لا تزال هجمات الاحتلال الإسرائيلي العدائية المكثفة على قطاع غزة، تخلف عواقب إنسانية خطيرة، منها آلاف الشهداء والجرحى في جميع أنحاء القطاع، وهو ما يسبب ضغطًا على الأطباء، الذين قرروا الاستمرار من أجل إنقاذ ضحايا العدوان، رغم عدم توفر الأدوات والإمكانيات اللازمة لذلك، لينسجوا قصصًا خالدة من التفاني والشجاعة.
يستيقظ محمد، مدير إدارة الطوارئ والكوارث في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، في الساعة الـ6:30 صباحًا، ولا ينام هذه الأيام سوى نحو ثلاث ساعات، ويتقاسم غرفة في مركز عمليات الطوارئ شمال قطاع غزة مع 25 متطوعًا من الجمعية.
وقال محمد: "مهمتنا الأساسية هي انتشال الجثث ونقل الجرحى والمصابين بالسرطان أو أمراض الكلى إلى المستشفيات وإجلاء المدنيين وخاصة كبار السن والأطفال إلى مناطق أقل خطورة.. كذلك ندعم أيضًا البحث عن المفقودين ولم شمل العائلات المنتشرة في أنحاء القطاع".
وأضاف: "أحد المشاهد التي ستبقى في ذهني إلى الأبد كان عندما استقبلنا طفلًا مصابًا بجروح خطيرة وكان لا يزال متمسكًا برغيف خبز نظيف"، وفقًا لما أورده موقع الأمم المتحدة.
لم ير محمد زوجته وأطفاله الثلاثة الذين نزحوا إلى الجنوب منذ أن بدأت الحرب الغاشمة على القطاع قبل 63 يومًا، بينما أدى الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي والاتصالات بسبب نقص الوقود إلى صعوبة التواصل معهم.
ومثل محمد، فإن الدكتور أحمد مهنا، طبيب التخدير ومدير مستشفى العودة في مخيم تل الزعتر شمالاً، لم ير أطفاله الثلاثة وزوجته منذ بداية الحرب.
وقال "مهنا" إن "عدد المصابين الذين نستقبلهم هائل، فضلًا عن أن القدرة لدينا محدودة والإمدادات على وشك النفاد.. كما نستقبل النازحين المصابين بالالتهابات والأمراض الجلدية بسبب اكتظاظ مراكز الإيواء".
تشير التقديرات بدءًا من 3 ديسمبر الجاري إلى أن ما يصل إلى 1.9 مليون شخص في غزة (نحو 85% من السكان) أصبحوا نازحين داخليًا. ومن بين هؤلاء، هناك ما يقرب من 1.2 مليون شخص يلجأون إلى 156 منشأة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا) في مختلف أنحاء القطاع.
وأضاف مهنا أنه من بين 36 مستشفى في قطاع غزة كانت تعمل قبل الحرب، هناك 14 مستشفى فقط تعمل الآن، ويشمل ذلك مستشفيين صغيرين يعملان جزئيًا ويستقبلان المرضى في الشمال، مع خدمات محدودة فقط وبدون القدرة على إجراء العمليات الجراحية. أما المستشفيات الـ12 المتبقية في الجنوب، فهي تعمل جزئيًا منذ 6 ديسمبر".
وذكر مهنا أن "ما يجعلني أستمر هو رؤية الحاجة إلى دعم صحي ضخم، إن استمرارية عمليات هذا المستشفى أمر بالغ الأهمية.. أنا لست وحيدًا في هذا، زملائي الأطباء والممرضون والفريق بأكمله يكرسون جهودهم لتقديم المساعدة، حتى في ظل الإرهاق والبعد عن عائلاتهم".