عند مناقشة الذكاء الاصطناعي، غالبًا ما يدور الحديث حول مخاطره المحتملة، مثل تهديد الوظائف البشرية، على نطاق واسع، وحتى التهديدات الوجودية للإنسانية.
وبحسب مجلة "إيكونومست" البريطانية، بينما يشعر البعض بالقلق إزاء هذه السيناريوهات، يركز البعض الآخر على الفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي، ويجادلون بأن لديه القدرة على مساعدة البشرية على معالجة بعض تحدياتها الأكثر تعقيدًا.
قدرات مذهلة
يتمتع الذكاء الاصطناعي بالقدرة على تسريع الاكتشافات العلمية بشكل كبير، وخاصة في مجالات مثل الطب وعلوم المناخ والتكنولوجيا الخضراء، وتعتقد شخصيات مرموقة في هذا المجال، أن الذكاء الاصطناعي يمكنه تعزيز التقدم العلمي والدخول في عصر جديد من الاكتشافات.
ادعاءات أم مجرد أمنيات؟
وتابعت المجلة أنه من الضروري التدقيق في مثل هذه الادعاءات، لأنها توفر موازنة قيمة للمخاوف بشأن انتشار البطالة وظهور الروبوتات المستقلة، وعلى مر التاريخ، تم الترويج للعديد من التقنيات باعتبارها علاجًا سحريًا، إلا أنها لم ترق إلى مستوى التوقعات، على سبيل المثال، في خمسينات القرن التاسع عشر، تم الاحتفال بالتلغراف الكهربائي باعتباره نذيرًا للسلام العالمي، وفي القرن العشرين، كان يُنظر إلى الطائرات على هذا النحو، وعلى نحو مماثل، في التسعينات، كانت هناك توقعات بأن الإنترنت سوف يقلل من عدم المساواة ويقضي على القومية، ومع ذلك، فإن الآلية التي من خلالها من المتوقع أن يعالج الذكاء الاصطناعي مشاكل العالم لديها أساس تاريخي أكثر قوة.. وشهد التاريخ فترات كانت فيها الأساليب والأدوات الجديدة تغذي حقًا الاكتشافات والابتكارات العلمية الرائدة.
اختراعات
وأشارت المجلة إلى أنه في القرن السابع عشر، فتح اختراع الميكروسكوبات والتلسكوبات آفاقًا جديدة للاكتشاف، وبدأ الباحثون يعتمدون على ملاحظات أكثر دقة من الماضي، وفي الوقت نفسه، أدى ظهور المجلات العلمية إلى توفير سبل جديدة لتبادل النتائج ونشرها، وأدى ذلك إلى تقدم سريع في مجالات مثل علم الفلك والفيزياء، مما أدى إلى اختراعات رائدة مثل ساعة البندول والمحرك البخاري، والتي لعبت دورًا محوريًا في الثورة الصناعية.
ومع الانتقال إلى أواخر القرن التاسع عشر، أدى إنشاء مختبرات الأبحاث على نطاق صناعي إلى المزيد من الابتكارات، وسهلت هذه المختبرات تقارب الأفكار والأشخاص والمواد، مما أدى إلى اختراعات مثل الأسمدة الاصطناعية والأدوية والترانزستور، وهو مكون أساسي لأجهزة الكمبيوتر، وفي منتصف القرن العشرين، أحدثت أجهزة الكمبيوتر نفسها ثورة في العلوم من خلال تمكين المحاكاة والنمذجة، والمساهمة في التقدم في مجالات مثل هندسة الطيران والتنبؤ بالطقس.
تنوع تطبيقات الذكاء الاصطناعي
ولا تزال ثورة الكمبيوتر مستمرة، إذ يتم الآن تطبيق أدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي في كل المجالات العلمية تقريبًا، ومع ذلك، فإن مستوى الاعتماد يختلف بشكل كبير، حيث أن 7.2% من أبحاث الفيزياء وعلم الفلك اعتبارًا من عام 2022 تتضمن الذكاء الاصطناعي مقارنة بـ 1.4% في العلوم البيطرية، كما تتنوع تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك تحديد المرشحين الواعدين للتحليل، وتحليل البيانات في مجالات مثل فيزياء الجسيمات وعلم الفلك، ونمذجة الأنظمة المعقدة، وكان للذكاء الاصطناعي دور فعال في تحديد المضادات الحيوية الجديدة، واكتشافات أخرى.
دمج الذكاء الاصطناعي في الممارسة العلمية
لا شك أن دمج الذكاء الاصطناعي في الممارسة العلمية أمر موضع ترحيب، ومع ذلك، فإن التحول الذي أحدثته المجلات العلمية ومختبرات الأبحاث تجاوز مجرد التطبيق؛ لقد غيرت ممارسة العلم نفسه، مما أتاح طرقًا أكثر قوة للاكتشاف من خلال التعاون متعدد التخصصات على نطاق أوسع، ويمتلك الذكاء الاصطناعي أيضًا القدرة على تحفيز مثل هذا التحول.
هناك مجالان يظهران وعدًا خاصًا، الأول هو الاكتشاف القائم على اللغة والأدب، والذي يتضمن تحليل الأدبيات العلمية الموجودة باستخدام تحليل اللغة للكشف عن فرضيات أو اتصالات أو أفكار جديدة ربما أغفلها الباحثون البشريون، والمجال الثاني هو "علماء الروبوتات" أو "المختبرات ذاتية القيادة"، وتستخدم هذه الأنظمة الروبوتية الذكاء الاصطناعي لصياغة فرضيات بناءً على تحليل البيانات والأدبيات الموجودة، ثم إجراء مئات أو آلاف التجارب، خاصة في مجالات مثل بيولوجيا الأنظمة وعلوم المواد.
حاجز اجتماعي
إن جدوى الذكاء الاصطناعي في تحويل الممارسة العلمية واضحة. ومع ذلك، فإن الحاجز الأساسي هو حاجز اجتماعي: فهو قادر على ذلك، لكن ما سبق لن يتحقق إلا إذا كان العلماء راغبين وقادرين على تبني هذه الأدوات، بينما يفتقر العديد منهم إلى المهارات والتدريب اللازمين، ويخشى البعض من فقدان وظائفهم، ومن المشجع أن أدوات الذكاء الاصطناعي تكتسب قبولًا خارج نطاق الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي ويتم اعتمادها من قبل المتخصصين في مختلف المجالات.
ويمكن للحكومات وهيئات التمويل أن تعمل على تسهيل هذا التحول من خلال تشجيع استخدام المعايير المشتركة لتمكين أنظمة الذكاء الاصطناعي من تبادل وتفسير النتائج المختبرية وغيرها من البيانات، ويمكنهم أيضًا الاستثمار في الأبحاث لدمج قدرات الذكاء الاصطناعي مع الروبوتات المختبرية واستكشاف مناهج الذكاء الاصطناعي، مثل التعلم الآلي القائم على النماذج، والذي قد يكون أكثر ملاءمة لتوليد الفرضيات العلمية.