في صمت وبشكل سري، تمت مراسم وداع الرجل الأكثر صخبًا وجدلًا في روسيا.. الرجل الذي تمرد على الرئيس الروسي نفسه، بل وكانت محاولة تمرده الأخيرة نحو موسكو وبالتحديد الكرملين، حتى إنهاء تمرده كان جدليًا، ليلقى مصرعه في حادث مفاجئ إثر تحطم الطائرة التي تقله الأسبوع الماضي.
الناطق باسم مجموعة فاجنر، قال في بيان مقتضب إن مراسم دفن يفجيني بريجوجين،الذي يحمل لقب "طباخ بوتين" تمت سرًا، مضيفًا: "أولئك الذين يريدون وداع زعيم فاجنر عليهم أن يتوجهوا إلى مقبرة بوروخوفسكوي في سان بطرسبرج، مسقط رأسه"، بحسب "أسوشيتد برس".
الرئيس بوتين، الذي لم يحضر جنازة يفجيني بريجوجين، حسبما قال دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، إن حضور بوتين للجنازة غير وارد، وأن الكرملين ليس لديه معلومات محددة فيما يتعلق بترتيبات الجنازة لأنها مسألة تخص العائلة.
إلا أن بوتين عبّر عن تعازيه لعائلة بريجوجين الخميس الماضي، بعد مصرعه في الحادث الذي وقع بعد نحو شهرين من تمرده على قادة الجيش الروسي، واعدًا بإجراء تحقيق لكشف أسباب الحادث، ومؤكدًا أن ضحايا الطائرة قدموا مساهمة كبيرة في أوكرانيا.
كما وصف الرئيس الروسي، زعيم فاجنر، بأنه موهوب، لكنه ارتكب أخطاءً، معربًا عن تعازيه لأسر الضحايا الذين لقوا حتفهم في الحادث، وعلى رأسهم رئيس فاجنر.
وأكد الرئيس الروسي، خلال كلمة متلفزة، على ضرورة انتظار نتائج التحقيق الرسمي في الحادث، مؤكدًا أنه سيستغرق بعض الوقت.
كيف تحولت علاقة بوتين وزعيم فاجنر؟
العلاقة بين بوتين وطباخه، كانت غامضة، اختلطت فيها الأجهزة الرسمية مع عالم مجموعة فاجنر، التي برز دورها في إفريقيا، ثم بشكل متزايد في أوكرانيا التي حققت فيها نجاحات كبيرة.
بوتين وبريجوجين، ينحدران من سان بطرسبرج التي تعد ثاني أكبر مدينة في روسيا وعاصمتها الثقافية، وكان لقائهما في أوائل التسعينيات، إلا أن تفاصيل اللقاء الأول لا تزال غير دقيقة، لكن بريجوجين كان وقتها خرج لتوه من السجن، بينما كان بوتين عائدًا من مهمة في ألمانيا الشرقية كضابط في جهاز الأمن السوفيتي، كي جي بي، وكان يبحث عن طريقة لدخول عالم السياسة، بحسب "بي بي سي".
المرة الأولى التي أدين فيها بريجوجين، كان في السابعة عشرة من عمره، وحكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ بتهمة السرقة أواخر السبعينيات، ثم حكم عليه بالسجن لفترة طويلة، مرة أخرى بتهمة السرقة عام 1981.
عندما غادر زعيم فاجنر الراحل السجن، عام 1990، كان الزعيم السوفيتي ليونيد بريجنيف رحل، وتولى الزعيم الإصلاحي ميخائيل جورباتشوف السلطة، وسقط جدار برلين وكانت عملية إعادة الهيكلة بدأت على قدم وساق.
كيف حصل على لقب طباخ بوتين؟
بدأ بريجوجين عمله كبائع نقانق في سان بطرسبرج، وبحلول منتصف التسعينيات افتتح مطعمًا، ومن المرجح أن يكون هو المكان الأول الذي التقى فيه بوتين، وكان يسميه "أولد كاستم هاوسم"، وكان بوتين، الذي يبلغ من العمر 40 عامًا آنذاك، يرتاد المطعم أيضًا كنائب لسوبتشاك.
وبعدما أصبح بوتين رئيسًا، في مطلع القرن الحالي، أصبح بوتين وبريجوجين صديقين مقربين، وهو الوقت الذي أطلق فيه عليه "طاهي بوتين"، إذ كان من المهم لزعيم روسي جديد أن يكون لديه طاهٍ شخصي، للتأكد من صلاحية طعامه.
ومع وجود بوتين في الكرملين، استعادت الأجهزة الأمنية الروسية سيطرتها، وتولى بريجوجين مجموعة متنوعة من المهام في الكرملين، وخاصة تلك التي تقع خارج نطاق سيطرة الأجهزة الأمنية.
شركة فاجنر
وبعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، ظهرت التقارير الأولى لشركة فاجنر العسكرية الخاصة، إذ دعمت الانفصاليين الموالين لروسيا في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا.
ورغم حظر القانون الروسي، لمنظمات المرتزقة، أصبح بريجوجين ومجموعته يتمتعون بأهمية متزايدة في بسط سلطة بوتين، لكن رسميًا لم يكن له علاقة خاصة مع الرئيس الروسي بوتين.
ومع دوره في أوكرانيا، قال عنه المتحدث باسم الكرملين بأنه رجل "يتألم قلبه لما يحدث" وشخص "يقدم مساهمة كبيرة لروسيا".
قبل أن تنقلب الأمور، ويتحول بريجوجين، إلى انتقاد قيادات الجيش علنًا، وقال إن وزير الدفاع سيرجي شويجو ورئيس هيئة الأركان العامة فاليري جيراسيموف يقومان بـ"تجويع" فاجنر وحرمانها من الذخيرة في وقت تخسر آلاف الرجال في القتال من أجل باخموت في شرق أوكرانيا.
وتمادى بريجوجين، في انتقاداته حتى وصل إلى انتقاد بوتين نفسه، وأشار إليه بـ"ديدوشكا"، وتعني الجد، قائلًا: "كيف يمكننا الفوز في الحرب عندما يكون ديدوشكا معتوهًا؟"، ووقتها لم يعلق الكرملين.
ثم رفض زعيم فاجنر السابق، وضع مجموعته تحت سيطرة وزارة الدفاع، وأعلن عن مسيرة "من أجل العدالة"، على الطريق إلى موسكو، وأظهر تمرده، وعندها وصفه بوتين بـ"الخائن الذي طعن البلاد بسكين من الخلف".
ليصبح هذا التمرد قصير الأجل، بمثابة القشة التي أنهت العلاقة بينهما، حتى انتهى به المطاف في حادث مأساوي يشكك الكثيرون بأنه لم يكن حادثًا عابرًا، لكن لا شيء مؤكد حتى الآن.