تثير الأحداث والتطورات الأخيرة في الساحة السياسية الأمريكية تساؤلات ملحّة حول حدود القانون والعدالة، وذلك نتيجة للاتهامات الموجهة ضد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، فمنذ انتهاء فترة ولايته، لم يتوقف الجدل والتحليل حول دوره في الأحداث التي تلت انتخابات العام 2020.
يتم اتهام ترامب الآن بمحاولات التأثير على نتائج الانتخابات، وتشير الأدلة إلى وجود أعمال غير قانونية وتلاعب في العملية الديمقراطية، لكن المثير للجدل هو استخدام قانون مكافحة العصابات (قانون ريكو) في هذه القضية، وهو خطوة قانونية غير مسبوقة تفتح الباب أمام نقاش واسع حول تطبيق القانون على الشخصيات السياسية البارزة.
ويتهم دونالد ترامب من قِبل العديد من معارضيه بأنّه يتصرّف كزعيم عصابة، والآن تستخدم النيابة العامة في ولاية جورجيا القانون الذي وضع لإدانة رؤساء العصابات، مثل رجال العصابات جون جوتي وإل تشابو، ضد الرئيس السابق، إذ قدمت النيابة العامة تهمًا بالاشتراك في النشاط الإجرامي وبعض التهم الأخرى ضد الأمريكي السابق، البالغ من العمر 77 عامًا، في وقت متأخر من ليلة أمس الاثنين، وبحسب ما أشارت صحيفة "التليجراف" البريطانية، بدأت القضية بالمكالمة الهاتفية المشهورة التي قام بها ترامب إلى أعلى مسؤول انتخابي في ولاية جورجيا، طالبًا منه "إيجاد" أكثر من 11 ألف صوت للفوز في الولاية، وكان ذلك في الثاني من يناير 2021، في الأسابيع الأخيرة لترامب في المنصب، حينما اتصل ببراد رافنسبيرجر للضغط عليه للمساعدة في عكس فوز جو بايدن في الولاية، وقال له ترامب: "إذن، كل ما أريده هو هذا، أريد فقط إيجاد 11 ألفًا و780 صوتًا، وهو أكثر من عدد الأصوات التي لدينا"، وتم نشر تسجيل المكالمة الهاتفية من قِبل وسائل الإعلام الأمريكية في اليوم التالي مباشرةً.
تحقيقات لمدة عامين ونصف العام
وصادف أن يوم الثالث من يناير كان هو اليوم الأول لفاني ويليس في وظيفتها كمدعية عامة لمقاطعة فولتون في جورجيا، وقالت في وقت لاحق: "في أول يوم لي في هذا المكتب، كانت القضية محور جميع وسائل الإعلام"، وأضافت أنها كانت تأمل أن يكون براد رافنسبيرجر "في مقاطعة أخرى" عندما حدثت المكالمة، لكنها سرعان ما اكتشفت أن الحادثة تدخل في اختصاصها، وقالت: "أنا محاصرة بها"، وهكذا بدأت التحقيقات التي استمرت عامين ونصف العام لفاني ويليس في محاولتها للكشف عن "محاولات التأثير" غير القانونية التي قام بها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لتغيير نتائج الانتخابات التي جرت في عام 2020.
الولايات المتحدة ليست "جمهورية موز"
وأشارت المدعية العامة إلى أن إضافة للمكالمة الهاتفية المشهورة، قضى ترامب أسابيع في نشر ادعاءات غير مثبتة بشأن وجود تزوير واسع في الانتخابات كجزء من حملة ضغط عنيفة للتأثير على الرأي العام، وبدأت هذه الجهود في جورجيا بعد يومين من انتخابات الرئاسة في الثالث من نوفمبر 2020، وسافر ابن الرئيس السابق، دونالد ترامب جونيور، إلى مقر الحزب الجمهوري في أتلانتا بجورجيا لتوجيه رسالة إلى المسؤولين الجمهوريين شخصيًا: "ادعموا والدي أو احذروا"، وصاح ترامب جونيور قائلاً: "يجب أن يعلم الأمريكيون أن الولايات المتحدة ليست جمهورية موز"، كما كرر الادعاءات بأن جورجيا والولايات الحاسمة الأخرى تعرضت لتلاعب في الانتخابات، ومع اقتراب جو بايدن من الفوز في الانتخابات، تصاعدت اتهامات ترامب، إذ وصف براد رافنسبيرجر بأنه "عدو للشعب" وأعطى صدى لادعاءاته بتزوير الانتخابات.
"قانون ريكو"
وأدى ما سبق إلى إقامة مؤتمر صحفي لجابريل ستيرلينج، مساعد رافنسبيرجر، أورد فيه تفصيلات الرسائل التهديدية التي وجهتها إلى مكاتب الانتخابات في جورجيا، وقال رافنسبيرجر بتعبير مرتعش: "سيتعين أن يقتل شخص ما". وادعى حلفاء ترامب أيضًا أن عمال الانتخابات العاديين قاموا برمي الأصوات ونشروا مقطع فيديو محرفًا لتعزيز هذه الادعاءات. وبعد تتبع أدلة القضية لمدة عامين ونصف العام، استنتجت "ويليس" أن ترامب وحلفاءه قاموا بسلسلة أعمال غير قانونية تهدف للتأثير على نتائج الانتخابات، من ضغوط على مسؤولين محليين إلى محاولات لعرقلة العملية الانتخابية وحتى مؤامرة لتزوير نتائج الاقتراع في ولاية جورجيا.
ولإثبات اتهاماتها، ارتأت "ويليس" أن قانون مكافحة العصابات "قانون ريكو" هو الأداة القانونية المناسبة لوصف حجم وتعقيد سلوك ترامب وحلفائه بشكل شامل، وقد استخدمت هذا القانون بنجاح في السابق في عدة قضايا أخرى.
إن استخدام قانون ريكو من قِبل النيابة العامة يبرز خطورة الاتهامات الموجهة لترامب، إذ يمكن محاكمته ليس فقط على أساس الأفعال غير القانونية المزعومة، بل أيضًا على أساس دوره القيادي في المؤامرة الأوسع نطاقًا للتأثير على نتائج الانتخابات، ما يجعله عرضة لعقوبات أشد إذا ثبتت إدانته، ويعتبر قرار النائبة العامة فاني ويليس توجيه تهم بموجب قانون مكافحة العصابات ضد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قرارًا مثيرًا للجدل، فمن الناحية القانونية، إن استخدام قانون ريكو الذي صُمم لمكافحة الجريمة المنظمة ضد سياسي بارز مثل ترامب يعتبر خطوة استثنائية، وقد انتقد المؤيدون لترامب هذا القرار، معتبرين أنه يشكل مضايقة سياسية بحق الرئيس السابق.
ترامب ارتكب أعمالًا غير قانونية وخطيرة
من ناحية أخرى، تؤكد النائبة العامة ويليس أن الأدلة التي جمعتها خلال التحقيق الدائم لمدة عامين ونصف العام تشير إلى وقوع أعمال غير قانونية خطيرة من ترامب وحلفائه للتأثير على نتيجة الانتخابات، وتعتقد أن استخدامها لقانون ريكو مبرر في هذه الحالة نظرًا لحجم وتعقيد القضية، ومن المتوقع أن تثير هذه القضية جدلاً قانونيًا وسياسيًا واسع النطاق في الولايات المتحدة، وستكون نتيجتها مصيرية لترامب في حال إدانته، كما ستؤثر على سياسة الولايات المتحدة الأمريكية للأعوام المقبلة. كما من شأنها أن تشكل سابقة قانونية مهمة حول استخدام قوانين مكافحة الجريمة المنظمة ضد القادة السياسيين.