تستضيف القارة السمراء أول قمة مناخية إفريقية، خلال الفترة من 4 إلى 6 سبتمبر الجاري، بالعاصمة الكينية نيروبي، في محاولة للوصول لموقف موحد للقارة الإفريقية تجاه أزمة المناخ والتحضير لمفاوضات مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ "كوب 28"، المقرر عقده في دبي، نوفمبر المقبل.
وتأتي هذه القمة بعد نجاح مصر في استضافة مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ "كوب 27"، في شرم الشيخ، نوفمبر الماضي، إذ تمكنت من وضع القضايا المختلفة المتعلقة بالدول النامية والأقل نموًا على طاولة المفاوضات، ما مكن من التوصل إلى اتفاقيات مهمة، مؤكدة دورها الريادي على المستوى الإقليمي والدولي في مجال حماية البيئة ومواجهة تحديات تغير المناخ.
ودفعت سياسات الاستعمار والاستغلال التي مارستها الدول الصناعية عبر التاريخ، قارة إفريقيا إلى حدود الكارثة البيئية والمناخية، فبينما تتحمل إفريقيا أثقل عبء التغيرات المناخية على الرغم من مساهمتها البسيطة نسبيًا في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فإن الدول الصناعية لا تزال تسعى للسيطرة على مواردها الطبيعية بما فيها الطاقات الأحفورية.
وستركز القمة الإفريقية على مناقشة سبل تعزيز التمويل المناخي وقدرة القارة على التكيف مع آثار المناخ وبناء المرونة في مواجهة الأحداث المناخية المتطرفة المتكررة، كما ستبحث في كيفية سد الفجوة في مجال التنبؤات الجوية ونظم الإنذار المبكر في إفريقيا، إذ تعاني القارة نقصًا حادًا في البيانات الجوية اليومية الدقيقة.
أهمية القمة
تعتبر القمة الإفريقية للمناخ من أهم المحطات في سياق الجهود الدولية لمكافحة آثار تغير المناخ والحد منها، إذ سيجتمع قادة إفريقيا معًا لوضع خارطة طريق موحدة، لمواجهة الأزمة البيئية التي تهدد القارة.
وأكد ألفريد موتوا، وزير الخارجية والشؤون الإفريقية الكيني، أن القمة ستسهم في توحيد الصوت الإفريقي حول مسائل المناخ والمطالبة بحصة عادلة من التمويل الأخضر، وفقًا لما أشارت شبكة "كي بي سي" الكينية.
ومن المنتظر حضور أكثر من 20 قائدًا دوليًا على مدار أيام عقد القمة، أبرزهم رؤساء غانا وجزر القمر وبوروندي.
التحضيرات والترتيبات
وضعت الحكومة الكينية خططًا متكاملة لضمان نجاح القمة وتحقيق أهدافها، إذ تم تشكيل لجنة تنظيمية عُليا برئاسة رئيس الوزراء، شارك فيها الوزراء وممثلون عن الهيئات ذات العلاقة.
وشهدت العاصمة نيروبي حملات ترويجية واسعة، عبر وسائل التواصل لنشر الوعي حول أهداف القمة، كما تم توفير احتياجات المشاركين.
وعلى المستوى الدولي، بذلت وزارة الخارجية الكينية جهودًا كبيرة لضمان حضور أكبر عدد ممكن من القادة الأفارقة، ما يعكس أهمية هذا الحدث البيئي الاستثنائي.
نقطة عمياء مناخية
يحذر خبراء المناخ من أن إفريقيا تقع في "نقطة عمياء مناخية"، إذ تفتقر لتوفر البيانات الجوية بشكل كافٍ، وعلى الرغم من أن مساحة القارة تفوق مساحة الصين والهند والولايات المتحدة مجتمعة، إلا أنها لا تمتلك سوى 37 محطة رادار لرصد الأحوال الجوية، بينما يوجد 345 محطة في أوروبا وحدها.
وتشير منظمة الأرصاد الجوية العالمية إلى أن إفريقيا لديها أقل شبكة رصد أرضية متطورة مقارنة بباقي القارات، وأن هذه الشبكة في تدهور مستمر، وفي ظل تزايد موجات الجفاف والفيضانات وغيرها من الأحداث المناخية المتطرفة بفعل أزمة المناخ يصبح التنبؤ الدقيق بالطقس أمرًا حيويًا لمستقبل القارة.
وبحسب ما أشارت صحيفة الإندبندنت، يقول نيك فان دي خيسن، أستاذ إدارة الموارد المائية بجامعة دلفت للتكنولوجيا في هولندا: "بالنسبة للكثيرين في الغرب غالبًا ما تجعل التنبؤات الجوية الدقيقة حياتهم أكثر راحة، لكن في إفريقيا، إذ يعتمد الكثير من الناس على الزراعة المطرية تكون الصورة أكثر حدة".
وأضاف "مع تغير المناخ، أصبحت الطرق التقليدية لتحديد بداية موسم الأمطار أقل موثوقية. لذلك، غالبًا ما يزرع المزارعون بعد سقوط أمطار قليلة، ثم تتوقف الأمطار فجأة ولا تنبت البذور. وهذا يمكن أن يكون مدمرًا خلال الأزمة العالمية الحالية للأمن الغذائي".
وفي دول مثل الصومال وموزمبيق، التي تمتلك أطول السواحل الإفريقية وأكثرها عرضة للمخاطر، أدى انعدام أنظمة الرصد الجوي الفعّالة والإنذار المبكر إلى وفاة الآلاف جرّاء الكوارث مثل العواصف المدارية والفيضانات.
توقعات القمة وآثارها المستقبلية
وبحسب ما أشارت صحيفة جون أفريك، فإنه من المتوقع أن تعلن الدول الإفريقية خلال القمة عددًا من الاتفاقات الخضراء، بما في ذلك مبادلات الديون مقابل الطبيعة، والاستثمارات في الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الخضراء والزراعة الغذائية المستدامة.
كما ستضغط على الدول المانحة للوفاء بالتزاماتها المالية السابقة لمساعدة القارة على مواجهة أزمة المناخ، إذ تشير التقديرات إلى أن إفريقيا ستحتاج 579 مليار دولار للتكيف مع آثار تغير المناخ بحلول عام 2030، لكن التمويل المناخي المتعهد به لا يزال جزءًا ضئيلًا من هذا المبلغ، ولم يتم الوفاء بمعظمه.
وفي الوقت نفسه، تواصل ديون القارة الارتفاع مع كل كارثة تمر بها. فقد ارتفعت حصة إفريقيا من الديون العالمية من نحو 19% في عام 2010 إلى ما يقرب من 29% في 2022.
وفقًا لما أاشار وزير البيئة الكيني، لوسائل إعلام محلية، فإن القمة ستقترح نموذجًا تمويليًا دوليًا جديدًا يسمح للدول الإفريقية المثقلة بالديون بخدمة التزاماتها مع تخصيص أموال للعمل المناخي.