"كان الأمر كما لو كنا نقاتل الأشباح، أنت لا تراهم"، هكذا وصف أرييل بيرنشتاين، وهو جندي إسرائيلي سابق، شارك في الحرب على غزة، كيف يظهر مقاتلو المقاومة الفلسطينية من العدم، مشيرًا إلى أن "الأنفاق" كان لها تأثير مربك على جيش الاحتلال عندما يظهر المقاتلون من العدم لشن هجوم على القوات، من النقاط العمياء التي تصنعها تلك الأنفاق.
منذ بداية الحرب على قطاع غزة، يتصدر الحديث عن أنفاق غزة كل وسائل الإعلام، عربية كانت أو غربية، وكيف أنها تخلق صعوبات كبيرة أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي في اجتياحه البري.
ولا تعد معارك الأنفاق أمرًا جديدًا في غزة فقط، وطالما كانت سمة من سمات التاريخ، بداية من الحصار الروماني لمدينة أمبراسيا اليونانية القديمة، وحتى في حرب روسيا وأوكرانيا، عندما تصدى المقاتلون الأوكران للقوات الروسية في 24 كيلومترًا من أنفاق الحقبة السوفيتية، أسفل أعمال الحديد والصلب في آزوفستال في ماريوبول لمدة 80 يومًا تقريبًا. في عام 2022.
وشبهت مجلة "فورين بوليسي" الأنفاق في غزة، بأنفاق "كو شي" في فيتنام، فخلال الحرب التي استمرت 20 عامًا، كبد مقاتلو الفيت كونج (الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام) الجيش الأمريكي خسائر فادحة بكمائن "الضرب والهرب"، التي انطلقت من الأنفاق المتطورة التي بنيت لخداع القوات التي تقودها الولايات المتحدة.
خلال عام 1969 قدر عدد الجنود الأمريكيين الموجودين على الأراضي الفيتنامية، بأكثر من نصف مليون، دخلوا في مواجهة مع قوات الفيت كونج، التي اتبعت أسلوب حرب العصابات، والاختباء في الغابات والأنفاق.
خلال المعارك، برز استخدام قوات الفيت كونج لما عُرف بأنفاق "كو شي"، وشنوا الهجمات التي تسببت في ارتفاع الخسائر البشرية الأمريكية.
وعن تاريخ هذه الأنفاق، فقد باشرت القوات الشيوعية، في حفرها منذ الأربعينات خلال حرب الاستقلال ضد السلطات الفرنسية، وكانت بدائية في بادئ الأمر، ولمسافات قصيرة، كانت تستخدم لمساعدتهم في الاختباء والاحتماء من القصف الفرنسي.
ومع دخول القوات الأمريكية، حرب فيتنام، وسعت قوات الفيت كونج الأنفاق، لمسافة تصل إلى 250 كيلومترًا، ما بين مناطق سايجون (Saigon) والحدود الفيتنامية الكمبودية.
تطورت أنفاق كو شي، وأصبحت مقرًا دائمًا للمقاومة خلال حرب فيتنام ضد القوات الأمريكية، وأصبحت مصدر إلهام لمناطق أخرى عبر التاريخ بعد ذلك.
مدينة تحت الأرض
وُصفت أنفاق المقاومة الفلسطينية، في غزة بأنها مدينة تحت الأرض، إذ يصل عمق بعضها إلى 30 و40 مترًا تحت الأرض، وتستخدمها لشن الهجمات وتخزين الصواريخ ومخابئ الذخيرة، ومباغتة القوات الإسرائيلية المتوغلة في القطاع.
يطلق أهالي القطاع على شبكة أنفاق حماس، اسم "المدينة الأرضية"، ويسميها الاحتلال باسم "مترو غزة"، وحاول استهدافها مرارًا.
في 2021، قالت المقاومة الفلسطينية أنها حفرت أنفاقًا بطول 500 كيلو متر تحت غزة، وتوصف بأنها شبكة معقدة وكبيرة جدًا وضخمة تحت الأرض.
وأظهرت المقاطع المنشورة لأنفاق حماس، أنها مجهزة بالكهرباء والكابلات الهاتفية ومبطنة بالخرسانة.
ويمكن للمقاومة استخدام قاذفات الصواريخ المخبأة في الأنفاق، والتي تخرج من خلال "الباب المسحور"، لتطلق النار وتختفي مجددًا، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
ووصف تقرير لوكالة "أسوشيتد برس"، أنفاق غزة بأنها "التهديد الأكبر" للقوات الإسرائيلية في هجومها البري، مشيرة إلى أن إسرائيل تسعى لتفكيك حماس والقضاء على هذه الأنفاق.
وبحسب التقرير، تجرد أنفاق حماس قوات الاحتلال من المزايا التكنولوجية إلى حد كبير، وتعطي ميزة كبيرة تحت الأرض وفوقها.
وتشير الوكالة، إلى أن "حرب الأنفاق" هي الأكثر صعوبة على مر التاريخ، إذ يمكن للطرف الذي بنى الأنفاق أن يختار المكان الذي ستبدأ فيه المعركة، وكيف تنتهي، بفضل الكمائن التي يمكنه نصبها.
وتعج مواقع التواصل الاجتماعي بفيديوهات، تنشرها المقاومة، التي أعلنت عن تدمير أكثر من 150 دبابة وآلية عسكرية لإسرائيل منذ بدء العدوان حتى الآن، يظهر خلالها رجال المقاومة وهم يخرجون من الأنفاق ويستهدفون قوات الجيش الإسرائيلي المتوغلة في القطاع.
تدمير شبكة الأنفاق
أكد الاحتلال الإسرائيلي أن أولويته تتمثل في تدمير شبكة أنفاق حركة حماس الممتدة تحت قطاع غزة.
وأعلن جيش الاحتلال، أنه تم تدمير 130 مدخلا للأنفاق منذ بداية الحرب، وقال المتحدث باسمه دانيال هاجاري إن "حماس فقدت السيطرة على شمال قطاع غزة"، مؤكدًا أن جنودًا من سلاح المهندسين يستخدمون عبوات ناسفة لتدمير شبكة الأنفاق.
هدن إنسانية
وصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى يومي الـ34، والذي أسفر عن استشهاد نحو 11 ألف فلسطيني، أغلبهم من النساء والأطفال.
وأعلن البيت الأبيض أن إسرائيل تبدأ تنفيذ هدن لمدة 4 ساعات يوميًا، شمالي قطاع غزة للسماح للمدنيين بالفرار، وتم تحديد ممرين إنسانيين سيتم السماح للسكان بالفرار من خلالهما.