عندما تذكر أكبر سجن مفتوح في العالم، فأنت تتحدث عن قطاع غزة، التي تعد بقعة شاهدة على جرائم الاحتلال الإسرائيلي المستمرة، في ظل الفصل العنصري أو ما يعرف بنظام الأبارتهايد، وهي المعاناة التي عاشتها جنوب إفريقيا في القرن الماضي، بينما يرزح الفلسطينيون تحت وطأته.
المعاناة المتشابهة، جعلت جنوب إفريقيا واحدة من أكثر الدول دعمًا للقضية الفلسطينية، وخرج رئيسها سيريل رامافوزا ليعلن دعمه مرارًا، ورفض ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، وآخرها ترحيل 1.1 مليون فلسطيني عن الجزء الشمالي من قطاع غزة، مع انطلاق عملية "السيوف الحديدية".
الفصل العنصري في إسرائيل
وقال "رامافوزا"، إن الفلسطينيين يعيشون تحت الاحتلال منذ ما يقرب من 75 عامًا، وهم لا يخوضون صراعًا ضد حكومة قمعية احتلت أراضيهم فحسب، وإنما أيضًا ضد دولة توصف بأنها "دولة فصل عنصري".
وأضاف رامافوزا: "باعتبارنا أعضاء في حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الذي كافح ضد نظام الفصل العنصري القمعي هنا في جنوب إفريقيا، فإننا نؤكد تضامننا مع الفلسطينيين".
عاشت جنوب إفريقيا قبل فلسطين، معاناة الفصل العنصري، فما هي جريمة الأبارتهايد؟
القانون الجنائي الدولي، ينص على أن الفصل العنصري يعد انتهاكًا جسيمًا، لحقوق الإنسان، وجريمة ضد الإنسانية، وخلص تقرير دولي صادر عام 2022، إلى أن نظام إسرائيل يرتقي إلى مستوى الفصل العنصري "أبارتهايد"، وأن المجتمع الدولي عليه الضغط بقوة من أجل تفكيك ذلك النظام القاسي.
وهناك 3 اتفاقيات دولية أساسية تحظر وتجرم صراحة الفصل العنصري، وهي "الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (اتفاقية التمييز العنصري)، والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري (اتفاقية الفصل العنصري)، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (نظام روما الأساسي).
جريمة "الأبارتهايد"، أو الفصل العنصري، تقع عندما يُرتكب أي عمل لا إنساني أو وحشي، في سياق نظام مؤسسي من الهيمنة، والقمع باعتباره معاملة قاسية تتسم بالتمييز المجحف بشكل ممنهج ودائم، من جانب فئة ما تجاه أفراد من فئة أخرى بقصد الهيمنة، بحسب نظام روما الأساسي، واتفاقية الفصل العنصري.
كيف تطبق إسرائيل الفصل العنصري؟
الأساس في تطبيق "الفصل العنصري" من جانب إسرائيل هو قانون الطوارئ في الضفة الغربية والمعروف بقانون "الأبارتهايد"، والذي تحرص على تمديده كلما انتهى، منذ إطلاقه في 1967، وهو قانون يشرع الاستيطان والمزيد من التعديات على الفلسطينيين.
وفي يناير 2023، صدق الكنسيت الإسرائيلي على القانون، وتم تمديده 5 سنوات إضافية، ليصبح ساري المفعول حتى 15 فبراير 2028.
ويمنح هذا القانون صلاحيات للمحاكم الإسرائيلية بفرض عقوبات على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وتنفذ اعتقالات بحقهم، كما يمنح لإسرائيل صلاحيات بسجن فلسطينيين، داخل إسرائيل، رغم أن القانون الدولي يحظر على دولة الاحتلال سجن سكان يقعون تحت الاحتلال خارج منطقتهم.
وتمارس إسرائيل الفصل العنصري، بحق الفلسطينيين خاصة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتنتهك حرية التنقل، وتبني المزيد من المستوطنات، كما أنها تحمي المستوطنين الذين يعتدون على منازل الفلسطينيين، إلى جانب آخر من التمييز الأيديولوجي الفكري، وهو أن الأشخاص ذوي الديانة اليهودية مميزون، ومن واجباتهم أن يقيموا دولة يهودية، وبالتالي ينبغي على السكان اليهود فيها أن يكونوا أغلبية سكانية، لهم السيطرة الكاملة، سواء سياسيًا أو جغرافيًا أو عسكريًا.
كما أن إسرائيل لا تطبق حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين شردتهم، لإنشاء دولتها، وهو انتهاك واضح لحقوق الإنسان، هدفه إبقاء اليهود كأغلبية، بغرض إبقاء السيطرة لهم.
تاريخ جريمة الأبارتهايد؟
بدأت جريمة الأبارتهايد أي الفصل العنصري، في جنوب إفريقيا، عندما حكمت من خلاله الأقلية البيضاء، منذ عام 1948 وحتى إلغائه في 1990-1993، واستند القانون الذي أنشأه الحزب الوطني المسيطر وقتها، على 3 ركائز وهي قانون تصنيف السكان، وقانون الإسكان المنفصل وقانون الأرض.
وكان السكان يصنفون منذ الولادة إلى 4 فئات "بيض، سود، هنود، خلاسيون"، وكان التمييز بينهم يتم في كل المناحي، وفي الحياة اليومية، خصصت حافلات ومطاعم وشبابيك تذاكر، للبيض، وحظر الزواج المختلط، وكان السود يحصلون على خدمات أقل جودة، سواء من تعليم أو صحة أو غيره.
كانت 87% من الأراضي، ملكًا للبيض، وأجلي نحو 3.5 مليون شخص، قسرًا، ونقلوا إلى "بلدان السود"، وحتى عام 1986 كان على السود حمل "تصريح"، يتحكم في تنقلهم، ويحدد الأماكن التي يسمح لهم بالذهاب إليها.
في 1990، فاجأ الرئيس فريدريك دو كليرك، الجميع بإضفاء الشرعية على المعارضة السوداء، وأفرج عن نيلسون مانديلا بعد أن قضى 27 عامًا في السجن، وألغى النظام العنصري في 30 يونيو 1991.
وفي أبريل 1994 أجرت جنوب إفريقيا، أول انتخابات متعددة الأعراق، لتطوي صفحة الفصل العنصري، ليُنتخب نيلسون مانديلا رئيسًا لها، ويعلق قائلا "أحرار أخيرًا".