رغم نشأتها على أغنيات الزمن الجميل الصعبة، ومنها روائع أم كلثوم وأعمال محمد عبدالوهاب، عملت المطربة اللبنانية الراحلة نجاح سلام على تكوين شخصية غنائية مستقلة منذ اللحظة الأولى التي قررت فيها احتراف الفن، لذا لجأت إلى لون الطقطوقة الشهير في أربعينات القرن الماضي، مبتعدة عن القصائد، لتحقق شهرة واسعة في لبنان وقتها.
عقب أغنية "حول يا غنم" التي كانت أول الأعمال التي سجلتها بعد قرار احتراف الغناء، قرر والدها -الملحن وعازف العود محيي الدين سلام- أن يصطحبها إلى القاهرة في عام 1949، ليكتشف صوتها الملحن رياض السنباطي.
حفظت المطربة اللبنانية في بدايتها القرآن الكريم، إضافة إلى الموشحات والابتهالات الدينية كي تضبط مخارج الحروفن بعد أن اكتشف والدها أنها تملك صوتًا مميزًا.
وجدت خطى نجاح سلام الأولى في القاهرة طريقها إلى منزل أم كلثوم "ملهمتها الأولى"، إذ ذهبت إلى منزلها على أمل رؤيتها، ومعها والدها الذي كان يتمتع بعلاقات وطيدة مع الفنانين المصريين، منهم زكريا أحمد ومحمد البكار، لتذهب معهم إلى الاستوديو، لتلتقي الموسيقار رياض السنباطي للمرة الأولى، الذي أبدى إعجابه الشديد بصوتها وحفز داخلها الرغبة في احتراف الغناء بمصر، وسط وعود لم يخلفها بعد سنوات بأن يلحن لها أغنيات تبقى في الذاكرة، ليضع إبداعه الخاص مع أول أغنيتين لها من ألحانه، هما "أنا النيل مقبرة الغزاة" و"عايز جواباتك"، وقالت عنه نجاح سلام، في لقاء تلفزيوني قديم، إنه من علمها الغناء ووضع الزخارف على صوتها.
وبعد مجيئها إلى مصر بنحو 4 سنوات اختطفتها السينما، لتشارك في بطولة فيلم "على كيفك" عام 1953 للمخرج حلمي رفلة، ليجاور اسمها على الملصق الدعائي للفيلم أسماء النجوم ليلى فوزي وتحية كاريوكا ومحسن سرحان وإسماعيل ياسين، مع عبارة "بالاشتراك مع المطربة اللبنانية ذات الصوت الساحر نجاح سلام"، والذي كان بمثابة إعلان موهبة غنائية جديدة تُزيّن السينما المصرية، وفي نفس العام صدر لها فيلم "الدنيا لما تضحك" و"ابن ذوات"، وكان القاسم المشترك في الأفلام الثلاثة إسماعيل ياسين، لتتبعها بالعديد من الأعمال كان آخرها ظهورها ضيف شرف في فيلم "الشيطان" عام 1969، فيما يسجل مشوارها مشاركة درامية تلفزيونية وحيدة بالمسلسل اللبناني "أنا أنت".
صوت نجاح سلام الذي تغنى بـ"الشاب الأسمر جنني"، "برهوم حاكيني"، "يا جارحة قلبي"، "و"على إيه حاسدني"، احتفظ بجمالياته رغم مرور عقود من عمرها، بل إنه في ظهورها النادر منذ نحو 7 سنوات في أثناء تسلمها تكريمها بوسام الاستحقاق الوطني اللبناني المذهّب من المعهد الوطني العالي للموسيقى بلبنان، شدت بأغنياتها وسط إعجاب وتصفيق من الحاضرين، وأكدت حينها أنها لم تعتزل الفن الذي كانت تقدره وتصر على أنه يجب أن يحمل قيمة ورسالة ويعبر عن هوية الفنان، بل صدر وقتها ألبوم يضم 40 عملًا لها تحت عنوان "نجاح سلام.. صوت العروبة".
رغم تميز نجاح سلام في الأغنيات العاطفية، لكن لها أيضًا العديد من الأعمال الوطنية والدينية الخالدة، لعل أشهرها رائعتها "يا أحلى اسم في الوجود" التي تغنت بها لمصر، كلمات إسماعيل الحبروك وألحان محمد الموجي، التي قدمتها في أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وصارت واحدة من أبرز الأغنيات الوطنية المصرية، وحققت وقت صدورها نجاحًا كبيرًا، ليصدر قرار رئاسي بعد ذلك بفترة بمنحها الجنسية المصرية.
ولم تقتصر أغنيات نجاح سلام الوطنية على مصر فقط، بل أيضا غنت "سوريا يا حبيبتي" عام 1973، و"قصيدة فلسطين" عام 1949، وغيرها من الأغنيات الوطنية التي استحوذت بها على قلوب الجمهور في مختلف أنحاء الوطن العربي، لتصدق كلمات ابنتها عنها في وداعها اليوم 28 سبتمبر 2023، عبر حسابها بموقع فيسبوك: "انتهى المشوار يا عروبة.. ماما في رحاب الله".