شهدت مدينة كهرمان مرعش وضواحيها في جنوب تركيا في السادس من فبراير 2023 زلزالًا مُدمرًا بقوة 7.8 درجة على مقياس ريختر، مُخلفًا دمارًا هائلًا وخسائر بشرية فادحة بلغت أكثر من 53 ألف قتيل. ورافق هذه الكارثة المأساوية آثار نفسية واجتماعية، طالت الآلاف من الناجين وذوي الضحايا وفرق الإنقاذ، لم تنتهِ بعد حتى بعد مرور عام كامل على الحدث المؤلم.
فالصدمات الحادة التي عاشها السكان تركت ندوبًا غائرة في نفوسهم، حيث ما زال آلاف الأشخاص يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة، كالقلق المزمن والكوابيس المزعجة والخوف من تكرار مأساة الزلزال.
آثار مُدمرة
في تقرير لصحيفة "ديريليش بوست" التركية، أشارت آراء الخبراء والدراسات إلى أن مثل هذه الصدمات النفسية الحادة قد تستمر تداعياتها لفترات طويلة تمتد لسنوات بعد وقوع الحدث المؤلم.
تحفز الزلازل ضغوطًا نفسية لا يمكن تصورها على الناجين، من الإصابات والخوف المستمر من الهزات الارتدادية إلى مشاهدة الدمار والنزوح والوفيات من حولهم.
بعد أسابيع قليلة من تلبية الاحتياجات الطارئة المادية، تم نشر مجموعات من المعالجين المتطوعين وعمال الصحة العقلية من المنظمات غير الحكومية في جميع أنحاء المنطقة؛ لدعم الضحايا ومساعدتهم في معالجة صدماتهم.
شعر معظم الناس، حتى بعد زوال الهزات الارتدادية في نهاية المطاف، بعدم الارتياح لمدة أشهر.
بالنسبة للبعض، غير الزلزال أساليب الحياة بأكملها، إذ بدأت بعض الناس في العيش بعربة مخيّم مع الاحتفاظ بأكياس النوم الخاصة بالتخييم في متناول أيديهم؛ لأنهم لم يعدوا يشعرون بالأمان في منزلهم.
الأطفال الأشد تضررًا
إذا كان البالغون يجدون الآثار مدمرة، فقد تركت الكارثة بصمة لا تمحى على الأطفال الذين ما زالوا في مراحلهم الأولى من النمو.
وسلطت الجريدة الضوء على الأطفال والفئات الأكثر ضعفًا، إذ إنهم الأشد تضررًا من الناحية النفسية، فالصغار غالبًا ما يعانون من كوابيس وهلاوس خيالية مرعبة، ويميلون إلى محاولة إعادة تمثيل مشاهد الدمار أثناء اللعب، من خلال بناء المنازل من المكعبات ثم تحطيمها مثلًا، لذا فمن الضروري السماح لهم بالتعبير عن مشاعرهم ومخاوفهم بحرية كاملة، حتى يتمكنوا من معالجة الصدمات والتعافي بشكل أفضل.
وقد لوحظ أن الأطفال في المناطق المنكوبة يعانون من أعراض مثل الرعب الشديد والبكاء المستمر وفقدان الشهية واضطرابات النوم. كما أن هناك حالات عديدة من فرط الحركة وصعوبة التركيز والانسحاب الاجتماعي.
وتقول زينب باهدر، وهي عالمة نفس سريرية متخصصة في اضطراب ما بعد الصدمة وتطوعت لمدة ستة أسابيع مع الهلال الأحمر التركي كإخصائية نفسية طارئة عبر الإنترنت للأسر التي لديها أطفال صغار، إن الأطفال سواء المتضررين مباشرة أو أولئك الذين عانوا من صدمة ثانوية، "قد يكونون في خطر الإصابة بأعراض اضطراب ما بعد الصدمة، بما في ذلك الكوابيس وسلوك تجنب".
وشاركت منظمة "أنقذوا الأطفال" الخيرية، نتائج بحث تظهر أنه على الرغم من مرور عام على زلزال 6 فبراير، إلا أن أكثر من 660 ألف طفل وحوالي 2.4 مليون شخص اضطروا للعيش في خيام وحاويات؛ بسبب الزلازل التي تركزت في كهرمان مرعش ومدينة غازي عنتاب.
وذكرت المنظمة أنه على الرغم من جهود السُلطات التركية لوضعهم في مساكن رسمية، إلا أن 205 آلاف طفل وأكثر من 761 ألف شخص ما زالوا غير قادرين على العودة إلى منازلهم. كما ذكر أن ما يقارب 355 ألف شخص يقيمون في خيام صغيرة أو حاويات بلاستيكية ومعدنية في مناطق عشوائية وغير نظامية.
وبحسب البحث، فإن 51% من الأسر التي تعيش في المناطق المتضررة من الزلزال ذكرت أنهم لاحظوا تغيرات في نفسية أطفالهم أو سلوكهم. وتبين أن 49% من هؤلاء الأطفال ظهرت عليهم أعراض القلق و21% أظهروا سلوكًا عدوانيًا.
مواصلة الدعم
وأوضحت الصحيفة التركية أنه في الأسابيع الأولى التي أعقبت الزلزال المدمر، حاولت السلطات التركية والمنظمات الإغاثية غير الحكومية، بذل جهود ملحوظة لتقديم المساعدات الطبية والنفسية للناجين. إلا أن الخبراء يحذرون من أن هذا الدعم وحده غير كافٍ، وينبغي استمراره وزيادته لفترات أطول بكثير؛ نظرًا لاستمرار حدة المعاناة النفسية وتفاقمها لدى الكثيرين، خصوصًا مع تزايد معدلات الانتحار بين الناجين.
كما كشفت تقارير رسمية أن حوالي 850 شخصًا على الأقل فقدوا أحد أطرافهم أو أجزاء من أجسادهم؛ جراء عمليات الإنقاذ وسط أنقاض المباني المتهاوية. ومثل هؤلاء المصابين بتشوهات وإعاقات دائمة بحاجة ماسة لبرامج إعادة تأهيل ودمج مكثفة وشاملة، تتضمن العلاج الطبي والجراحي، إلى جانب الدعم النفسي والاجتماعي الملائم. كما أن ضمان استمرارية هذا الدعم أمر بالغ الأهمية لمساعدتهم على استعادة عافيتهم النفسية والجسدية ومنعهم من الانعزال أو الانتحار.
أسوأ الزلازل في التاريخ التركي
تعرضت 11 محافظة و124 منطقة و6,929 قرية وحيًا لأضرار بالغة، إذ اعتبر من أسوأ الزلازل في التاريخ التركي.
أُعلن الحداد الوطني لمدة 7 أيام لمساعدة ضحايا الزلزال، وشاركت فرق البحث والإنقاذ من 93 دولة في العمليات، تحركت المؤسسات الحكومية والمنظمات والمتطوعون لتوفير المياه والمواد الغذائية والرعاية الصحية والملابس للمنكوبين.
أُجريت عمليات البحث والإنقاذ في 26 ألف مبنى، شارك 650 ألفًا من رجال الأمن والإنقاذ والطواقم الطبية. أُقيمت 645 ألف خيمة و215 ألف حاوية لإيواء المشردين.
وبلغ إجمالي الموارد المُخصصة حتى الآن لمناطق الزلزال 106 مليار ليرة تركية.