مسحورًا بعالم السينما، بحث المبدع المصري الراحل حسين كمال كثيرًا عن فرصة للإخراج في بداية مشواره الفني، لا يعلم كيف ستأتي إليه، ولكنه ذهب لها في مكمنها وعالم الاستوديوهات بجهود فردية، ليكون قريبًا من صناع السينما ويتعرف عليهم عن قرب، وبداخله طمع حميد في أن يحقق حلمه السينمائي، حتى التقى يومًا بالفنان المصري الراحل سمير صبري في كواليس فيلم "حكاية حب" عام 1959، ولم يكن الممثل الشاب عرف طريقه إلى الفن وقتئذ، وقتها عرض بطل الفيلم العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ على الثنائي أن يقفا ويظهرا في مشهد تأديته لأغنية "بحلم بيك"، ليكون هذا المشهد أول علاقة حقيقية بين المخرج وكاميرات السينما.
شاهد حسين كمال، المولود في مثل هذا اليوم من عام 1934، الفيلم مع أسرته وسمير صبري في السينما، وداخلهم سعادة بهذه الثواني المعدودة التي ظهرا فيها على الشاشة، رغم أن الأول كان يريد بوابة الإخراج، والثاني كان يسعى للتعبير عن موهبته بشكل أكبر، لكن عززت من إرادتهما، ودفعت الوقود في ماكينة أحلامهما حتى لا تموت، وسار كل منهما في طريقه، وتمر السنوات حتى شاءت الأقدار أن يلتقيا مرة أخرى، حيث وقف سمير صبري على المسرح ليعلن جوائز مهرجان التلفزيون الدولي الأول عام 1965، وكان الفائز بجائزة الإخراج حسين كمال عن فيلمه التلفزيوني "المعطف".
دموع كل من الشابين الحالمين خرجت في هذه اللحظة، كل منهما يعرف ما يشعر به الآخر، حسبما وصفها الفنان الراحل سمير صبري في لقاء تلفزيوني، الأمر الذي تكرر مرة ثانية عندما شارك الممثل في فيلم حسين كمال "أبي فوق الشجرة"، لتنتابهما في نفس المشاعر مع تصفيق الجمهور في العرض الأول للفيلم.
التجربة الأولى
1965 كان عامًا مميزًا أيضا لحسين كمال، لأنه شهد خروج تجربته الإخراجية السينمائية الأولى من خلال فيلم "المستحيل"، عن قصة للكاتب الشهير مصطفى محمود، وبطولة نادية لطفي وكمال الشناوي، ليضع أولى خطواته في عالم الفن السابع.
انتظر حسين كمال 3 سنوات أخرى حتى يظهر شريطه السينمائي الثاني إلى النور بعنوان "البوسطجي" بطولة شكري سرحان وزيزي مصطفى وصلاح منصور، الذي يتعرض لقصة شاب قاهري يذهب للعمل في مكتب بريد بسيط بصعيد مصر، ويتلصص على خطابات الغرباء بدافع قتل الملل، وحقق الفيلم جدلًا كبيرًا ما بين مؤيد ومعارض، خرج حسين كمال منها منتصرًا بإثبات أنه مخرج قادم بقوة إلى عالم السينما.
الدفعة القوية لنجاح فيلم "البوسطجي"، جعلت مستوى الطموح لدى حسين كمال يصل إلى النبش أكثر في المجتمع، وتقديم لأول مرة فيلم ملحمي بعنوان "شيء من الخوف" عام 1969، وكان لأول مرة أيضًا يتم تعريف الجمهور بشخصيات الفيلم بالأغاني التي كتبها عبد الرحمن الأبنودي، ورغم جماليات الفيلم لم يستمر عرضه في دور السينما سوى 3 أسابيع فقط، لكن النصر كان حليفه عند عرضه بعد سنوات في التلفزيون، الأمر الذي فسره مخرجه في لقاء تلفزيوني بأنه عمل سينمائي سبق عصره، وتصبح شخصية "عتريس" أحد أشهر شخصيات السينما المصرية حتى وقتنا هذا.
وضع حسين كمال بعد ذلك كاميرته ووقف خلف العديد من الأفلام التي أصبح 6 منها ضمن قائمة أفضل 100 فيلم بتاريخ السينما المصرية وهي "شيء من الخوف"، "البوسطجي"، "ثرثرة فوق النيل"، "المستحيل"، "أبي فوق الشجرة"، و"امبراطورية ميم".
كما أن مشواره السينمائي يسجل العديد من الإنتاجات السينمائية البارزة ومنها "مولد يا دنيا"، أحد الأفلام الموسيقية الشهيرة، "أنف وثلاث عيون"، "النداهة"، "إحنا بتوع الأتوبيس"، "العذراء والشعر الأبيض"، "أرجوك أعطني هذا الدواء"، "حبيبي دائما"، و"نحن لا نزرع الشوك" الذي حوله بعد ذلك إلى مسلسل تلفزيوني عام 1998، وكان آخر عمل فني يقدمه عبر مشواره الممتد.
مسرحيات حسين كمال
المخرج الذي تميز في الإخراج السينمائي، يحسب له أيضا تولي إخراج العديد من المسرحيات الشهيرة، بل إنه صاحب الفضل في صعود الفنانة شادية على خشبة المسرح للمرة الأولى من خلال "ريا وسكينة" وإقناعها بتجسيد دور "ريا" رغم خوفها على رصيدها السينمائي البارز، وأيضًا كان أول ظهور مسرحي لمحمد هنيدي على يديه من خلال عرض "حزمني يا"، وتعاون مع عادل إمام في "الواد سيد الشغال"، ومع شريهان وفؤاد المهندس في "علشان خاطر عيونك".
وفي مشواره نحو المسرح لم ينسَ حسين كمال حلمه السينمائي، بل يعد أول من حول عرضًا مسرحيًا إلى فيلم سينمائي، حيث عرضت مسرحيته "الواد سيد الشغال" في السينما، ليرحل بعد ذلك عن عالمنا يوم 23 مارس عام 2003، بعد أن نجح في تحقيق فلسفته الخاصة بأن الوصول إلى الجمهور البسيط يعد قمة النجاح العالمي.