مع رصد "منطاد التجسس" الصيني في أجواء الولايات المتحدة، فبراير الماضي، علمت وكالات الاستخبارات الأمريكية أن الرئيس الصيني شى جين بينج، كان غاضبا من كبار الجنرالات في جيش التحرير الشعبي.
وبحسب صحيفة" نيويورك تايمز" الأمريكية، عكفت وكالات الاستخبارات الأمريكية على معرفة مدى إحاطة الرئيس الصيني بواقعة المنطاد، الذي كان يستهدف في الأصل القواعد العسكرية الأمريكية في جوام وهاواي، وما هي الإجراءات التي سيتخذها عندما انفجر.
وخلصت المخابرات الأمريكية إلى أن جيش التحرير الشعبي، لم يطلع الرئيس الصيني بمسار المنطاد، حتى أصبح فوق الولايات المتحدة، رغم أنه لم يكن يعارض عمليات التجسس المحفوفة بالمخاطر ضدها.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين مطلعين على المعلومات الاستخباراتية، أن "شي" عندما علم بمسار المنطاد، وأدرك أنه يعرقل المحادثات المخطط لها مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، وبّخ كبار الجنرالات لفشلهم، في إخباره بأن المنطاد ضلّ الطريق.
الكواليس الجديدة، التي كشفتها "نيويورك تايمز" عن واقعة المنطاد الصيني، تسلط الضوء على سباق التجسس الواسع والسرى للغاية بين البلدين.
وتقول "نيويورك تايمز" إن أزمة المنطاد، وهي جزء صغير من جهد تجسس صيني أكبر بكثير، تعكس العدوانية الجديدة من قبل بكين في جمع المعلومات الاستخبارية عن الولايات المتحدة، بالإضافة إلى قدرات واشنطن المتنامية على جمع معلوماتها الخاصة عن الصين.
وترى الصحيفة أنه بالنسبة لواشنطن، تعد جهود التجسس جزءًا مهمًا من استراتيجية الرئيس الأمريكي جو بايدن لتقييد الصعود العسكري والتكنولوجي للصين، بما يتماشى مع تفكيره بأن البلاد تشكل التحدي الأكبر طويل المدى للقوة الأمريكية.
التجسس على الرئيس الصيني
وأوضحت "نيويورك تايمز" نقلا عن مسؤولين أمريكيين، أن وكالة المخابرات المركزية، تركز على الرئيس الصيني نفسه، وعلى وجه الخصوص نواياه فيما يتعلق بتايوان.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إن جهود الصين مجتمعة تصل إلى كل جانب من جوانب الأمن القومي والدبلوماسية والتكنولوجيا التجارية المتقدمة في الولايات المتحدة والدول الشريكة.
وكثفت فرق عمل مكافحة التجسس التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي في جميع أنحاء الولايات المتحدة، عمليات البحث عن الجهود الصينية لتجنيد جواسيس داخل الولايات المتحدة.
وحدد العملاء الأمريكيون عشرات الاختراقات التي قام بها مواطنون صينيون لقواعد عسكرية على الأراضي الأمريكية خلال الأشهر الـ12 الماضية.
وتشير "نيويورك تايمز" إلى أن وكالة المخابرات المركزية، ووكالة الاستخبارات الدفاعية التابعة للبنتاجون، أنشأتا مراكز جديدة للتجسس على الصين، وعزز المسؤولون الأمريكيون قدراتهم على اعتراض الاتصالات الإلكترونية، بما في ذلك استخدام طائرات التجسس قبالة سواحل الصين.
ويتسابق كلا البلدين لتطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الخاصة بهما، والتي يعتقدان أنها ضرورية للحفاظ على التفوق العسكري والاقتصادي وستمنح وكالات التجسس الخاصة بهما قدرات جديدة.
وقال كريستوفر راي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي: "إن صراع التجسس مع الصين أكثر اتساعًا من ذلك الذي دار بين الأمريكيين والسوفييت خلال الحرب الباردة". مضيفًا: "إن العدد الكبير من السكان والاقتصاد في الصين يمكّنها من بناء أجهزة استخبارات أكبر من تلك الموجودة في الولايات المتحدة".
وقال "راي" في مقابلة، مستخدمًا الأحرف الأولى من اسم جمهورية الصين الشعبية: "الحقيقة هي أنه بالمقارنة مع جمهورية الصين الشعبية، فإنهم يفوقوننا عددًا بشكل كبير على الأرض، ولكن يقع على عاتقنا الدفاع عن الشعب الأمريكي هنا في الداخل، أرى أن هذا هو التحدي الذي يواجه جيلنا".
وترى الصين الأمر بشكل مختلف، إذ قال وانج وينبين، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، إن "الولايات المتحدة هي الدولة رقم 1 في مجال المراقبة ولديها أكبر شبكة تجسس في العالم".
وسائل التجسس الصينية
ويقول مسؤولون أمريكيون إن استطلاع الصين عبر الأقمار الصناعية المطور بشكل كبير، واختراقاتها الإلكترونية، هي أهم وسائلها لجمع المعلومات الاستخبارية.
وسمح أسطول مناطيد التجسس للصين، رغم أنه أقل تطورًا بكثير، باستغلال المنطقة غير الخاضعة للتنظيم في "الفضاء القريب". وتحذر الحكومة الأمريكية حلفائها من أن قدرات المراقبة الإلكترونية الصينية "يمكن أن تتوسع إذا استخدمت دول العالم التكنولوجيا من شركات الاتصالات الصينية".
الذكاء الاصطناعي
الذكاء الاصطناعي هو ساحة معركة أخرى، حيث ترى حكومة الولايات المتحدة أن تقدمها فيه "وسيلة للمساعدة في تعويض قوة الصين من حيث العدد".
ويقول مسؤولون أمريكيون إن الصينيين يأملون أن تساعدهم هذه التكنولوجيا في مواجهة القوة العسكرية الأمريكية، بما في ذلك من خلال تحديد الغواصات الأمريكية، وفرض الهيمنة على الفضاء.
الاتصالات الشخصية
كما يشعر المسؤولون الأمريكيون بالقلق أكثر من أي وقت مضى إزاء جهود الوكالات الصينية لجمع المعلومات الاستخبارية من خلال الاتصالات الشخصية، ويقولون إن وكالة المخابرات الرئيسية في الصين، وزارة أمن الدولة، تهدف إلى تعيين عملاء أو تجنيد أصول عبر الحكومة الأمريكية، وكذلك في شركات التكنولوجيا وصناعة الدفاع.
ويستخدم العملاء الصينيون مواقع التواصل الاجتماعي، مثل "لينكد إن" على وجه الخصوص، لجذب المجندين المحتملين. في أي وقت يتولى فيه أمريكي وظيفة استخباراتية يتم الكشف عنها علنًا، يمكنه أن يتوقع وابلًا من التواصل من المواطنين الصينيين على وسائل التواصل الاجتماعي، وفقًا للمسؤولين الأمريكيين.
الآلاف من التحقيقات
وتعكف وكالات المخابرات الأمريكية الآن، على معرفة الدوافع وراء التحقيق مع وزير الدفاع الصيني الجنرال لي شانج فو، ولماذا أطاح الرئيس الصيني بوزير خارجيته تشين جانج.
شبكة تجسس أمريكية في الصين
وقبل عقد من الزمن، تم القضاء على شبكة الجواسيس التابعين للولايات المتحدة في الصين، من قبل مسؤولي مكافحة التجسس الصينيين.
ومنذ ذلك الحين، تواجه وكالة المخابرات المركزية تحديًا كبيرًا لإعادة بناء شبكتها، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن شبكات المراقبة الإلكترونية المتوسعة في الصين جعلت من الصعب على الأمريكيين التحرك بحرية في الصين.
كما أن الصين لديها برنامج ذكاء اصطناعي يمكنه التعرف على الوجوه والكشف عن مشية جاسوس أمريكي، مما يعني أن التنكرات التقليدية ليست كافية لتجنب اكتشافها، وفقًا لمسؤول استخباراتي سابق.