بين فترة وأخرى يعود الحديث عن صناعة القتل الرحيم في كندا، والذي بدأ كملاذ أخير للمرضى الميؤوس من شفائهم والذين يعانون من آلام غير قابلة للشفاء، لكن في غضون سنوات قليلة أصبح القتل الرحيم متاحًا لأي شخص يعاني من مرض أو إعاقة، والكنديون الذين يواجهون التشرد والفقر يشعرون بأنهم مجبرون على إنهاء حياتهم، بدلاً من "إثقال كاهل" السلطات.
مجلة "سبايكد" البريطانية أعدت تقريرًا حول تطور أهداف القتل الرحيم في كندا، واصفة الأمر بأنه "على وشك أن يصبح أكثر قتامة"، مشيرة إلى أنه في غضون بضعة أشهر، سيتمكن الكنديون من التقدم بطلب للحصول على "القتل الرحيم" على أساس أنهم يعانون من مرض عقلي، كما يمكن التوسع في هذا البرنامج بأن أي شخص يعاني من حالة صحية عقلية خطيرة قد يكون مؤهلًا إما للمساعدة على الانتحار أو القتل الرحيم، حتى لو لم يكن يعاني من أي ألم جسدي على الإطلاق. وهذا يشمل الأشخاص الذين يتعاملون مع إدمان المخدرات أو قضايا تعاطي المخدرات الأخرى.
وحشية عميقة
في أقل من عقد من الزمان، تحولت كندا من تقنين المساعدة على الموت في أحلك الظروف للبالغين الذين يعانون من أمراض مزمنة، والذين كان الموت وشيكاً بالنسبة لهم، إلى عرض الانتحار كبديل لويلات الحياة، الأمر الذي يعد بمثابة قصة تحذيرية عن وحشية عميقة، وتجاهل قاس للحياة البشرية، التي يتم إطلاق العنان لها عندما تقدم الموت بمساعدة الدولة، وفقا للمجلة.
وفي ديسمبر 2015، أصبحت كيبيك أول مقاطعة كندية تسمح بالقتل الرحيم للمرضى الميؤوس من شفائهم، وسرعان ما تبعتها المحافظات الأخرى، في يونيو 2016، وأصدر البرلمان الكندي تشريعًا غيّر القانون الجنائي للسماح للبالغين المصابين بأمراض مزمنة بالحصول على المساعدة في الموت في جميع أنحاء البلاد، ما أدى إلى إنشاء برنامج MAID، يقدم من خلاله طبيب ينهي حياة المريض بحقنة مميتة أو المساعدة على الانتحار بإعطاء المريض وسائل لإنهاء حياته.
الموت من حقوق الإنسان
واعتبر برنامج "MAID" للكنديين كحق أساسي من حقوق الإنسان، وفي عام 2015، قضت المحكمة العليا الكندية، بأن حرمان شخص ما من المساعدة على الانتحار أو القتل الرحيم يحرم "المساواة مع المعاقين جسديًا"، ونص هذا الحكم على أن الأشخاص لهم الحق في الحصول على المساعدة على قتل أنفسهم، أو القتل الرحيم، بشرط استيفائهم لمعايير معينة.
وقال المناصرون للقتل الرحيم، إنه ليس من العدل أن يعاني شخص ما من الألم خلال المراحل الأخيرة من حياته، إذا كان الموت قريبًا ومتوقعًا على أي حال، ومن المؤكد أنه سيكون من الأفضل لشخص ما أن ينهي حياته بشروطه الخاصة بدلاً من أن يعاني من العذاب لبضعة أشهر أخرى.
وبدا أن الجمهور الكندي يوافق على ذلك على نطاق واسع، في عام 2014، قبل وقت قصير من تقديم MAID، أيد 79% من الكنديين تقديم المساعدة على الانتحار في ظروف محدودة. في ذلك الوقت، قيل للكنديين إن الانتحار بمساعدة طبية وأن القتل الرحيم لن يُقدم إلا لأولئك الذين يعانون من مرض عضال ولم يتبق لهم سوى وقت قصير للعيش، لكن الأمر لم يستغرق وقتًا طويلاً حتى يتم تخفيف هذه القيود.
توسيع معايير الموت
في عام 2021، بعد خمس سنوات من تقديم MAID لأول مرة، قامت كندا بتوسيع معايير البرنامج، وأصبح أولئك الذين يعانون من حالات بدنية خطيرة ومزمنة مؤهلين للحصول على الموت، حتى عندما لا يكون مرضهم مهددًا للحياة، وهذا يعني أن الوفاة الطبيعية لم يعد من الضروري أن تكون "متوقعة بشكل معقول" حتى يتم قبول شخص ما في MAID. لقد أصبحت الحالة الصحية طويلة الأمد التي جعلت الحياة "لا تطاق" كافية الآن، وأصبح التقديم لبرنامج MAIDأسهل بكثير.
لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى يبدأ الأشخاص في التقدم بطلب للحصول على "MAID" لأسباب لا علاقة لها بسوء الحالة الصحية، إحدى الحالات الأكثر شهرة كانت حالة أمير فارسود، وهو رجل معاق يبلغ من العمر 54 عامًا تقدم بطلب للحصول على "الموت" في عام 2022 لأنه كان على وشك أن يصبح بلا مأوى، فقرر أنه يفضل الموت على أن يكون بلا مأوى.
وفي فبراير 2022، قام الأطباء بالقتل الرحيم لامرأة تبلغ من العمر 51 عامًا تدعى صوفيا، كانت تعاني من حساسية شديدة تجاه المواد الكيميائية المنزلية ودخان السجائر، ما جعل الحياة لا تطاق بالنسبة لها، وبسبب احتياجاتها المعقدة، وجدت السلطات المحلية صعوبة في إيوائها، بعد عامين من طلب المساعدة في وضعها المعيشي، دون جدوى، قررت صوفيا أن "الموت" هو الحل الوحيد المتبقي، وكتب أربعة أطباء إلى مسؤولي الحكومة الفيدرالية نيابة عن صوفيا، متوسلين إليهم مساعدتها في العثور على سكن بديل، لكن مناشداتهم لم تلق آذاناً صاغية، فقُتلت بدلاً من ذلك.
وفي حالة مماثلة، تم القتل الرحيم لـ"دونا دنكان" البالغة من العمر 61 عامًا في عام 2022، بعد حرمانها من العلاج الذي كانت في أمس الحاجة إليه، على خلفية حادث سيارة أصابها بارتجاج شديد في المخ، وأدى ذلك إلى أشهر من التدهور العقلي والجسدي، وبسبب قائمة الانتظار للعلاج التي تمتد لأشهر، تقدمت بطلب للحصول على الموت فتمت الموافقة عليها في غضون أيام قليلة.
ووفق المجلة، فهناك قصص مثل هذه شائعة بشكل مثير للصدمة، فأصبح بالنسبة للعديد من الكنديين المرضى الوصول إلى القتل الرحيم أسهل وأرخص من الحصول على العلاج أو الرعاية التي يحتاجون إليها، يتقدم المزيد والمزيد من الأشخاص بطلب للحصول على الموت لأنهم لا يستطيعون الاستمرار في العيش، أو لأن أسرهم لا تستطيع تحمل تكاليف إعالتهم.
إبادة جماعية
تاكر كارلسون الإعلامي الأمريكي وجه اتهاما إلى الحكومة الكندية بارتكاب جرائم إبادة جماعية لأن برنامج الانتحار بمساعدة الغير في البلاد يستهدف المواطنين الأصليين بشكل غير متناسب مقارنة بالوافدين الجدد، مشيرًا إلى أن برنامج المساعدة الطبية أثناء الموت أو "MAiD"، هو المسؤول عن وفاة عشرات الآلاف، ويقال إن الحكومة لن تنشر إحصائيات حول من هم المتلقون الفعليون، وفق موقع "theparadise"
قال كارلسون وينزداي في ألبرتا بكندا: "إذا كنت تقتل 50 ألفًا من مواطنيك، والحكومة تفعل ذلك من خلال برنامج MAiD، والكثير منهم ليسوا في الواقع مصابين بأمراض مميتة، فإنهم يشعرون بالحزن فحسب، والحكومة تشجعهم على الخضوع للقتل.
وتعمل السلطات الكندية على الترويج للموت باعتباره بديلاً أرخص وأسهل لصراعات الحياة، بعيدًا عن كونه الملاذ الأخير لأولئك الذين يعانون من مشكلات صحية غير قابلة للشفاء.
وأصبح الناشطون في مجال حقوق الأشخاص لذوي الإعاقة من أشد المعارضين لقوانين القتل الرحيم في كند، ففي يناير من العام الماضي، حذرت أكثر من 50 منظمة من أن القتل الرحيم يشكل تهديدًا وجوديًا للأشخاص ذوي الإعاقة، مما يقلل من قيمة حياتهم ويوفر للدولة ذريعة للتخلي عن مسؤولياتها تجاه المواطنين الضعفاء. وترى هذه المجموعات بحق أن كندا يجب أن تعمل على تحسين خدمات الرعاية الصحية للأشخاص ذوي الإعاقة ومساعدتهم على عيش حياة كريمة، بدلًا من تقديم المساعدة لهم على الموت "كحل".