"جئتكم يا سيادة الرئيس بغصن الزيتون في يدي، وببندقية الثائر في يدي، فلا تسقط الغصن الأخضر من يدي"، كلمات تاريخية قالها الزعيم الشهيد ياسر عرفات، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بنبرة واثقة تحمل التهديد في طياتها، مؤكدًا أن "الحرب تندلع من فلسطين والسلام يبدأ من فلسطين".
وجه ياسر عرفات حديثه إلى كورت فالدهايم الأمين العام في عام 1974، مرددًا عبارة "لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي"، مدافعًا عن القضية الفلسطينية والحق الشرعي لشعب اغتصبت أرضه.
تمر اليوم الذكرى الـ19 لاستشهاد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات "أبو عمار"، 11 نوفمبر، الذي استُشهد في 2004، وهو يدافع عن القضية الفلسطينية.
في كلمته بالذكرى، قال الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس: "نستذكر اليوم القائد الشهيد الرمز ياسر عرفات (أبو عمار) وشعبنا الفلسطينى يتعرض لعدوان شامل فى غزة والقدس والضفة".
وقال أبو مازن: "إن الشهيد ياسر عرفات، ترك لنا إرثًا وثوابت وطنية لن نحيد عنها أبدًا، فالتمسك بالأرض وعدم التفريط بحقوقنا الوطنية، تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد، وبقرارنا الوطني المستقل هي الأسس التي سنجسد عليها استقلال دولتنا الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية، فالشهيد ياسر عرفات والقادة المؤسسين عملوا على تعزيز الهوية الوطنية ووحدتنا الوطنية على أسس واضحة تدعم صمود شعبنا الفلسطيني على أرضه".
ولد الزعيم الشهيد، ياسر عرفات، في مدينة القدس، 4 أغسطس 1929، لأب تاجر اسمه عبد الرؤوف عرفات القدوة، ووالدته هي زهوة أبو السعود، من القدس، وعلى بعد خطوات من حائط البراق قضى "عرفات" طفولته، متابعًا الانتفاضات الدموية إبان الانتداب البريطاني، وعاش وسط عائلة الحسيني التي تنتمي إليها والدته، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا".
"ياسر عرفات"، شقيق لـ6 آخرين، وانتقل مع والده إلى القاهرة، والذي مارس فيها عمله بتجارة المواد الغذائية بالجملة.
كانت فترة مراهقة ياسر عرفات مختلفة عن أقرانه، اهتماماته كانت منصبة على القضية الفلسطينية، وكان مولعًا بالسياسة والشؤون العسكرية، وشارك في المظاهرات المعادية للاستعمار الإنجليزي في مصر، وانضم إلى الحركة الوطنية الفلسطينية في شبابه، من خلال "اتحاد طلاب فلسطين" عام 1944، الذي ترأسه بين عامَي 1953 و1968.
كان لياسر عرفات، دور في تهريب الأسلحة والذخيرة إلى ثوار فلسطين، وأسهم في حرب 1948، وقبيل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، كان الشهيد ياسر عرفات ضابطًا احتياطيًا أُرسل إلى بورسعيد؛ ليشارك في إطار سلاح المهندسين المصري، في عمليات نزع الألغام.
اسمه الحقيقي "محمد عبد الرؤوف عرفات القدوة"، أما الموسوعة البريطانية تسميه "عبد الرحمن رؤوف القدوة"، واسمه الحركي "أبو عمار"، أطلقه على نفسه تيمنًا بالصحابي عمار بن ياسر.
كرس "عرفات"، حياته للقضية الفلسطينية، وعندما سألته أخته: "لماذا لم تتزوج"، أجابها: أتريدين أن أتهم بتعدد الزوجات؟ ألا يكفى امرأتي الأولى، الثورة الفلسطينية؟.
بعد النكبة عام 1948، انتقل عرفات مع عائلته إلى غزة، التي كانت تحت الإدارة المصرية؛ ما ساعده على الوصول إلى القاهرة، ومتابعة دروسه في كلية الهندسة -جامعة الملك فؤاد الأول (جامعة القاهرة الآن)، ثم انضم إلى مجموعة المناضلين المصريين وحارب الإنجليز في قناة السويس، وحينها تعرف على بعض قادة الثورة المصرية؛ ومنهـم كمال الدين حسين، وخالد محيي الدين، ومجدي حسنين، وعدد آخر من أعضاء مجلس قيادة الثورة المصرية؛ وأقنعهم أن يقبلوا أول دفعة من الضباط الفلسطينيين من أبناء قطاع غزة في الكلية الحربية المصرية.
أكمل ياسر عرفات دراسته الجامعية، وتخرَّج مهندسًا مدنيًا، وعندها فقد قيادته لاتحاد الطلبة، الذي كان غطاءً لعمله السياسي. فأنشأ ما أسماه "جمعية اتحاد الخريجين الفلسطينية"، التي كانت سبيله إلى الاتصال بخريجي فلسطين، في خارج مصر.
بعد تخرجه عمل ياسر عرفات لمدة سنتين في المحلة الكبرى، ثم سافر إلى الكويت، في أوائل 1957 للعمل فيها، وكون ثروة هائلة كان ينفقها على تحركاته، وتحركات رفاقه، التي مهدت لإعلان "حركة فتح".
وفي الكويت التقى "عرفات"، برفاقه الذين شكلوا أول خلية لـ"حركة فتح"، خليل الوزير، وفاروق القدومي، وعادل عبدالكريم، ويوسف عميرة، والتف حولهم عدد قليل في سرية تامة، واجتمعوا في الكويت في 10 أكتوبر 1959، ليصبح اجتماعهم النواة الأولى للحركة.
زار عرفات بكين مرتَين قبل أن يصبح رئيسًا لمنظمة التحرير الفلسطينية: الأولى عام 1964، والثانية عام 1966، وتكللت جهوده بعد حرب يونيو 1967 إذ تلقّى العديد من الجماعات الفدائية التدريب العسكري منذ عام 1968، في معسكرات الصين.
في ليلة رأس السنة عام 1965، كان ياسر عرفات هو صاحب الرصاصة الأولى للثورة الفلسطينية، وكان عمره وقتها 35 عامًا، وبعد نجاح العملية، ظل يوزع البيانات على الصحف والجرائد، وظهر اسم "فتح" واسم "أبو عمار".
وجاء في البيان الأول للحركة: "بسم الله الرحمن الرحيم. مؤمنين بحق شعبنا في النضال من أجل استعادة وطنه المغتصب؛ وبالثورة العربية من المحيط إلى الخليج؛ وبدعم قوى التحرر في العالم، قامت وحدات من قواتنا المقاتلة، ليلة 31/ ديسمبر 1964، بعمليات ناجحة، أوكلت إليها داخل الأراضي المحتلـة. وعادت إلى قواعدها سالمة".
أشرف ياسر عرفات على العمليات الفدائية للشباب الفلسطيني، وبدأت حركة فتح تحت قيادته في تبني مواقعها الارتكازية على طول نهر الأردن، بعد هزيمة عام 1967، وفي مطلع عام 1968، شنت إشرائيل هجومًا على الحركة، وقال وقتها ردًا على مطالب الانحساب: "نطعـم لحومنا لجنازيـر الدبابات، ولا ننسحب". وخاض معركة من أعظم المعارك الفدائية وأعجبها، ومعه عدة مئات من الفدائيين، كبّد فيها إسرائيل خسائر بشرية ومادية، وأجبر قواتها على الانسحاب، بعد أن عجزت عن تحقيق أي تقدم، ووقتها طال سلاح الفلسطينيين الجيش الإسرائيلي الذي قيل إنه لا يقهر.
وبحسب "وفا"، استمر عرفات في قيادة العمل الفلسطيني على الجبهات، واستمر التأييد يصل إلى الثورة الفلسطينية، وخاصة من جمهورية مصر العربية، برئاسة جمال عبد الناصر الذي أعلن في بداية عام 1968، أنه يؤيد العمل الفدائي، ويمده بكل إمكاناته المادية والمعنوية.
وفي في 15 أبريل 1968، تم تعيين ياسر عرفات، ناطقاً رسمياً باسم "حركة فتح"، وبدأت الاتصالات بين منظمة التحرير الفلسطينية والحركة، من أجل انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني الرابع، الذي انعقد في أكتوبر 1968، في القاهرة، حيث اتُّفِق علـى وضع الأسس اللازمة لإعادة تكوين منظمة التحرير الفلسطينية.
وضع عرفات وحدة الفلسطينيين على عاتقه، وقال وقتها: "لا نريد وحدة مكاتب، ولا وحدة مناورات سياسية؛ ولكننا نريدها وحدة حقيقية؛ تستمد نبضها من ميدان النضال"، وأسفر جهده من أجل الوحدة؛ عن تنسيق قوات "العاصفة" وقوات التحرير الشعبية، عملياتهما في داخل إسرائيل.
في 1969، تولى ياسر عرفات، رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفي 1970 زار الاتحاد السوفيتي، على رأس وفد منها، في إطار التحركات الدولية لتدعيم موقف المنظمة، وعلى إثرها بدأت عملية تطوير التعاون بنجاح بين المنظمات السوفيتية والفلسطينية.
وفي عام 1974 ألقى ياسر عرفات الكلمة التي وصفت بالتاريخية، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في نيويورك، باسم الشعب الفلسطيني، والتي قال فيها "جئتكم حاملًا بندقية الثائر بيد وغصن زيتون باليد الأخرى، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي".
في 1982، وبصفته قائدًا عامًا للقيادة المشتركة لقوات الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، قاد المعركة ضد العدوان الإسرائيلي على لبنان، وقادر معارك الصمود خلال الحصار الذي فرضته القوات الإسرائيلية على بيروت لمدة 99 يومًا، انتهت باتفاق دولي يقضي بخروجه مع المقاتلين الفلسطينيين من المدينة، وعندها قال للصحفين إنه "ذاهب إلى فلسطين".
وفي 1985، نجا ياسر عرفات، من غارة إسرائيلية استهدفت ضاحية "حمام الشط" بتونس، أسقطت عشرات الشهداء والجرحى، وفي عام 1987 تحققت المصالحة بين القوى السياسية الفلسطينية المتخاصمة في جلسة توحيدية للمجلس الوطني الفلسطيني.
في 1988، أطلق ياسر عرفات، مبادرة السلام الفلسطينية لتحقيق السلام العادل في الشرق الأوسط، عقب إعلان الاستقلال في الجزائر في العام نفسه.
وفي 1993 وقع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين، اتفاق إعلان المبادئ "أوسلو" بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل في البيت الأبيض.
وفي 1996، انتُخب ياسر عرفات رئيسًا للسلطة الوطنية الفلسطينية في انتخابات عامة، وبدأت منذ ذلك الوقت مسيرة بناء أسس الدولة الفلسطينية.
وفي عام 2000، عندما فشلت مفاوضات كامب ديفيد، نتجية التعنت الإسرائيلي، اندلعت انتفاضة الأقصى، وحاصرته قوات الاحتلال في مقره، بتهمة قيادة الانتفاضة، واجتاحت عدة مدن في عملية أطلقت عليها اسم "السور الواقي"، وأبقت الحصار مطبقًا عليه في حيز ضيق يفتقر للشروط الدنيا للحياة الآدمية، لتتدهو حالته الصحية.
واستمرا الحصار الإسرائيلي لمقر إقامة عرفات في رام الله، عامين، عاش خلالهما ظروفًا صعبة، إذ جرى منعه من مغادرة منزله، وتعرض للاقتحام والاحتجاز عدة مرات، ما تسبب في تدهور حالته الصحية.
بعد تدهور حالته، نُقل إلى مستشفى بيرس العسكري في فرنسا، وقالت أرملته سهى عرفات، إنه مات مسمومًا، وهو الأمر الذي لم يتم حسمه، إذ أيّده تقرير لخبراء الطب الشرعي في سويسرا، وأنه ربما مات مسمومًا بمادة البولونيوم المشع.
فيما قال خبراء روس، في 2013، فحصوا رفات الرئيس الفلسطيني، إنه توفي لأسباب طبيعية، وليس جراء التسمم الإشعاعي.
وعلى الرغم من وفاته منذ 19 عامًا، لم يتم حل لغز وفاته، ليبقى محل جدل حتى اللحظة.