ينطلق اجتماع قادة العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، غدًا الاثنين، لمناقشة تسريع التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، تحت شعار "إعادة بناء الثقة وشحذ التضامن العالمي".
وبدأت الدورة العادية الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة في 6 سبتمبر الجاري، لتقام بعدها مجموعة من الاجتماعات والقمم المهمة، على مدار أسبوع، من 18 إلى 25 سبتمبر الجاري، حيث يقدم ممثلو الدول ويستكشفون الحلول لعدد لا يحصى من التحديات العالمية المتشابكة لتعزيز السلم والأمن والتنمية المستدامة.
التنمية المستدامة
وتعد قمة أهداف التنمية المستدامة بمثابة منصة رئيسية لرؤساء الدول والحكومات لإبداء القيادة السياسية لتنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030، وهي خطة العمل العالمية واسعة النطاق التي تركز على تحقيق 17 هدفًا تنمويًا، منها القضاء على الفقر المدقع والجوع، وتعزيز العمل المناخي والتعليم الجيد.
وتعتبر القمة، التي تنعقد على مدار يومي 18 و19 سبتمبر الجاري، محور الأسبوع رفيع المستوى للدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وتهدف إلى إطلاق بداية حقبة جديدة من التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية الذي أصيب بالتباطؤ، ومن المنتظر أن يتم اعتماد إعلان سياسي تطلعي من أجل تلك الغاية.
وجاء على موقع الأمم المتحدة، أن خطة 2030 التي جرى إطلاقها عام 2015 "وعد وليست ضمانة"، وعند منتصف الطريق، يواجه هذا الوعد خطرًا شديدًا، ويعاني التقدم التنموي من التأثيرات المجتمعة للكوارث المناخية والصراعات والانكماش الاقتصادي والآثار المتبقية لكوفيد-19.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، قال: "يجب أن تكون قمة أهداف التنمية المستدامة في سبتمبر لحظة للوحدة لتوفير زخم متجدد وإجراءات متسارعة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة".
ومثلما تعد القمة فرصة لتوفير زخم متجدد، فإنها تهدف أيضًا إلى توفير توجيه سياسي رفيع المستوى، ورصد التقدم والتحديات الناشئة، وحشد المزيد من الإجراءات نحو خط النهاية لعام 2030.
حضور قادة 140 دولة
كما قال جوتيريش، في تصريحات نقلها عنه الموقع الرسمي للأمم المتحدة، إن 140 من قادة العالم سيجتمعون في الدورة الـ78 للأمم المتحدة، في وقت تواجه فيه الإنسانية تحديات هائلة، نتيجة تفاقم حالة الطوارئ المناخية وتصاعد النزاعات، مضيفًا أن الناس ينتظرون حلّا من قادتهم للخروج من الأزمات.
وأبدى "جوتيريش" أسفه على أن العالم "المُنقسم جيوسياسيًا" يقلص من قدرتهم على التعامل مع الأزمات، في إشارة منه إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على العالم، لا سيما الأمن الغذائي.
وأكد جوتيريش أنه سيحاول إقناع روسيا بالعودة إلى اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود لأهميته الحيوية للغذاء العالمي.
غياب رؤساء
ويغيب عن اجتماع الجمعية العامة رؤساء فرنسا وروسيا والصين، فضلًا عن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، في حين سيحضر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وبذلك ستكون الولايات المتحدة، بحضور رئيسها جو بايدن، العضو الوحيد الدائم في مجلس الأمن الممثَّل على أعلى مستوى.
واعتبر دبلوماسيون غياب رؤساء الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن مؤشرًا سيئًا على التزام الدول بأهداف التنمية.
لكن "جوتيريش" شدد على أهمية التزام حكومات الدول المعنية، بمعزل عن غياب رؤسائها أو حضورهم، لافتًا إلى أن الاجتماع ليس بغرض "التباهي".
مطلوب تحرك سريع
والمطلوب خلال اجتماع دورة الأمم المتحدة أن تتعهد الحكومات بالتحرك السريع لإنقاذ الأهداف الـ17 للتنمية المستدامة لعام 2030، التي عرقلت الأزمات المناخية، ووباء كوفيد-19، وحرب روسيا على أوكرانيا، تنفيذها.
وسيُناقش خلال الاجتماع مشروع يدعم إصلاح المؤسسات المالية الدولية، كما عرض جوتيريش خطة نهوض بقيمة 500 مليار دولار سنويًا حتى عام 2030 لبلوغ أهداف التنمية المستدامة، كانت مجموعة العشرين رحبت بها في قمتها الأخيرة.
وكانت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تبنت 17 هدفًا للتنمية المستدامة عام 2015، ترمي إلى بناء مستقبل أفضل لجميع الدول حتى نهاية العقد الراهن.
وتتضمن الأهداف: القضاء على الجوع، وتأمين الوصول إلى مياه الشرب، وتحقيق المساواة بين الجنسين، والأمن الغذائي العالمي، والقضاء على الفقر، ومكافحة التغير المناخي، وتسهيل الحصول على التعليم والطاقة والخدمات الصحية.
تقلص الآمال
وحذرت الأمم المتحدة من تقدم بطيء جدًا على صعيد تحقيق غالبية أهداف التنمية المستدامة، مما يقلص الأمل في إحراز نجاح حتى عام 2030، مضيفة أن بعض هذه الأهداف سجلت تراجعًا مقارنة بعام 2015 وصولًا إلى اختفائها من قائمة الأولويات.
وكانت جائحة كوفيد-19 عطلت التوجه نحو خفض الفقر المدقع، ومع استمرار الوتيرة الراهنة، فإن 575 مليون شخص سيظلون يعيشون في ظروف مماثلة عام 2030، معظمهم في القارة الإفريقية.
كما يضاف عبء الديون العالمي إلى الأزمات التي تواجه أهداف التنمية المستدامة، من حرب روسيا وأوكرانيا والتغير المناخي ووباء كوفيد-19.
ويؤكد باحثون أن أهداف التنمية المستدامة مترابطة مع بعضها بعضا، فتحقيق هدف واحد من شأنه التأثير إيجابيا على تحقيق هدف آخر، بحسب موقع الأمم المتحدة.
تمويل التنمية
وفي 20 سبتمبر، ينعقد حوار رفيع المستوى بشأن تمويل التنمية، ويهدف إلى توفير القيادة السياسية والتوجيه بشأن تنفيذ خطة عمل أديس أبابا لعام 2015، وهي إطار للأمم المتحدة لحشد الموارد لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
قمة الطموح المناخي
وتفرض مواجهة تداعيات التغيرات المناخية نفسها على مناقشات المشاركين في أعمال الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
في 20 سبتمبر، يتطلع زعماء العالم إلى تحويل الأقوال إلى أفعال في قمة "الطموح المناخي".
ويعد هذا الحدث ركيزة سياسية أساسية للمضي قدمًا في معالجة أزمة المناخ المتفاقمة، ويركز الحدث على ثلاثة مسارات للتسريع بما فيها الطموح، والمصداقية، والتطبيق.
والقضية الكبرى المطروحة على القمة هي: أفضل السبل لنقل العالم من الوقود الأحفوري المسبب للانبعاثات إلى الطاقة الخضراء والنظيفة.
وتتضمن قوائم "المهام" التي وضعها الأمين العام للأمم المتحدة مجموعة من الإجراءات الملموسة المطلوب اتخاذها من قبل الحكومات وقادة المال والأعمال، والتي تستند إلى أجندة تسريع العمل المناخي ودليل لخمسة إجراءات حاسمة يجب على العالم اتخاذها لتسريع التحول إلى الطاقة المتجددة.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة: "يجب أن يكون الآن هو الوقت المناسب للطموح والعمل. أتطلع إلى الترحيب بالمحركين والفاعلين الأوائل في قمة الطموح المناخي. العالم يراقب، والكوكب لا يقوى على الانتظار".
بناء عالم أكثر إشراقًا ما بعد الوباء
وتعد اجتماعات الجمعية العامة فرصة لقادة العالم للنظر في أفضل طريق للمضي قدمًا، بدءًا من الاستعداد لمواجهة الأوبئة المستقبلية، وصولًا إلى بناء اقتصادات مستدامة، مع الوضع في الاعتبار تحقيق الهدف الشامل المتمثل في تحسين صحة الناس والكوكب.
ويعقد رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية اجتماعًا لرؤساء الدول والحكومات بشأن الاستعداد لمواجهة الأوبئة في 20 سبتمبر.
ومن المتوقع أن يتبنى القادة إعلانًا يهدف إلى حشد الإرادة السياسية على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية.
الصحة للجميع
ويبحث اجتماع بشأن الرعاية الصحية الشاملة في 21 سبتمبر، الدروس المستفادة من كوفيد-19 إلى جانب التوصيات القائمة على الأدلة لتسريع التقدم نحو الرعاية الصحية للجميع بحلول عام 2030.
معالجة وباء السل
في 21 سبتمبر، يُعقد اجتماع رفيع المستوى بشأن مكافحة السل. ويهدف الاجتماع إلى مراجعة التقدم المحرز في سياق تحقيق الأهداف المحددة في الإعلان السياسي لعام 2018، وفي أهداف التنمية المستدامة.
الإعداد لقمة المستقبل
في 21 سبتمبر، يلتئم اجتماع وزاري يضع فيه المجتمعون الأساس لمؤتمر القمة المعني بالمستقبل المقرر عقده في سبتمبر 2024.
ويتطلع الأمين العام للأمم المتحدة إلى أن يؤدي هذا الاجتماع إلى التوصل لإجماع عالمي جديد بشأن إعداد العالم لمستقبل مليء بالمخاطر، وبالفرص أيضًا.
ويناقش الوزراء كيف يمكن للنظام متعدد الأطراف أن يعالج المخاطر والتحديات العالمية الناشئة، ويقدم مقترحات ملموسة وطموحة لتعزيز النظام العالمي وتحويله، ومن المتوقع أن توافق الدول الأعضاء على "ميثاق للمستقبل".