أعطت حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 درسًا نموذجيًا يُحتذى به في فنون الحرب والمعارك، وفي براعة التخطيط الاستراتيجي والقيادة الحكيمة التي استخلصت العبر والدروس، وحطمت نظرية الأمن الإسرائيلي، فانهار العدو معنويًا وعسكريًا رغم التحصينات والتسليح، وشعر العالم بمزيج من الدهشة والصدمة، ليتوقف التاريخ العسكري أمام تلك الحرب، ليسجل بحروف من نور أبطالًا داخل عقول أجيالٍ رسموا على صدورهم حب الوطن.
استطاعت القوات المسلحة المصرية، التي تحتفل اليوم بمرور 50 عامًا على انتصارات أكتوبر عام 1973، بعد نكسة 1967 إعادة ترتيب أوراقها من جديد في فترة زمنية قصيرة، رغم الظروف النفسية السيئة التي كان يعاني منها الجنود والمواطنون، وضعف الإمكانيات، واستطاعت أن تعيد بث الروح المعنوية العالية في نفوس الجنود البواسل، وجرى تسليح القطاعات كافة والتدريب على أعلى مستوى وكانت نظرية الخداع الاستراتيجي وعنصر المفاجأة هو السلاح الحاسم ضد العدو الصهيوني.
التاريخ العسكري
توقف التاريخ العسكري أمام خطة تلك الحرب العظيمة، فالعالم كان يرى مصر في هذا التوقيت غير قادرة على الحرب والقتال أمام التفوق العسكري الإسرائيلي، خاصة بعد أن فقدت جيشها ومعداتها عام 1967، لكنها خاضت الحرب على عكس التوقعات، وأذهلت العالم، والنتيجة لم تكن استرداد الأرض المحتلة فقط بل وتأمين الحدود، حتى إن العدو لم يجرؤ على التفكير في المحاولة مرة أخرى، وجلس يتفاوض ووقّع معاهدة سلام، وأدرك العالم منذ ذلك الحين أن مصر بها جيش وطني متأهب لقطع أيدي كل من تسول له نفسه الاقتراب من أرضه أو محاولة المساس بأمنها.
خرجت مصر من تلك المعركة التي غيرت مسار التاريخ وحطمت البطولات الزائفة للعدو الإسرائيلي بجيش عظيم "درع وسيف" قادر على الردع وحماية الوطن، فلا يستطع أحد الاقتراب من أراضي مصر بفضل وجود هذا الجيش الذي ضرب أروع الأمثلة في الوطنية والبسالة لتحرير أراضيه المحتلة.
بداية الحرب
حددت مصر وسوريا موعد الحرب في الثانية ظهرًا من يوم السادس من أكتوبر 1973 الموافق العاشر من رمضان 1939.
كان الهدف مباغتة الجانب الإسرائيلي، وفور أن حانت ساعة الصفر، شنّت القوات المسلحة المصرية هجومها بقيام 220 طائرة حربية بتنفيذ ضربات جوية على الأهداف الإسرائيلية شرقي قناة السويس، واستطاعات تدمير خط بارليف المنيع ومخازن الذخيرة وتجمعات الأفراد والمدرعات والدبابات ومراكز القيادة والمطارات.
ودخلت بعدها قوات المشاة حتى 20 كيلو مترًا داخل سيناء، أما على جانب هضبة الجولان السورية، فقصفت 100 طائرة حربية مواقع للجيش الإسرائيلي، مخترقة خطة الدفاعي وصولًا إلى بحيرة طبرية.
وواصلت القوات المصرية والسورية انتصاراتها على مدار الأيام الأولى للحرب، بعبور قناة السويس والاستيلاء على تحصينات خط بارليف وانتقلت إلى الضفة الشرقية للقناة خمس فرق مشاة و1000 دبابة، لكن بدأت إسرائيل تستعيد قوتها بالحشد والبدء بالهجوم المضاد.
مجلس الأمن واستعادة الأرض
وأوقفت القوات المسلحة المصرية سعي إسرائيل لإقامة معبر ورأس جسر بالدفرسوار، ومنعتها من الوصول إلى الإسماعيلية أو السويس، بعد معارك ضارية، ومع قرار مجلس الأمن صباح يوم 22 أكتوبر بوقف إطلاق النار بين جميع الأطراف، لكن إسرائيل حاولت اقتحام مدينة السويس مرة أخرى.
ولكن بسالة أهل السويس والمقاومة الشعبية التي اتحدت مع فرق الجيش والشرطة المصرية، أرغمت إسرائيل على التراجع والقبول بوقف إطلاق النار الثاني في 24 أكتوبر عام 1973، طبقًا لقرار مجلس الأمن رقم 339، بعد ضغط من الاتحاد السوفيتي الذي كان مساندًا لمصر، وبعد محادثات طويلة، ومباحثات لفض الاشتباك تدخلت فيها الولايات المتحدة ووزير خارجيتها هنري كيسنجر، جرى توقيع اتفاقية فض الاشتباك الأولى في 18 يناير عام 1974، وانسحبت على أثرها القوات الإسرائيلية من غرب القناة وتمركزت عند خط الممرات، بينما احتفظت مصر بالتقدم الذي أحرزته في الحرب.
وتوالت المفاوضات والمباحثات حتى تحقق نصر أكتوبر 1973 باستعادة طابا عام 1981، وهو النصر الذي شهد على عبقرية الجندي المصري.