شخص بملابس مدنية، يجثو على ركبتيه في وسط الشارع رافعًا يديه، يستجدي جنود الاحتلال ألا يطلقوا عليه النار، ورغم ذلك يمطرونه بوابل من الرصاص، هو مشهد وحشي متكرر من قبل جنود الاحتلال تجاه الفلسطينيين، لكنه هذه المرة خلف قتيلًا منهم، في مشهد يُظهِر كيف يتعاملون مع أرواح الفلسطينيين.
انتقادات واسعة طالت جنود الاحتلال هذه المرة، لأن الضحية منهم، بل يعتبرونه بطلًا، إذ تعامل مع منفذي هجوم القدس، لكنه مات بطلقات جنود الاحتلال الذين ظنوه "فلسطينيًا".
في تعليقها على الحادث، قالت شرطة الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الجمعة، إن جنديًا إسرائيليًا ظن على ما يبدو أن مدنيًا إسرائيليًا فتح النار على أحد مسلحي المقاومة الفلسطينية اللذين أطلقا النار في محطة للحافلات في القدس هو مهاجم ثالث، وأصابه بجروح مميتة.
وقتل المهاجمان، وهم فلسطينيان من القدس الشرقية، ثلاثة أشخاص خلال ساعة الذروة صباح أمس الخميس، قبل أن يقتلهما جنديان خارج الخدمة والمدني الذي يدعى يوفال دورون كاسلمان، الذي توفي في المساء، جراء إصابته برصاص جندي الاحتلال.
وجاء في بيان للشرطة أن "نتائج التحقيق تشير حتى الآن إلى أنه خلال الهجوم، حدد أحد جنود الجيش الإسرائيلي واشتبه خطأً في أن يوفال (دورون كاسلمان)، هو إرهابي ثالث"، على حد وصف البيان.
وأضاف أن "الجندي أطلق النار عليه أيضًا مما أدى إلى إصابته بجروح خطيرة ووفاته بشكل مأسوي الليلة".
وأظهرت لقطات كاميرا المراقبة التي حصلت عليها "رويترز" سيارة بيضاء تتوقف بجوار محطة الحافلات المزدحمة، ثم خرج رجلان وسحبا بنادقهما وهاجما الحشد بينما هرب الناس، وبعد ذلك بوقت قصير أُطلق النار على المهاجمين الفلسطينيين.
وأظهر مقطع فيديو منشور على وسائل التواصل الاجتماعي كاسلمان وهو يستخدم سلاحه ضد أحد المهاجمين قبل أن يُلقي ببندقيته بعيدًا ويجثو على ركبتيه رافعًا يديه في الهواء، كما لو كان يشير إلى عدم إطلاق النار.
أرقام كارثية في غزة
في حين يظهر الفيديو بشكل واضح كيف تعامل جنود الاحتلال مع مدني رفع يديه مستسلمًا، وكيف قتلوه بوحشية ظنًا أنه "فلسطيني"، بلغ عدد الشهداء المدنيين في غزة، أكثر من 15 ألف شهيد، و37 ألف مصاب، ونحو 6500 مفقود تحت الأنقاض.
ومنذ انهيار الهدنة، أسفرت هجمات الاحتلال الإسرائيلي خلال الساعات القليلة الماضية، عن استشهاد 178 فلسطينيا، وإصابة 589 آخرين.
عنف المستوطنين
سجلت الأمم المتحدة نحو 600 حادثة، في الستة أشهر الأولى من 2023، أي قبل عملية طوفان الأقصى، في ارتفاع كبير في الهجمات، التي أسفرت عن إصابات بين الفلسطينيين وإضرار بالممتلكات.
وبحسب المتحدث ينس لايركه، سجل متوسط الاعتداءات من المستوطنين بحق الفلطسينيين 99 حادثة كل شهر، وزيادة بنسبة 39% مقارنة بالمعدل الشهري للعام 2022 بأكمله، ورغم ذلك شهد هذا العدد ارتفاعًا كبيرًا بعد عملية طوفان الأقصى.
وأظهرت أرقام الأمم المتحدة أن عدد هجمات المستوطنين اليومية ارتفع إلى ما يزيد على مثليه منذ هجوم حماس الذي أشعل فتيل الحرب الشهر الماضي.
تقنين للقتل
وكثيرًا ما ارتكب الاحتلال عشرات الإعدامات الميدانية في حق الفلسطينيين بحجة أنهم كانوا ينوون تنفيذ عمليات طعن أو دهس، كان أبرزها حالة الشهيد فضل القواسمي (18 عامًا)، إذ وثقت التسجيلات كيفية إعدامه بدم بارد، وكيف تبادل جنوب الاحتلال والمستوطنون الأدوار لتبرير قتله من خلال وضع سكين إلى جانبه، حتى يظهر وكأنهم كانوا يدافعون عن أنفسهم.
إقبال هائل على حمل السلاح
وتزامنا مع الإقبال الهائل لدى الإسرائيلين على حمل السلاح، إذ تقول وزارة الأمن القومي الإسرائيلي، إنها تصدر 1700 رخصة حيازة سلاح ناري يوميًا لمواطنيها منذ بدء الحرب على غزة.
وبحسب الوزراة، تلقت 236 ألف طلب للحصول على رخصة سلاح منذ 7 أكتوبر، وهو التوجه الذي تدعمه حكومة الاحتلال والوزير المتطرف إيتمار بن جفير.
وتزامنًا مع زيادة حمل السلاح لدى المستوطنين، الذين يعيشون على مقربة من الفلسطينيين، يسعى الاحتلال إلى شرعنة قتل الفلسطينيين من خلال الموافقة على قانون يعطي الشرعية للإعدامات الميدانية بحقهم.
والإعدامات الميدانية مجرمة، في المجتمع الدولي، حيث صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 163-44 في 15 يناير 1989 والذي يجرم الاعتداء والقتل بدون محاكمة، وهو ما يظهر جليًا في حادثة اليوم، إذ قتل جنود الاحتلال المستوطن بدون أي محاكمة ظنًا أنه "فلسطيني".
واعتقل جيش الاحتلال نحو 3200 فلسطيني من الضفة الغربية منذ بدء الحرب على قطاع غزة.
وبحسب وكالة الأنباء الفلسطينية، بلغ إجمالي عدد المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 7 آلاف أسير، بينهم نحو 200 طفل و78 امرأة