يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي قصف قطاع غزة، لليوم السابع على التوالي، ويحشد قواته ودباباته على حدود القطاع المحاصر، تمهيدًا لاجتياح برى، ينذر بحرب طويلة الأمد، وسط تقديرات إسرائيلية بأن فصائل المقاومة الفلسطينية تستعد لصراع ممتد.
وذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، في تقرير لها، أن القوات الإسرائيلية كثفت استعداداتها لهجوم بري على قطاع غزة للقضاء على فصائل المقاومة، في أعقاب عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها الفصائل الفلسطينية في مستوطنات غلاف غزة، صباح السبت الماضي.
ونقلت الصحيفة عن جيش الاحتلال أن "هناك مؤشرات على أن فصائل المقاومة تستعد لصراع ممتد مع إسرائيل". وقال قائد الجبهة الداخلية لجيش الاحتلال اللواء رافي ميلو، للصحيفة، إن "الوتيرة البطيئة نسبيًا لإطلاق الصواريخ من قطاع غزة، أمس الخميس، تشير إلى أن فصائل المقاومة تستعد لمعركة طويلة".
وحسب رافي ميلو، تدير فصائل المقاومة إطلاقها للنيران بطريقة تجعلها تتهيأ لأسابيع من القتال، وقد خفضت معدل إطلاق النار إلى حوالي 200-400 صاروخ يوميًا، بغية السماح لنفسها بخوض معركة طويلة جدًا، إذ إن الفصائل أطلقت في الهجوم الأولى آلاف الصواريخ على إسرائيل في غضون ساعات قليلة.
وتابع ميلو أن "الفصائل تستهدف وسط إسرائيل مرة أو مرتين يوميًا لإبقاء العديد من الإسرائيليين تحت تهديد إطلاق الصواريخ".
لكن ما ينتظر قوات الاحتلال في غزة، "أسوأ ما يمكن تخيله"، بحسب إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق الذي أرسل قواته البرية إلى القطاع عام 2008.
قال أولمرت في تعليقات على الاجتياح البري الوشيك لقطاع غزة، نقلتها صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية: "لن يكون الأمر بسيطًا ولن يكون ممتعًا، سواءً بالنسبة لنا أو لهم".
أنواع جديدة من القاذفات والصواريخ
وأضاف أن "القوات الإسرائيلية ربما تتجه بدخولها غزة نحو مواجهة مع أنواع جديدة من القاذفات أو الصواريخ الأقوى، وكذلك أنواع أكبر وأحدث من الصواريخ المضادة للدبابات التي لا نعرفها".
وأوضحت الصحيفة، أنه عكس ما حدث في الماضي من إرسال جيش الاحتلال لتحقيق أهداف محدودة، يتعهّد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، اليوم، بتحقيق النصر الكامل على الفصائل، مشيرة إلى أن تلك المهمة شديدة التعقيد والصعوبة.
ولفتت إلى أن الفصائل في غزة، جمعت ترسانة صاروخية ضخمة منذ دخول آخر جندي إسرائيلي إلى غزة عام 2014. كما حفرت مئات الكيلومترات من الأنفاق التي تُعرف باسم "مترو غزة" لنقل المقاتلين والأسلحة دون رصدها، وتدرّبت على القتال في المناطق الحضرية.
وذكرت الصحيفة أن لدى جيش الاحتلال الإسرائيلي، قناعة سائدة بأنه على علمٍ كامل بحجم ابتكارات الفصائل التي لا تتوقف. حيث أنفق الاحتلال مليارات الدولارات على أجهزة الاستشعار لرصد التحركات تحت الأرض، وبنى حاجزًا لمنع وجود أنفاق تصل إلى داخل الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل.
وقالت الصحيفة إن جيش الاحتلال الإسرائيلي سيخوض حربًا ضد عدو يتطلع إلى استغلال كل مزايا الدفاع الحضري، بدايةً بالأفخاخ المتفجرة ومواقع القناصة وصولًا إلى الثكنات المحصنة، فضلًا عن مجموعة من التكتيكات منخفضة التقنية التي ستحد من جدوى التفوق التكنولوجي لإسرائيل.
شبكة الأنفاق
ونقلت الصحيفة عن العقيد المتقاعد في قوات الاحتلال شمعون أراد: "لطالما ردعت شبكة الأنفاق الاحتلال عن شن عمليات برية مكثفة داخل غزة".
لهذا يعتمد جيش الاحتلال الإسرائيلي على تطبيق "عقيدة النصر" المزعومة، التي تتطلب من القوات الجوية تدمير مجموعة كبيرة من الأهداف المدروسة مسبقًا وبسرعة كبيرة.
وقد بدأ تطبيق تلك العقيدة بالفعل، حيث تقصف المقاتلات النفاثة مساحات شاسعة من غزة، دون التوقف إلا من أجل التزود بالوقود، وهو ما يحدث في الجو في كثير من الأحيان.
ويقول جون سبينسر، الرائد الأمريكي السابق الذي يرأس دراسات حرب المدن في معهد الحرب الحديثة بالأكاديمية العسكرية الأمريكية: "ستكون الحرب دمويةً للغاية. لا يمكن تغيير طبيعة حروب المدن. وستقع الكثير من الأضرار الجانبية".
حرب المدن
وحسب "فاينانشال تايمز"، فقد طور الاحتلال الإسرائيلي واحدة من أكثر الدورات المتطورة للتدريب على حرب المدن في العالم، وذلك استعدادًا لصراعات كهذه، إذ تجري التدريبات في معسكر "بلدية" الممتد على مساحة 5000 فدان جنوب الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي بُني عام 2005 ليبدو أشبه ببلدات الشرق الأوسط التقليدية. ويحتوي المعسكر على 600 بناية مرتبة حول شوارع ضيقة.
ويعتمد أحد التكتيكات العسكرية على اقتحام البنايات من الجدران الجانبية؛ لتفادي الأبواب المفخخة. وبمجرد الدخول، يبدأ الجنود في التقدم بتفجير الجدران الداخلية لتفادي نيران القناصة على السلالم، كما يتفادون الحركة في المساحات المفتوحة بالشوارع.
وهناك استراتيجية أخرى تعتمد على استخدام جرافات مدرعة بارتفاع ثلاثة طوابق لإخلاء الطريق أمام الوحدات المقاتلة على الأرض.
ويقول أنثوني كينج، استاذ دراسات الحرب في جامعة إكستر، إن خطوة الاحتلال الإسرائيلي المحتملة الأولى ستتضمن بناء ما وصفه بـ"أسطوانة متعددة الطبقات من القوة الجوية على ارتفاع 18 كيلومترًا فوق سماء المعركة".
كما أوضح كينج: "ستحلق المسيرات الصغيرة والمروحيات الهجومية على أقرب مستوى من الأرض، ومن فوقها مسيرات المراقبة والمسيرات الانتحارية، ثم تأتي المقاتلات النفاثة فوق تلك المسيّرات، بينما تحلق على قمة ذلك كله طائرات الاستطلاع الاستراتيجية. علاوةً على أن جميع تلك الطائرات ستكون متصلةً ببعضها البعض".
أضاف قائلًا: "ستشهد الخطوة التالية تحرك المدرعات عبر الشوارع، وقذائف المدفعية التي ستفتح الطريق. سيكون الهجوم مدمرًا للغاية".
ألغام وكمائن
وقبل أن تصل قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى معاقل الفصائل الحضرية، سيتعين عليها اختراق سلسلة من الخطوط الدفاعية التي ستشمل الألغام ومواقع الكمائن وأهداف قذائف هاون، بحسب مراجعةٍ نشرها المستشار الأمني الإسرائيلي السابق ناداف موراج مؤخرًا.
حيث ستكون قذائف هاون الثقيلة، والرشاشات الآلية، والأسلحة المضادة للدبابات، والقناصة، وربما عدد من الاستشهاديين في انتظار قوات الاحتلال على مشارف غزة.
كما أن اختراق الأنفاق سيحتاج إلى اشتباكات قريبة مكثفة واستخدام "القنابل الإسفنجية"، وهي عبارة عن مركب كيميائي يُغلق المداخل الصغيرة.
فيما أوضح موراج: "لن تدمر تلك القنابل الأنفاق، لكنها ستسمح للقوات بالتقدم دون الاضطرار إلى القضاء على قوات العدو في كل نفق".