جاءت أم أبيها "غازي"، كما تحب أن ينادونها، حاملةً على عاتقها رسالة كل أم فلسطينية مكلومة، وطفل فقد والديه؛ لتقف في أرض السلام (مصر) تتحدث عن أرضها العصية على الكسر، والتي تقاوم منذ نحو 49 يومًا وجه الاحتلال القبيح، الذي راح يعيث في غزة خرابًا ودمارًا.
وبصوت شامخ، وزي اقتنص جزءًا من الهُوية الفلسطينية، وقفت مراسلة "القاهرة الإخبارية" من القدس المحتلة "دانا أبو شمسة" لتخبر العالم بما جرى للقطاع المحاصر والأرض المحتلة، وذلك خلال مشاركتها في فعالية "تحيا مصر.. استجابة شعب.. تضامنًا مع فلسطين"، التي عُقدت في استاد القاهرة الدولي المصري، مساء أمس الخميس.
حال فلسطين من حال "دانا"، فكلاهما يؤمن أن من رحم المعاناة يولد الأمل، ومن باطن الغيوم ينشق شعاع النور، ومن أرحام المحن تأتي المنح، ففي السادس من سبتمبر لعام 2021، أنجبت ابنتها "ناي"، وأصبحت أمًا للمرة الأولى وهو نفس اليوم الذي تمكّن فيه 6 أسرى فلسطينيين من الهرب من سجن جلبوع الإسرائيلي عن طريق نفق حفروه أسفل السجن شديد الحراسة.
وبمشاعر الأمومة التي اختلطت توزعت بين الجنين والوطن، دونت "أبو شمسية" مشاعرها بأنها في هذا التوقيت أصبحت أمًا، وقالت: "منذ ذاك الوقت أدركت كل حب أمي خوف أمي ولهفة أمي.. وفي السادس من سبتمبر خرج أسرانا من نفق الحرية مُحرِرين أنفسهم فأيقنت يومها أن ولادتي ستكون ميسرة كما تيسر لأسرانا الخروج من عتمة السجون، وفي السادس من سبتمبر خفق القلب وأصدر لحنا فأسميتها (ناي) لحن القلب والوطن".
منذ نعومة أظافرها و"دانا" تتابع الرسائل التليفزيونية التي كانت تقدمها الشهيدة الراحلة شيرين أبو عاقلة، من الضفة الغربية المحتلة، فحملت لها الجميل، وما إن تخرجت أهدت روحها رسالة الماجيستير التي حصلت عليها "ندية الخطاب في مضامين الإعلام الفلسطينية والإسرائيلية الموجهة للعالم الخارجي باللغة الإنجليزية عبر السوشيال ميديا".
وصفت "أبو شمسية"، صباح استشهاد "أبو عاقلة" بأنه ما أصعبه من صباح، يحمل بداخلها وجعًا كبيرًا وخوفًا أكبر لرحيل الزميلة والقدوة: "99% منكم لم يكن يعلم أن شيرين أبو عاقلة مسيحية- ورغم هذا أحببتموها، افتخرتم بمعرفتكم لها، استضفتموها في بيوتكم، تربينا على صوتها منذ الصغر- وهذا إذا دل فيدل على طيب أصلها وأخلاقها وتعاملها الملتزم بالشرائع الدينية والأعراف والتقاليد، فرأيناها محجبة في المسجد الأقصى ملتزمة في بيوت الشهداء".
لم يكن رحيل "شيرين أبو عاقلة" الأصعب في حياة "دانا"، فوصفت فقد والدها في السنوات الأخيرة عن عمر 43 عامًا، والذي لحقته خالتها الصغرى صاحبة الـ37 عامًا وخالها الأقرب لقلبها كما وصفته في عمر الـ42 عامًا، بأن الحزن والفقد الذي تشعر به يمكن تقسيمه على بلد بأكمها "لن تشعر بفاجعة الموت في حينه.. حتى هذا البكاء الذي ينتابك من هول الصدمة لن يشعرك به، ستشعر به عندما تجد أماكنهم الفارغة ماثلة أمامك دون وجودهم فيها.. عندما تفتقد حضور وجوههم، وروائحهم، وحديثهم.. عندما تتفقد دفء أياديهم فلا تجده، وصوت ضحكاتهم فلا تسمعه.. يمكنك أن تشعر بذلك ليلة عيد، وأنت تنتظر على أمل أن يأتوا ليجعلوا عيدك عيدًا، فلا يحدث.. عندما تصبح أقصى أحلامك عناق صغير تضمهم به لعله يروى ظمأ فراقهم، فلا يحدث".
رحل من رحل وبقي من بقي، ولا تزال "دانا أبو شمسية" كالأرض التي تنتمي إليها، كلاهما يقف صامدًا في وجه الاحتلال ليكمل مسيرة المقاومة لاستعادة الأرض، في مسيرة نضال لأكثر من 75 عامًا.