يستيقظ أطفال غزة ليجدوا أجسادهم مبتورة كأرضهم، سيظلان شهود عيان على صراع منذ 75 عامًا ولا يزال، فكلاهما جُرحه الغائر يذكره بالمعاناة من أجل البقاء، حتى وإن كان الثمن ساق أو ذراع أو شبر من الأرض.
المشافي الفلسطينية لا تزال تقاوم، يهرع إليها ما تبقى من الآباء والأمهات حاملين أطفالهم مغشى عليهم من شدة قصف المحتل وآمالهم معلقة في إنقاذ أرواح أطفالهم حتى تهبط عليهم قذيفة أخرى لا تقل قهرًا عن قصف الاحتلال وهي أنه لا مفر من البتر.
"لا أريد أطرافًا صناعية، أرجعوا لي ساقي".. كلمات يرددها أطفال غزة للوهلة الأولى فور استيقاظهم وتحسس أطرافهم فيجدونها قد سبقتهم للعالم الآخر، فالطفلة "ليان" صاحبة الـ13 عامًا واحدة من مئات الأطفال التي غادرها جزء من جسدها ليظل يذكرها بالاحتلال الإسرائيلي.
في مستشفى خان يونس جنوب قطاع غزة لا تزال "ليان" هناك تمكث لا حول لها ولا قوة بعد أن انتزع منها الاحتلال ساقيها، رافضة كل المساعي لإقناعها بأنها ستعود تمارس حياتها مرة أخرى فور وضع طرف صناعي، فتقطع كل محاولات التهدئة بعبارة واحدة قاطعة: "أريد أن يزرعوها ثانية.. ليست مقطوعة تمامًا بإمكانهم إعادة زرعها".
لم تكن تعلم ابنة الـ13 عامًا أن خطواتها إلى منزل شقيقتها الكبرى للاطمئنان عليها بعد إنجابها طفلها الأول سيداهمها القصف الإسرائيلي لحي القرار بخان يونس استفاقت منه لتجد نفسها في المستشفى دون قدميها.
"بأي ذنب بترت قدماي؟.. كنت أحلم أن أصبح ممرضة أنا وصديقاتي، كيف سأعود للمدرسة وصديقاتي يسرن وأنا لا أستطيع المشي؟.. سأواصل من أجل فلسطين"، أسئلة كثيرة ترددها "ليان" فاقدة الطرفين على مسامع والدتها المكلومة ليس على "ليان" فقط بل التي فقدت ابنتيها وحفيدين أحدهما رضيع وُلد للتو، بعد أن سلب الاحتلال الغاشم روحه قبل أن تأتي للحياة.
"ليان" لا تقل وجعًا وألمًا عن ابنة الـ14 عامًا "لمى" التي استيقظت بعد غارة إسرائيلية في 12 أكتوبر الماضي هي الأخرى لتجد ساقها مبتورة.
لم ولن يستطع الاحتلال الإسرائيلي النيل من أحلام وطموحات أطفال غزة، تقول "لمي" إنها شعرت للوهلة الأولى بالضيق والحزن وأنها ستلجأ لطرف يساعدها على أن تواصل الحياة وتصبح طبيبة، وأنها لابد أن تكون قوية من أجل أسرتها ووطنها.
"حين استيقظت سألت أخي أين ساقي؟، قال لي إنها موجودة لكني لا أشعر بها بسبب المخدر، ضحك علي حتى الصباح ثم أخبرني ابن عمي بأنها فارقتني"، بهذه الكلمات عبّر الطفل أحمد صاحب الـ14 عامًا عن ألمه لفقدان ساقه في قصف دمّر منزله وسلب روح ستة من أبناء عمومته.
يواصل أحمد كلماته التي يتخللها البكاء المستمر: "أول ما بدر في ذهني أني لن أتمكن من المشي ولعب كرة القدم التي أمارسها يوميا في الحارة".
"لا خيار آخر غير البتر" هكذا يلجأ الأطباء في مستشفيات غزة بسبب نقص الإمكانيات المتاحة لتجنب المضاعفات، فيقول أحدهم إن القرار صعب إذ ما تم المفاضلة بين إنقاذ حياة المصاب أو إنقاذ الطرف المصاب وأن الكثير من الجراحات تجرى دون تخدير.