تأتي ازدواجية المعايير التي تمارسها الولايات المتحدة تجاه الحرب الروسية- الأوكرانية في مقابل العدوان الإسرائيلي على غزة، لتنبئ بعواقب خطيرة على العلاقة بين الشرق والغرب، ودول الشمال والجنوب العالمي؛ التي قد تستمر تداعياتها لفترة طويلة من الزمن، بعد الانحياز الصارخ الذي تمارسه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ناحية تل أبيب.
وفي التحليل الذي نشرته صحيفة The Guardian "الجارديان" البريطانية، يُشير محررها الدبلوماسي باتريك وينتور، إلى أنه "عندما تقف الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة -وثماني دول أخرى- من أجل إجهاض قرار وقف إطلاق النار في غزة. صار من الصعب أن تصير أمريكا هي الدولة التي لا غنى عنها، كما كانت تقول مادلين أولبرايت -وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة- دومًا".
وعلى النقيض، يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعيش حالة من الانتعاش العالمي، بعد فترة من العزلة. وفق فيونا هيل، مسؤولة روسيا السابقة بالخارجية الأمريكية. التي تلفت إلى أن خطاب بايدن أمام الكونجرس، الذي ربط فيه بين إسرائيل وأوكرانيا من أجل الموافقة على منح مساعدات لكليهما "لم يسفر سوى عن ضحية واحدة، وهو الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي".
ثمن الانحياز
يلفت التحليل إلى أن "هذه الانتقائية التي تمارسها الولايات المتحدة سوف يكون لها تأثير كبير في الجنوب العالمي"، خاصة الموقف الذي اتخذته إدارة بايدن تجاه العدوان على غزة؛ حيث اعتبر الغرب لعقود أن القضية الفلسطينية مرتبطة برؤية واشنطن.
لذا، صارت القضية "أزمة متعددة"، كما يؤكد الخبير الإسرائيلي دانيال ليفي، الذي أكد أن الموقف الأمريكي يتناقض مع الاتجاه العالمي أو الجغرافيا السياسية السائدة حاليا "حيث تحتل القضية الفلسطينية بؤرة الاهتمام، فيما يبدو معارضة صارخة للنفاق الغربي الواضح".
يؤكد التحليل أن ما يقوم الغرب يتناقض تمامًا مع الهجوم الشرس الذي شنه الغرب على روسيا في الأمم المتحدة أيضا "فبعد شهور من سياسة العزلة التي اختارها الرئيس الأمريكي السابق ترامب لبلاده، عادت إدارة بايدن لتحشد الجمعية العامة ضد بوتين، بينما بقي حلفاء موسكو صامتين".
الآن، يبدو أن الإدارة الأمريكية تستعد لدفع ثمن انحيازها ضد الإرادة العالمية. حيث يشير "وينتور" إلى ما قاله الرئيس الروسي لعدد من الصحفيين حول التغييرات التي يشهدها النظام العالمي ونهاية حالة القطب الأوحد. وهو الأمر الذي يبدو أن واشنطن لا تستطيع مجاراته.
ما العمل؟
يوضح المحرر الدبلوماسي البريطاني في تحليله أن الفرصة صارت مواتية بالنسبة لموسكو التي ليس عليها سوى الانتظار: "لم يعد على الرئيس بوتين سوى الصمت وتشجيع خرق القواعد الأمريكية. والانتظار حتى الانتخابات الرئاسية 2024، حيث يتوقع مغادرة بايدن البيت الأبيض، وربما كذلك عودة ترامب إليه".
يقول: "وربما كان وعد ترامب بإنهاء الأزمة الأوكرانية في 24 ساعة قد يعني خسارة كبيرة في الأراضي لصالح روسيا".
كما ينصح الرئيس الأمريكي بأن طوق النجاة قد يكون -على الأقل- تخفيف الانحياز نحو إسرائيل، وإنهاء دعمه غير المشروط لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "فالدول العربية ترغب في إنهاء العدوان الإسرائيلي، كما أنه من مصلحة أوكرانيا إنهاء هذا الأمر الذي خطف منها الأضواء".
ورغم تقدير الكاتب الانحياز الأوكراني ناحية تل أبيب، لكنه يشير إلى أنه "إذا كان هناك رغبة لدى زيلينسكي في احترام النظام الدولي، فإنه لا ينبغي أن يكون في نفس الصف مع إسرائيل".