الأسبوع الماضي وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قرارًا جديدًا، لتوجيه وتمويل الإدارة الرئاسية ووزارة الخارجية في "البحث عن العقارات في الاتحاد الروسي، والإمبراطورية الروسية السابقة، والاتحاد السوفييتي السابق، والتسجيل المناسب للحقوق والحماية القانونية لهذه الممتلكات".
وبسبب الصيغة الغامضة، استغل المدونون القوميون المتطرفون الوثيقة للدعوة إلى عدوان روسي جديد "ضد البلدان التي تسيطر الآن على الأراضي الروسية"، ومن بينها الولايات المتحدة، ودول حلف شمال الأطلسي في شرق ووسط أوروبا، والعديد من دول آسيا الوسطى.
في الوقت نفسه، زعمت حسابات وسائل التواصل الاجتماعي المؤيدة لأوكرانيا، بشكل غير صحيح، أن بوتين استخدم المرسوم لإعلان أن بيع ألاسكا الروسي عام 1867 للولايات المتحدة، غير قانوني أو غير شرعي.
لكن، نفت وزارة الخارجية الأمريكية التقارير التي تفيد بأن النزعة الانتقامية لدى بوتين، بسبب الدعم الذي تقدمه واشنطن لأوكرانيا، قد تمتد إلى ألاسكا.
وعندما سُئل عن مطالبة موسكو المزعومة بشأن ألاسكا، سخر نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل من الأمر.
وقال خلال مؤتمر صحفي أمس الاثنين: "أتحدث باسمنا جميعًا في الحكومة الأمريكية، لأقول إنه بالتأكيد لن يستعيدها".
استعادة الممتلكات
وفقًا للفقرة الفرعية 1 من الفقرة 2 من المادة 785 من قانون ميزانية الاتحاد الروسي، تصبح المؤسسة الفيدرالية الحكومية الوحدوية -مؤسسة إدارة الممتلكات في الخارج- التابعة لإدارة رئيس الاتحاد الروسي، هي "المتلقي للدعم المقدم من الميزانية الفيدرالية للدعم المالي للتكاليف المرتبطة بالبحث عن العقارات في الاتحاد الروسي، والإمبراطورية الروسية السابقة، واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية السابق".
وتقوم المؤسسة على "التسجيل الصحيح لحقوق الاتحاد الروسي فيما يتعلق بالعقارات الفيدرالية الحالية، البحث عن عقارات في الاتحاد الروسي والإمبراطورية الروسية السابقة، واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية السابق، والحماية القانونية لهذه الممتلكات".
وفي الواقع، لم يتم ذكر ولاية "ألاسكا" الأمريكية أو غيرها. حيث وضعت المادة لحماية ممتلكات روسيا خارج أراضيها الحالية.
ويشير الروس إلى أن ذلك القانون "يأتي بعد السرقات الغربية المتكررة للعقارات الروسية".
كان الرئيس الروسي قال في وقت سابق إن مواطنيه "يجب ألا ينزعجوا" بشأن الصفقة "غير المكلفة" التي اشترت خلالها الولايات المتحدة الولاية القابعة في أقصى شمال غرب أمريكا الشمالية.
لكن، كان حلفاؤه قد أشاروا أيضًا إلى أن موسكو ربما تعيد فتح القضية باعتبارها نزاعًا إقليميًا. حسب مجلة "نيوزويك" الأمريكية.
وقال تقرير للمجلة: "إن النزعة الانتقامية هي جوهر دولة بوتين الروسية القيصرية الجديدة، وواحدة من القوى الدافعة وراء عدوان موسكو المتكرر على أوكرانيا على مدى العقد الماضي، سواء في شبه جزيرة القرم، أو في منطقة دونباس الشرقية في عام 2014، أو ضمه المزعوم لجزء كبير من جنوب وشرق أوكرانيا عام 2022".
خطوة بخطوة
في عام 2021، نشر بوتين مقالًا طويلًا أعلن فيه أن الروس والأوكرانيين والبيلاروسيين جميعهم شعب واحد فعليًا، ورفض مفهوم الأمة الأوكرانية المستقلة.
وكتب بوتين: "خطوة بخطوة، تم جر أوكرانيا إلى لعبة جيوسياسية خطيرة تهدف إلى تحويل أوكرانيا إلى حاجز بين أوروبا وروسيا، ونقطة انطلاق ضد روسيا".
وقال "لقد جاء حتمًا وقت لم يعد فيه مفهوم "أوكرانيا ليست روسيا" خيارًا. كانت هناك حاجة لمفهوم "مناهضة روسيا" الذي لن نقبله أبدًا".
لكن ما أثار المخاوف الشعبية الأمريكية، هو ما اعتبره البعض "مزاحًا" من الرئيس الروسي السابق ورئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف، الذي كان يعتبر ذات يوم خليفة محتمل لبوتين.
ومازح ميدفيديف الغرب حول مطالبة موسكو المزعومة بألاسكا في منشور على موقع إكس، وكتب: "هذا هو الحال إذن. كنا ننتظر إعادتها في أي يوم. الآن لم يعد من الممكن تجنب الحرب"، وأنهى تدوينته برمز تعبيري ضاحك.
وفي ديسمبر 2020، اقترح يوري تروتنيف، نائب رئيس الوزراء ومفوض بوتين في دائرة الشرق الأقصى، اعتبار سكان ألاسكا "رعايا الإمبراطورية الروسية".
وقال: "أنا مستعد للتحدث مع وزارة الخارجية حتى يُنظر إلى سكان ألاسكا على أنهم رعايا الإمبراطورية الروسية".
وجاءت تصريحات تروتنيف ردًا على اعتبار الولايات المتحدة المواطنين الروس الذين ولدوا في الجزء الجنوبي من جزر الكوريل الروسية مواطنين يابانيين.
ممتلكات روسية
بعيدًا عن ألاسكا، تحدث ألكسندر كروشلنيتسكي، الأستاذ المشارك بقسم التاريخ الروسي بالجامعة الحكومية للعلوم الإنسانية، حول ممتلكات الدولة الروسية بالخارج في ظل المرسوم الجديد الذي أصدره بوتين.
ونقلت وكالة RBC عن كروشلنيتسكي قوله إن بعض العقارات والأراضي الموجودة على ساحل مدينة نيس بفرنسا، تقع ضمن نطاق مرسوم بوتين بشأن إقامة دعاوى قانونية لاستعادة ما قد تعود ملكيته إلى روسيا.
وقال: "في القرنين التاسع عشر والعشرين كانت روسيا تمتلك جزءًا كبيرًا من ساحل نيس"، مؤكدًا أن الحديث لا يدور فقط عن القصور والقلاع والأراضي المجاورة لها، لكن تتضمن أيضًا مناطق صيد الغابات وبعض مرافق الإنتاج.
وأضاف كروشلنيتسكي أنه، إلى جانب ذلك، هناك عدد من الحسابات في بنوك سويسرا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والنمسا والمجر، فتحها رعايا الإمبراطورية الروسية في بنوك تلك الدول.
وأوضح أن عددًا كبيرًا من تلك الممتلكات تعود إلى العائلة الإمبراطورية الروسية، وإلى أغنى عائلات الأرستقراطيين والصناعيين.
وأكد كروشلنيتسكي أن مصير معظم هذه الممتلكات في مرحلة ما بعد الثورة البلشفية، تبين أنه "مشكوك فيه للغاية" من الناحية القانونية.