فيما أبدت الأمم المتحدة، قلقها البالغ إزاء التوسع المستمر للمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أكدت الولايات المتحدة التزامها بحل الدولتين، ومواصلة اتخاذ خطوات تهدف إلى تعزيز السلام الشامل والعادل والدائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
جاء ذلك في جلسة مجلس الأمن الدولي، حول الأوضاع في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية لشهر سبتمبر الجاري، والتي عقدت مساء أمس الأربعاء، إذ أعرب تور وينسلاند منسق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، عن القلق البالغ إزاء التوسع المستمر للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية.
وأبدى تور وينسلاند، في إحاطة قدمها لمجلس الأمن الدولي، القلق لتصاعد العنف إلى أعلى مستوياته منذ عقود، في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
الاحتلال يواصل بناء المستوطنات
وقال منسق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، إن المستوطنات ترسخ الاحتلال وتفاقم العنف وتقوض بشكل منهجي قدرة الدولة الفلسطينية على البقاء كجزء من حل الدولتين.
وجدد وينسلاند التأكيد أن المستوطنات ليس لها أي شرعية قانونية، وتشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
ودعا حكومة إسرائيل إلى وقف جميع الأنشطة الاستيطانية وتفكيك البؤر الاستيطانية على الفور، بما يتماشى مع التزاماتها بموجب القانون الدولي.
وتناولت إحاطة المسؤول الأممي التقرير السابع والعشرين للأمين العام حول تطبيق قرار المجلس رقم 2334 الصادر عام 2016، الذي يغطي الفترة الممتدة من 15 يونيو إلى 19 سبتمبر.
ويطالب القرار إسرائيل بالوقف الفوري والكامل لجميع الأنشطة الاستيطانية في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، واحترام كافة التزاماتها القانونية بهذا الشأن.
وقال المسئول الأممي إن الأنشطة الاستيطانية، رغم ذلك، ما زالت مستمرة. وأشار إلى خطط بناء 6300 وحدة سكنية في المنطقة "ج" من الضفة الغربية، بما في ذلك إضفاء الصفة القانونية بأثر رجعي- بموجب القانون الإسرائيلي- على 3 بؤر استيطانية قرب مستوطنة عيلي.
وقال وينسلاند أمام المجلس، عبر دائرة اتصال بالفيديو من القدس، إن أعمال هدم ومصادرة المنشآت الفلسطينية مستمرة بأنحاء الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية.
وتُعزى تلك الأعمال إلى عدم الحصول على تصاريح للبناء، وهو أمر يكاد يكون حصول الفلسطينيين عليه مستحيلا وفقا للمسؤول الأممي.
وقال وينسلاند إن قوات الأمن الإسرائيلية، قامت في يوليو بإجلاء أسرة فلسطينية تعيش في البلدة القديمة في القدس منذ الخمسينيات، وسلمت منزلهم لمنظمة استيطانية بعد أن حكمت المحكمة العليا بأن العقار مملوك لصندوق ائتماني يهودي استنادا للقوانين الإسرائيلية التي تسمح فقط لليهود بالمطالبة باستعادة ما كانوا يمتلكونه قبل عام 1948.
استمرار الاعتداءات على الفلسطينيين
قال منسق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، إن قرار مجلس الأمن رقم 2334 يدعو أيضا إلى اتخاذ خطوات فورية لمنع كل أعمال العنف ضد المدنيين، بما في ذلك الإرهاب والأعمال التحريضية والمدمرة. وأعرب عن أسفه لاستمرار العنف بشكل يومي.
وأعرب عن القلق البالغ إزاء تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية والمستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، بمستويات لم نشهدها منذ عقود واستخدام الأسلحة الفتاكة بشكل متزايد، بما في ذلك في المناطق المكتظة بالسكان. وشدد على ضرورة اتخاذ خطوات فورية لتهدئة التوترات.
خلال الفترة التي تغطيها إحاطته، استشهد 68 فلسطينيًا من بينهم 18 طفلًا بيد قوات الأمن الإسرائيلية، وأُصيب أكثر من 2800 بجراح من بينهم 30 امرأة و559 طفلًا.
وقال وينسلاند إن فلسطينيين آخرين استشهدا وأصيب 73 في ظل ارتفاع مستوى هجمات المستوطنين الإسرائيليين.
وأفاد بأن قوات الأمن الإسرائيلية نفذت أكثر من ألف عملية بحث واعتقال في الضفة الغربية المحتلة، أسفرت عن إلقاء القبض على نحو 1500 فلسطيني، منهم 88 طفلًا.
وأشار إلى أن إسرائيل تحتجز حاليا 1264 فلسطينيا قيد الاعتقال الإداري، وهو أعلى عدد منذ أكثر من عشر سنوات.
نقص التمويل يعرقل الخدمات الأساسية
وتطرق منسق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط إلى نقص التمويل وتأثير ذلك على قدرة الأمم المتحدة على توفير الخدمات الأساسية للفلسطينيين.
وقال إن وكالة إغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (أونروا) بحاجة إلى 75 مليون دولار لمواصلة تقديم المساعدات الغذائية حتى نهاية العام لمليون ومئتي ألف فلسطيني في غزة.
ويحتاج برنامج الأغذية العالمي 32 مليون دولار لاستعادة تقديم الخدمات الاجتماعية للأسر التي تحظى بالأولوية بأنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة.
يُذكر أن النداء الإنساني لدعم الفلسطينيين خلال العام الحالي لم يُمول إلا بنسبة 33% فقط.
الدعوة لبذل جهود جماعية لبدء المفاوضات الجادة
وانتقل المسؤول الأممي إلى ما يتضمنه قرار مجلس الأمن من دعوة جميع الأطراف لبذل جهود جماعية لبدء المفاوضات الجادة.
وقال إن المملكة العربية السعودية، خلال الشهر الحالي، عينت سفيرًا لدى دولة فلسطين وقنصلًا عامًا في القدس للمرة الأولى منذ عام 1947.
وأضاف أن الرئيس المصري والعاهل الأردني والرئيس الفلسطيني اجتمعوا في مصر، في منتصف الشهر الحالي، وأصدروا بيانًا أكدوا فيه أهمية وقف كل الأنشطة الاستيطانية ومصادرة الأرض الفلسطينية وإجلاء الفلسطينيين من منازلهم، مشددين على أن إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية أمر أساسي لاستقرار المنطقة.
وأكد وينسلاند عدم وجود بديل عن العملية السياسية المشروعة لحل القضايا الجوهرية للصراع.
وقال إنه ملتزم بدعم الفلسطينيين والإسرائيليين لإنهاء الاحتلال وحل الصراع، سعيًا لتحقيق رؤية الدولتين: إسرائيل ودولة فلسطينية مستقلة وديمقراطية ومتواصلة وقابلة للحياة ذات سيادة، تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن ضمن حدود آمنة ومعترف بها، على أساس خطوط ما قبل عام 1967، وتكون القدس (المحتلة) عاصمة مشتركة لكلا الدولتين.
واشنطن: ملتزمون بحل الدولتين
من جهتها، قالت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس جرينفيلد، إن الولايات المتحدة لا تزال تعتقد أن الإسرائيليين والفلسطينيين، على حد سواء، يستحقون تدابير متساوية من الأمن والازدهار والحرية، مضيفة: "نحن ملتزمون بحل الدولتين وسنواصل اتخاذ خطوات تهدف إلى تعزيز السلام الشامل والعادل والدائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين".
وأضافت جرينفيلد، في كلمتها أثناء جلسة مجلس الأمن حول الوضع في الشرق الأوسط: "تشعر الولايات المتحدة بقلق عميق إزاء مستويات العنف، بما في ذلك العنف الذي وقع في غزة وأدى إلى الإغلاق المؤقت لمعبر إيريز".
وتابعت: "ترحب الولايات المتحدة بجميع الجهود الرامية إلى وقف تصعيد العنف المستمر، وندعو جميع الأطراف إلى التوقف عن الأعمال والخطابات التي تزيد من تأجيج التوترات، وبشكل خاص خطاب الكراهية، والنشاط الاستيطاني، وعمليات الإخلاء، وهدم منازل الفلسطينيين".
وقالت جرينفيلد "يجب أن نكون شديدي الوضوح؛ إن توسيع المستوطنات يقوض القابلية الجغرافية لحل الدولتين، ويؤدي إلى تفاقم التوترات، ويزيد من الإضرار بالثقة بين الطرفين".
واشنطن تطالب إسرائيل بوقف النشاط الاستيطاني
وتابعت: "تعارض الولايات المتحدة بشدة تطوير المستوطنات وتحث إسرائيل على الامتناع عن هذا النشاط. نحن نأخذ هذه القضية على محمل الجد، لأنها تقوض إمكانية قيام دولة فلسطينية مجاورة في المستقبل، ونطرح هذا الموضوع على أعلى المستويات على أساس ثابت".
وقالت: "أود أيضًا أن أكرر أن الولايات المتحدة تدعم بقوة الحفاظ على الوضع التاريخي الراهن فيما يتعلق بالأماكن المقدسة في القدس. ونحن نعارض الإجراءات التي تخرج عن الوضع التاريخي الراهن، أو تنتهك حرمة هذه المواقع. مثل هذا الإجراء غير مقبول".
وأضافت "بينما نعمل على تحقيق الاستقرار على المدى الطويل، يجب علينا أيضا أن نستمر في دعم الاحتياجات الفورية للاجئين الفلسطينيين. وفي الأسبوع الماضي، سعدت بالإعلان عن تبرعات إضافية بقيمة 73 مليون دولار للأونروا. ولكننا، حتى مع هذا التعهد والتعهدات الأخرى التي تم الإعلان عنها في الاجتماع الوزاري الذي عقد الأسبوع الماضي، لا نزال نشعر بالقلق العميق من أن الأونروا لن تكون قادرة على العمل حتى نهاية العام. وندعو جميع الجهات المانحة إلى تقديم مساعدات إضافية في أقرب وقت ممكن".