكشاف التقنيات الحالية بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، والواقع المعزز والافتراضي، وإنترنت الأشياء، والتصنيع الإضافي لتطبيقاتها المحتملة في مجال الدفاع.

في ضوء ما سبق، تُثار العديد من التساؤلات، هي: ما دور الشركات الناشئة في تطوير الصناعات الدفاعية؟ وما حجم ومجالات الاستثمارات في تطوير البحث الدفاعي والصناعات العسكرية؟ وإلى أي مدى يمكن أن يسهم هذا الدور في سدّ الفجوة بالتكنولوجيا الدفاعية؟ وما العائد من هذا الدور على الدول اقتصاديًا؟

المتنافسون الجدد:

يمكن تحديد أهم المستثمرين في البحث والتطوير الدفاعي، في ما يلي:

(*) شركة Boeing: تتصدر القائمة باستثمارات بلغت 3.7 مليار دولار، إذ تعمل على الاستفادة من المواهب من جميع أنحاء المؤسسة لتحقيق خطوات كبيرة في الإمكانات والبرامج المستقلة في السنوات الأخيرة. ويأتي الكثير من العمل المتطور من قسم الأبحاث المتقدمة والتطوير والنماذج الأولية التابع لشركة Phantom Works وBoeing Defense وSpace & Security، ومؤسسة Boeing’s Air Dominance. ففي هذه الفروع من الشركات، يتم الاستثمار في تطوير المنتجات والقدرات الرائدة والمبتكرة عبر صناعة الدفاع، وتشمل مجالات: تصميم الصواريخ الجديدة وتطويرها، وقدرات النمذجة والمحاكاة باستخدام مراكز الحرب الافتراضية التابعة لبوينج، والهندسة الرقمية، وهندسة الأنظمة المفتوحة، والذكاء الاصطناعي، والاستقلالية، والتقنيات التعاونية، والفرط صوتية، والطاقة الموجهة، وحلول الشبكات، والاستشعار المتقدم، والقيادة والتحكم والمراقبة، وقدرات الاتصالات للدفاع وأمن الفضاء. وتقوم Phantom Works بإدارة التعاون الاستراتيجي الذي أعلنته الشركة مؤخرًا مع Shield AI في مجالات القدرات الذاتية والذكاء الاصطناعي في برامج الدفاع الحالية والمستقبلية.

(*) شركة BAE Systems: تأتي في المرتبة الثانية من ناحية حجم الاستثمار في مجال البحث والتطوير بقيمة 2.4 مليار دولار أمريكي، والتي أطلقت مؤخرًاFalcon Works، وهو قسم جديد للبحث والتطوير داخل قطاع الطيران التابع لها، وحيث تعمل Falcon Worksكمركز للبحث والتطوير المتقدم والمرن المصمم لتقديم مجموعة من القدرات الجوية القتالية المتطورة، وستركز على توليد الأفكار والابتكار والتعاون، والعمل مع الشركاء الجدد والحاليين والأوساط الأكاديمية والمنظمات البحثية والشركات الصغيرة والمتوسطة والمؤسسات الوطنية، والجهات الحكومية لتقديم تصور سريع للمنتجات والخدمات الجديدة التي يحتاجها عملاء القوات الجوية للحفاظ على تفوقهم.

ويرى ديف هولمز، المدير العام لفرع أو شركة Falcon Works في BAE Systems “، إن إنشاءFalcon Works هو انعكاس للبيئة المتغيرة، وهدفها؛ ضمان أن يكون تطوير التكنولوجيا المبتكرة أساسًا لكل ما تقوم به شركة BAE Systems، ويعتمد هذا القسم الجديد على الخبرة الراسخة في البرامج الجوية القتالية الرائدة عالميًا، مثل Typhoon وF-35 وTempest وتوفير الفرص لتوسيع أعمال الشركة الأم، وتقديم التقنيات المتقدمة التي تجعل عملائها في تقدم مستمر.

النموذج الهندي:

تدرك الهند أهمية الشركات الدفاعية الناشئة، باعتبارها محركًا للإبداع، ولقدرتها المتجددة على دفع الهند نحو الاعتماد الذاتي في قطاع الدفاع. لذلك أطلقت سلسلة من المبادرات التي تدعم نمو هذه الشركات، ومنها إطلاق مبادرة الابتكار من أجل التميز الدفاعي IDEX) )، التي صُمِّمت بوجه خاص لتعزيز الابتكار ودعم تطوير تقنيات الدفاع، عبر إشراك الشركات الناشئة. ولعل ذلك أسهم بدرجة كبيرة في بروز دور الشركات الناشئة الهندية في مجال الدفاع، إذ ساعدت تلك المبادرة العديد من الشركات الناشئة على العمل في نظام بيئي ناشئ داعم للشركات الدفاعية، حتى أضحى هناك ما يقرب من 200 شركة ناشئة تركز على بناء حلول مبتكرة للقوات المسلحة الهندية، وهي الحلول التي تتراوح بين قدرات التصوير المتقدمة وأنظمة المراقبة الكهربائية الضوئية إلى الدروع الواقية من الرصاص والأجهزة الطبية.

ويوجد في الهند كذلك، منظمة البحث والتطوير الدفاعي التي تعمل في مجال تصميم وتطوير العديد من الأنظمة والتقنيات الحديثة، مثل: الصواريخ ونظم الدفاع الجوي القائمة على الصواريخ والطائرات القتالية الخفيفة ودبابات القتال الرئيسية ونظام الأسلحة والطائرات بدون طيار ومضادات الطائرات بدون طيار وقاذفات الصواريخ متعددة الأسطوانات والرادارات والأنظمة البحرية والمنتجات المتعلقة بعلوم الحياة ودعم الجنود.

وتم استخدام العديد من الأنظمة والتقنيات التي طورتها منظمة البحث والتطوير الدفاعي من قبل القوات المسلحة الهندية بعد إجراء تجارب ميدانية واسعة النطاق. ومن خلال هذه العملية، استطاعت هذه الأنظمة الوصول إلى المعايير الدولية وتم تصدير بعضها أيضًا. لقد مكنت منظمة البحث والتطوير الدفاعي الصناعات الهندية من إنتاج أنظمة دفاعية عالية الجودة للتصدير، ما يساعد في إقامة ورعاية علاقات طويلة الأمد مع الدول الصديقة إلى جانب تعزيز قدرات قوات الدفاع والأمن الداخلي.

وبفضل امتلاكها لنطاق شامل من التقنيات والأنظمة التي تفي بمجموعة كاملة من متطلبات الدفاع، تعد منظمة البحث والتطوير الدفاعي القوة الدافعة للاعتماد على الذات في قطاع الدفاع الهندي. 

ففي معرض الصناعات الدفاعية والعسكرية EDEX 2023 بالقاهرة خلال الفترة من 4 إلى 7 ديسمبر 2023، عرضت منظمة البحث والتطوير الدفاعي التقنيات الرئيسية المتطورة لديها، والتي تشمل نظام الإنذار المبكر والتحكم المحمول جوًا(AEW&C).، وصاروخ جو-جو استرا، نظام سلاح بيناكا، نظام مدفعي مقطور متقدم(ATAGS)، دبابة قتالية أرجونMk 1A، نظام أكاش الصاروخي، نظام سونار الغواصات (SMS-X)، سونار كشف الحركة المحمول (PDDS-X)، نظام السونار المدمج المثبت على هيكل السفينة(HMS-X2)، نظام التعرف على الصديق أو العدو (IFF).

وتمثل مشاركة منظمة البحث والتطوير الدفاعي في هذه الفعالية الضخمة التي تقام مرة كل سنتين فرصة للاستفادة من المنتجات والتقنيات والأنظمة العالمية "المصنوعة في الهند" من قبل جميع البلدان الصديقة.

الفاعلون في المنطقة العربية:

يمكن تحديد العديد من المنصات العاملة في المنطقة العربية، يتمثل أهمها في ما يلي:

(*) منصة "آيدكس نيكست جين": هي منصة مخصصة لدعم الجيل القادم من الحلول الأمنية والدفاعية وللشركات الناشئة لتكون جزءًا محوريًّا من هوية معرض آيدكس. وتوفر هذه المبادرة الجديدة منصة لأكثر من 100 شركة ناشئة من جميع أنحاء العالم للاجتماع مع المستثمرين، وبناء الشراكات والتواصل مع كبار الشخصيات في قطاع الدفاع العالمي. والجدير بالذكر أن هذا المعرض يوفر فرصة للحوار الدولي حول قضايا الدفاع والأمن وطرح الحلول بشأن أفضل السبل لمواجهة التحديات المشتركة التي يشهدها العالم وإحلال الأمن والاستقرار العالمي. كذلك تم إطلاق مبادرة آيدكس THINK_TANK وهي مجموعات مكونة من ستة من أهم خبراء الدفاع والأمن من جميع أنحاء العالم، لحضور سلسلة من الاجتماعات الاستراتيجية المغلقة والحوارات الهادفة حول باقة من أهم المواضيع ذات الصلة. وتحتضن "آيدكس ثينك تانك" سلسلة من الجلسات التي تمتدُّ كل منها 75 دقيقة بإدارة شركاء آيدكس الحصريين، لتتوّج أعمالها بمجموعة من الأوراق البحثية الاستراتيجية الحصرية التي تهدف لإحداث الفارق الحقيقي عبر جميع مفاصل قطاع صناعات السلاح العالمية.

(*) منصة مركز مستقبل الدفاع: تمثل هذه المنصة تجمعًا مهمًا لكبار المستثمرين والمطورين مع أولئك الذين يطورون التكنولوجيا والصناعة الدفاعية في المستقبل. فهذه المنصة مخصصة لتحقيق تقدم في تكنولوجيا الدفاع، إذ يمكن للمبتكرين والمخترعين ورجال الأعمال عرض أفكارهم وتقنياتهم التي ستحدث الفرق في صناعة الدفاع العالمية. تضم منصة مستقبل الدفاع الجامعات ومراكز البحث والتطوير والمبتكرين والشركات الناشئة التي تعرض المراحل المتقدمة في تطور تكنولوجيا الدفاع، مما يتيح لقادة الدفاع والجهات الحكومية من التواصل مع رواد الأعمال المستقبليين واستكشاف الشركات الناشئة التي ترتقي بمستوى تكنولوجيا الدفاع إلى أبعد حد وتشهد.

وتشهد هذه المنصة العديد من المناقشات حول كيفية تشكيل مستقبل صناعة الدفاع والأمن من خلال العديد من الاتجاهات الرئيسية، بما في ذلك التقدم في التكنولوجيا، والتهديدات الأمنية المتطورة، والتأثير على الشركات الناشئة المبتكرة، وتقدم المنصة سلسلة من حلقات النقاش وجلسات للمستثمرين للتحدث والتواصل مع المبتكرين، إذ يحرص المستثمرون الدوليون على اكتشاف الجديد من الابتكارات في مجال صناعة الدفاع والأمن.

وفي النهاية، يمكن القول إن دور الشركات الناشئة في تطوير الصناعات الدفاعية، يساعد في تنويع مجالات الاقتصاد الوطني، وأصبح هذا الدور متصاعدًا وضروريًا لتطوير الصناعات العسكرية والدفاعية التي تشكل إحدى الدعائم الأساسية للحفاظ على استقرار الدول أمنيًّا واقتصاديًّا. إذْ -من جانب- تعدُّ الصناعات العسكرية، خصوصًا الصناعة التكنولوجية، رافدًا اقتصاديًّا مهمًّا للدول، من جهة تحقيق الاكتفاء الذاتي، وبالتالي التقليل من فواتير الإنفاق الخارجي للحصول على هذه الأسلحة، ومن جهة أخرى الإسهام في تنمية اقتصاد الدول من خلال هذه الصناعات الثقيلة، إذ تُمكّن الدول من تصنيع أسلحة نوعية وفاعلة تفتح لها أسواق الدول الأخرى، على غرار الصناعات العسكرية في مجال الطائرات المسيَّرة. وفي حال تَمكُّن الدول من النهوض بقطاع الصناعة العسكرية والدفاعية عبر تطوير منظومتها للبحث والتطوير، فستنجح في تقليل فواتير صفقات السلاح التي تستنزف ميزانياتها، كما أنها قد تتمكن في المستقبل من التحوُّل إلى مورّد قويّ في حال ما إذا طوّرت قطاع الإنتاج العسكري. فدور الشركات الناشئة في تطوير الصناعات الدفاعية يسهم في تحقيق كل ما سبق من خلال تعظيم فرص الاستثمار العسكري وما يرتبط بذلك من توفير الآلاف من الوظائف، وتنمية المهارات، واستيعاب التكنولوجيا الحديثة المطلوبة في المجال الدفاعي. فعلى سبيل المثال، يوفر الجيش البريطاني من خلال نشاطه في تصنيع الأسلحة 320 مليار جنيه إسترليني للناتج الداخلي، ويقدم نحو 6.6 مليار للبحث العلمي والتطوير، كما أنه يعدّ ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم بعد الولايات المتحدة، ويوفر 41 ألف وظيفة. وهذا الدور مرشح للتزايد في المستقبل القريب مع الاتجاه العالمي لزيادة الميزانيات الدفاعية في ظل الصراعات والتوترات الجيوسياسية الراهنة المتوقع تزايدها كذلك في السنوات المقبلة.