لم يكن من الممكن لقمة مجموعة العشرين، التي استضافتها الهند في وقت سابق من هذا الشهر، أن تسير على نحو أفضل بالنسبة لرئيس الوزراء ناريندرا مودي. فقد أصبح تعهده بجعل الاتحاد الإفريقي عضوًا دائمًا حقيقة واقعة. وتحت قيادته، بعد ما وقّعت دول المجموعة المنقسمة باتفاق على البيان الختامي الذي اعتبر انتصارًا لـ"مودي" في السياسة الخارجية، وتحديد التوجه للهند كقوة ناشئة عظمى.
لكن العلاقات بين الهند وكندا تدهورت بشكل حاد بعد اتهام رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو للحكومة الهندية بالضلوع في قتل ناشط سيخي كندي في يونيو الماضي. حسبما ذكرت وكالة "أسوشيتد برس".
وأثارت هذه الاتهامات غضب الهند وأدت إلى تبادل طرد الدبلوماسيين وتعليق التأشيرات وخفض عدد الموظفين القنصليين. وألقت هذه الأزمة بظلالها على خطاب وزير الخارجية الهندي، سوبرامانيام جايشانكر في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الثلاثاء الماضي.
نجاحات قمة مجموعة العشرين
كانت قمة مجموعة العشرين التي استضافتها الهند في نيودلهي، أوائل الشهر الجاري، فرصة لرئيس الوزراء مودي لإظهار دور بلاده كقوة صاعدة على الساحة الدولية. وبالفعل نجح "مودي" في تحقيق أحد أبرز أهدافه بجعل الاتحاد الإفريقي عضوًا دائمًا في مجموعة العشرين، ما يعزز التعاون بين آسيا وإفريقيا ويرفع صوت القارة السمراء على المستوى العالمي.
كما تمكن "مودي" من إخراج المجموعة من حالة التردد التي واجهتها في القمم السابقة، والتوصل إلى بيان ختامي مشترك، يتضمن التزامات بشأن قضايا مثل التغير المناخي والصحة والإرهاب والتجارة، ما دفع وسائل الإعلام الأجنبية لوصف هذه الإنجازات بأنها انتصار دبلوماسي لمودي، وأظهرت قدرة الهند على قيادة المبادرات المتعددة الأطراف.
أزمة العلاقات مع كندا
لكن هذه المكاسب تبدو مهددة بالتبخر بعد تصاعد التوترات بين الهند وكندا، إحدى الدول الأعضاء في مجموعة العشرين التي تضم أكبر جالية سيخية خارج الهند. في اليوم الأخير من قمة مجموعة العشرين، وقف ترودو وابتسم مع مودي بينما كان زعماء العالم يؤدون واجب العزاء في حفل تأبين المهاتما غاندي. لكن خلف الكواليس، كانت التوترات شديدة.
لقد تغيب "ترودو" عن عشاء رسمي استضافه الرئيس الهندي، وذكرت وسائل الإعلام المحلية أن "مودي" تجاهله عندما حصل على "انسحاب جانبي" سريعًا بدلًا من عقد اجتماع ثنائي. وما زاد الأمور سوءا، أن "ترودو" ظل عالقًا في نيودلهي لمدة يومين بسبب مشكلة في رحلة الطيران. وبعد 36 ساعة، عاد "ترودو" أخيرًا إلى كندا، وقال إنه أثار هذه المزاعم مع مودي في قمة مجموعة العشرين.
بالإضافة إلى ذلك، أطلق رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو الاثنين الماضي، اتهامًا صادمًا للحكومة الهندية بالضلوع في قتل المواطن الكندي السيخي، جاسبير سينج في ضاحية فانكوفر في يونيو الماضي.
وقال ترودو، إن هناك "ادعاءات موثوقة" تربط بين نيودلهي والجريمة، وطالب الهند بالتحقيق بجدية في القضية. في حين رفضت الهند هذه الاتهامات بشدة ووصفتها بأنها "سخيفة"، وقالت إنها تستند إلى مصادر غير موثوقة ومغرضة.
واتخذ البلدان إجراءات تصعيدية ضد بعضهما البعض، إذ طرد كل منهما دبلوماسيًا رفيع المستوى، وعلقت الهند منح التأشيرات للمواطنين الكنديين، وأعلنت كندا عزمها خفض عدد موظفيها القنصليين بسبب مخاوف من سلامتهم.
وهذه الأزمة تشكل أدنى مستوى للعلاقات بين البلدين في سنوات، وتلقي بظلالها على خطاب وزير الخارجية الهندي، جايشانكر في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الثلاثاء الماضي.
تداعيات
وقال هابيمون جاكوب، مؤسس مجلس البحوث الاستراتيجية والدفاعية ومقره نيودلهي، إنه بينما تتوجه الهند إلى الأمم المتحدة، فإن هذه المزاعم "ألقت بالماء البارد على إنجازات الهند في مجموعة العشرين".
ويمكن أن تؤثر هذه التطورات على مكانة الهند كقوة عالمية وشريك استراتيجي للغرب. فالهند تسعى إلى تعزيز دورها في المؤسسات الدولية والإقليمية، وتحظى بدعم من دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. لكن هذا الدعم قد يتأثر بسبب اتهامات كندا للهند بانتهاك حقوق الإنسان والتورط في عمل إرهابي. كما قد تفقد الهند ثقة جزء من جالية المغتربين السيخ في كندا وغيرها من البلدان، والذي يشكل مصدرًا هامًا للاستثمارات والتحويلات المالية.
في أعقاب ذلك مباشرة، كان رد الفعل الأول من حلفاء كندا الغربيين - بما في ذلك أكبر حلفاءها، الولايات المتحدة فاترا. حيث كثف البيت الأبيض مخاوفه، وقال المستشار الأمني، جيك سوليفان: "لا يوجد استثناء خاص تحصل عليه لأفعال مثل هذه، بغض النظر عن البلد"، ويوم الجمعة، قال وزير الخارجية، أنتوني بلينكين إن الولايات المتحدة، أعربت عن قلقها العميق إزاء هذه المزاعم، وأنه "سيكون من المهم أن تعمل الهند مع الكنديين في هذا التحقيق".