عبر تغطيتها ببطانيات بيضاء عاكسة لأشعة الشمس، تأمل الصين في إبطاء وتيرة متسارعة لذوبان الأنهار الجليدية في العالم، من خلال مبادرة طرحتها في مؤتمر تغير المناخ "كوب 28"، بعد أن اتسعت رقعة ذوبان أنهار القطب الجنوبي لتقارب 7 أضعاف حجم بولندا، وفق أحدث تقارير رصد المناخ.
ذاكرة الأنهار الجليدية
أطلقت الصين، من خلال جناحها في مؤتمر تغير المناخ "كوب 28"، أولى مبادراتها لحماية الأنهار الجليدية بالعالم، مشروع "ذاكرة الأنهار الجليدية"، مبادرة استكشاف عالمية هدفها حماية الأنهار الجليدية، ورفع مستوى الوعي العام، بحسب ما أفادت وكالة "شينخوا" الصينية.
وخلال فعاليات مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، تبادل المندوبون والعلماء وجهات النظر حول مخاطر ذوبان الأنهار الجليدية، وطرق إبطاء العملية.
وإلى جانب مخاطر ارتفاع منسوب مياه البحر، لا تزال هناك سلسلة من المخاطر متوقع أن تترتب على ذوبان الأنهار الجليدية، حذّر منها المندوبون في المؤتمر، إذ من المتوقع أن تشمل أضرارًا تلحق بالأنظمة البيئية الجبلية العالية، إضافة إلى زيادة مخاطر الانهيارات الأرضية والفيضانات، فضلًا عن خسائر السياحة والأصول الثقافية، بحسب "شينخوا".
ورغم المبادرة إلا أنه لا تزال التدابير التي يتعين على العالم اتخاذها للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، التي بموجبها يذوب الجليد، مكمنها الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة وتعزيز استراتيجيات التكيف التي يمكن أن تساعد في الحد من الآثار الخطيرة.
7 أضعاف حجم بولندا.. ذوبان جليد قطب الجنوب
وفقد القطب الجنوبي ما يقرب من 2.20 مليون كيلومتر مربع من الجليد البحري، يونيو 2023، مقارنة بالمدى المتوسط طويل المدى لذلك الشهر (1981 إلى 2010)، بما يعادل 7 أضعاف مساحة بولندا، بحسب ما أفاد الإصدار الأخير من تقرير حالة المحيطات في الاتحاد الأوروبي "OSR 7"، الصادر عن خدمة كوبرنيكوس البحرية "CMEMS"، الذي أظهر تفاصيل مجموعة من الأنماط غير العادية عبر أنظمة المحيطات، بحسب موقع "كوبر نيكوس".
تجربة هضبة التبت
ومن خلال تجربة أجراها مجموعة من العلماء في هضبة التبت، طرحت الصين مبادرتها الجديدة "ذاكرة الأنهار الجليدية"، إذ استهدف الفريق البحثي هناك الحفاظ على آلاف الوظائف.
ويخطط الباحثون لنشر صفائح على مساحة تزيد على 4300 قدم مربع "ما يعادل 400 متر مربع" من الجبل. وهي على شكل لفات بلاستيكية بيضاء صممت لتعكس أشعة الشمس مرة أخرى إلى الغلاف الجوي، ما يحمي النهر الجليدي بشكل فعّال من الحرارة وإبطاء وتيرة ذوبان الجليد، بحسب ما نقلت صحيفة "بلومبرج" الصينية.
على مدى عقود من الزمن، دعمت أنهار داجو الجليدية حياة عشرات الآلاف من الأشخاص الذين يعيشون حولها، حيث توفر المياه الذائبة للنهر الجليدي مياه الشرب وتساعد في توليد الطاقة الكهرومائية، كما تجتذب المناظر الخلابة لهضبة التبت أكثر من 200 ألف سائح سنويًا، وبدورها تحافظ على توظيف أكثر من 2000 شخص.
والآن، وبعد أن فقدت الهضبة أكثر من 15% من أنهارها الجليدية خلال 50 عامًا، بفعل تغير المناخ، أصبح كل هذا تحت التهديد.
إبطاء الذوبان.. حل مؤقت
وأجمع العلماء الصينيون على أن العلاج الحقيقي الوحيد لذوبان الجليد يتلخص في خفض الانبعاثات، التي بدورها تسبب الاحتباس الحراري للكوكب، إلا أن جهود "ذاكرة الأنهار الجليدية" ينظر إليها باعتبارها أشبه بمحاولة طبيب لإطالة عمر مريض مُصاب بمرض عضال لبعض سنوات أخرى، بحسب وصف أحد الباحثين لصحيفة محلية نقلت عنها "بلومبرج".
وأكد الباحثون الصينيون أن المبادرة تمثل حلًا مؤقتًا لا أكثر، إذ إن تغطية أجزاء من الأنهار الجليدية ببطانيات عاكسة لأشعة الشمس يشبه "وضع ضمادة على جرح متدفق"، بحسب وصف أحد الباحثين في الفريق.
وقال تشو بين، الأستاذ المساعد في جامعة نانجينج، الذي يقود البعثة الصينية إن جميع أساليب التدخل البشري التي يعمل عليها الفريق، وإن أثبتت فاعليتها فإنها "لن تؤدي إلا إلى إبطاء الذوبان"، بحسب قوله، موضحًا "إذا استمرت الأرض في الدفء، وفي النهاية لن تكون هناك طريقة لحماية الأنهار الجليدية إلى الأبد"، بحسب "بلومبرج".
وأضاف حتى في حال تمكن العالم من إبقاء ظاهرة الاحتباس الحراري أقل من درجتين مئويتين - الهدف الذي التزمت به معظم البلدان في اتفاق باريس عام 2015 - فإن "أقل من نصف الأنهار الجليدية البالغ عددها نحو 4 آلاف في جبال الألب، اليوم ستبقى بحلول نهاية هذا القرن".
تجربة فعّالة
ورغم أن فكرة استخدام بطانيات بيضاء لحماية الثلوج ليست جديدة، إذ تم استخدامها منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، إلا أن الصين هذه المرة، من خلال فريق تشو تختبر مادة جديدة لديها القدرة على عكس أكثر من 93% من ضوء الشمس ومساعدة نهر داغو على فقدان الحرارة بشكل فعّال منذ بدأت التجارب ابتداءًا من عام 2020، بحسب ما تشير الأبحاث الصينية.
وتتكون بطانيات التجربة الصينية من أسيتات السليلوز، وهي ألياف طبيعية مصنوعة من النباتات، لتقليل تأثيرها على البيئة، وهي سهلة الاستخدام والتغطية على مساحات واسعة في وقت أقل، إذ يمكن استخدام المادة كجزيئات صغيرة تترسبها الطائرات دون طيار على الأنهار الجليدية التي يصعب الوصول إليها، بحسب "بلومبرج".
عواقب غير متوقعة
ورغم نتائج لا بأس بها تحققت في ظل تدهور تغير المناخ وتسارع وتيرة ذوبان الجليد، الصيف الحالي، تراوحت بين 50 إلى 70% مقارنة بالأسطح غير المحمية، لكن المواد الكيميائية أو الجزيئات البلاستيكية الموجودة في الصفائح يمكن أن تؤثر سلبًا على النظم البيئية المحلية وجودة المياه في مجرى النهر، بحسب دراسات أكدها أستاذ علم الجليد في زيورخ، ماتياس هاس، وقد تترك عواقب وخيمة غير متوقعة. بحسب توقعاته.