تعيش ألمانيا حالة من التخبط الاقتصادي، جعلت البلد الأقوى في أوروبا، في سباق لانتشال اقتصاده من حالة ركود وتضخم، في محاولات التعافي من آثار جائحة كورونا، بالإضافة إلى الضرر الذي طال البلاد بعد أزمة وقود طاحنة عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية ووقف إمدادات الغاز الطبيعي.
وتتزايد المخاوف داخل الاتحاد الأوروبي، من تأثير انتكاسة الحكومة الألمانية على إصلاح القواعد المالية على منطقة اليورو.
كانت وزارة المالية الألمانية فرضت "تجميد الإنفاق" على جميع الوزارات الفيدرالية، ما أدى إلى تعميق أزمة الميزانية التي هزت ائتلاف "إشارة المرور" الحاكم منذ الحكم المفاجئ الذي أصدرته المحكمة العليا في البلاد الأسبوع الماضي، بحسب "بي ار 4" الألمانية.
ويأتي قرار وزارة المالية بوقف معظم تراخيص الإنفاق الجديدة في أعقاب حكم المحكمة الدستورية الأسبوع الماضي الذي ترك فجوة بقيمة 60 مليار يورو في خزائن الدولة.
وتستعد الحكومة الآن لاحتمال حدوث تأثيرات مالية أوسع نطاقًا من الحكم، ما قد يحدُّ من قدرتها على سحب الأموال من مختلف الصناديق الخاصة التي تم إنشاؤها للتحايل على كبح الديون في البلاد، الذي يحدد سقف العجز الفيدرالي عند 0.35% من الناتج المحلي الإجمالي، إلا في أوقات الطوارئ.
وقال مسؤولون كبار في منطقة اليورو، إن حكم المحكمة الألمانية الذي أجبر برلين على تجميد 60 مليار يورو من الإنفاق الاستثماري الأخضر المخطط له، من غير المرجح أن يكون له تأثير كبير على إصلاح القواعد المالية للاتحاد الأوروبي، بحسب "رويترز".
وجمّدت الحكومة الألمانية تعهدات الإنفاق الرئيسية بعد ما أعلنت المحكمة الدستورية في البلاد أن استخدام أموال الطوارئ المتبقية بسبب وباء كورونا للاستثمار الأخضر غير دستوري.
وأثار الحكم تساؤلات حول مصداقية وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر، الذي يفرض قواعد أكثر صرامة تجاه القواعد المالية والديون في الاتحاد الأوروبي، التي تسمى ميثاق الاستقرار والنمو.
وقال أحد كبار المسؤولين في منطقة اليورو إن ألمانيا لن تغير موقفها في مفاوضات ميثاق الاستقرار والنمو (SGP)، وبالنسبة لهم فإن ميثاق الاستقرار والنمو يدور حول مبدأ أن كل دولة مسؤولة عن مواردها المالية العامة.
ومع حكم المحكمة الحالي بسحب الأموال من مشاريع التحول الأخضر، فقد تتخلف ألمانيا عن الركب بشكل أكبر فيما يتعلق بأهدافها المتمثلة في خفض الانبعاثات بحلول عام 2030 وصافي الانبعاثات بحلول عام 2045.
وترغب ألمانيا في العودة تدريجيًا إلى ما قبل فترة جائحة كورونا، والحفاظ على مرتبتها الأولى في قائمة الاقتصاد الأقوى أوروبيًا، وهو ما أكده المستشار الألماني أولاف شولتس، أنه في ضوء المفاوضات الصعبة والمتعثرة للميزانية المقبلة، ترغب البلاد في تخفيض إنفاق المليارات وفرملة الدين، منذ منتصف العام الجاري، بحسب "تاجز شاو".
ودعا المستشار أولاف شولتس إلى ضبط الميزانية والعودة تدريجيًا إلى الحياة الطبيعية للسياسة المالية قبل أزمتي كورونا والطاقة، بالإضافة إلى تشديده على أن أمن ألمانيا أولوية، بدعم قدرات الجيش.
ثلاثة تحديات أبرزها رئيس الوزراء الألماني، هي: تحقيق الحياد المناخي، وأن تظل البلاد دولة صناعية قوية، والحفاظ على التماسك الاجتماعي.
وقال شولتس: "بعد سنوات من الاقتراض غير المسبوق، من واجبنا أن نقود بلادنا إلى المستقبل على أساس متين، وهي الطريقة الوحيدة لمنح الأجيال القادمة فسحة تساعدهم في أوقات الأزمات الأخيرة".