عاد "الطوارق" إلى الظهور مجددًا على ساحة الصراع في دولتي النيجر ومالي، غرب إفريقيا، سعيًا لتحقيق مكاسب سياسية يكافحون لأجل الحصول عليها طيلة السنوات الطويلة الماضية.
وينتشر "الطوارق" في النيجر ومالي المجاورة، ويدخلون بين وقت وآخر في صراعات مع السلطة بالبلدين، من أجل إشراكهم في الحكم أو منحهم الاستقلال والحكم الذاتي.
الطوارق في النيجر
ويمثل الطوارق 11% من عدد سكان النيجر، وينقسمون إلى 3 مجموعات في إقليم أزواغ بالغرب، وفي جنوب وشرق البلاد.
وفي ظل أزمة النيجر الحالية، أعلنت مجموعات من الطوارق تأسيس حركة "مقاومة" لإعادة الرئيس محمد بازوم إلى السلطة.
جاء الإعلان عن تأسيس "مجلس المقاومة من أجل الجمهورية" ضد المجلس الانتقالي في النيجر، على لسان غيسا أغ بولا، الوزير السابق، أحد قيادات الطوارق، الذي قال في خطاب له أخيرًا: "ندعو الجنود الذين يحترمون قسمهم والشعب إلى إنهاء التمرد والمضي دون تأخير".
ويعد "بولا" من أبرز قيادات ما عُرف بـ"ثورة الطوارق" في النيجر عام 2007 – 2009، التي انتهت باتفاق سلام مع السلطة.
وقال في بيان تأسيس المجلس، إن شخصيات سياسية انضمت له، لكن لم تعلن "لأسباب تتعلق بالسلامة".
ويرى خبراء أن تأسيس "مجلس المقاومة من أجل الجمهورية" ضد المجلس الانتقالي في النيجر، يشير لمخاوف بعض الطوارق حول ما بعد الإطاحة بالرئيس بازوم، خاصة مع وجود صراع دولي وإقليمي يلوح في الأفق، ويخشى الطوارق على موقعهم في الترتيبات القادمة.
ويشير مايكل شوركين، الباحث في مركز راند الأمريكي للاستشارات الأمنية، إلى أن تأسيس الطوارق مجلس المقاومة في النيجر، يشي بخطر اندلاع صراع يمكن أن يقسم البلاد، خاصة أن النيجريين ينظرون لتشكيل جماعة مسلحة ضد منفذي الإطاحة بالرئيس بازوم، بنظرة "عداء"؛ وسط ما يتعرضون له من تهديد خارجي بالتدخل العسكري، ومع ارتفاع وتيرة العداء لفرنسا.
وتتوقع نياجالي باجايوكو، رئيسة شبكة قطاع الأمن الإفريقي، في مقابلة مع إذاعة فرنسا الدولية، بأن تورط غيسا أغ بولا في الأزمة الراهنة سيعقّد في كل الأحوال الأوضاع التي هي أصلًا غير مستقرة، منذ الإطاحة بالرئيس محمد بازوم. وتقول باجايوكو في هذا السياق: "الجماعات المسلحة الجهادية والانفصالية مثلما هو الحال في مالي، التي هي حاليًا عدائية جدًا تجاه السلطات، ستؤثر أيضًا في هذه المعادلة".
الطوارق في مالي
وفي مالي، عقد الإطار الاستراتيجي الدائم في إقليم أزواد شمال مالي، الذي يسكنه الطوارق والعرب، اجتماعات مكثفة، في وقت سابق الشهر الجاري، ناقش موقفه من الجيش المالي بعد ما اعتبره تجاهل السلطة لتنفيذ بنود اتفاق الجزائر للسلام الموقع عام 2015، وتضمن إشراك حركات أزواد في الحكم، مقابل التوقف عن مطالبها الانفصالية بالإقليم.
وفي 8 أغسطس الجاري، عقد وفد الإطار (المكون من حركات مسلحة في أزواد وقعت على اتفاق الجزائر)، اجتماعًا في الجزائر، أكد فيه استعداده للدفاع عن "حقوقه" بالإقليم.
وتشهد منطقة "بير" شمال مالي توترات بين الجيش المالي ومجموعة فاجنر الروسية من جهة، و"تنسيقية حركات الأزواد" من جهة أخرى، وفق هذا التحالف الذي يضم في غالبيته مجموعات من الطوارق تسعى لحكم ذاتي أو للاستقلال عن الدولة المالية.
وتنسيقية حركات الأزواد هي أحد الأطراف التي أبرمت اتفاق سلام وقّع في الجزائر مع الحكومة المالية، عام 2015.
والخميس الماضي، أعلن انفصاليون طوارق سابقون مغادرة جميع ممثليهم باماكو، لأسباب "أمنية" ما عمّق الهوة مع السلطات الحاكمة، التي تتّهمه التنسيقية بالسعي إلى نسف اتفاق الجزائر. كما تتّهم التنسيقية سلطات مالي بأنهم أصدروا في يونيو، دستورًا جديدًا يقوّض الاتفاق.
ويسيطر الطوارق على الحركات المكونة للتنسيقية التي شاركت في معارك مسلحة ضد السلطات عام 2012، بهدف استقلال إقليم أزواد شمال البلاد، وانتهت المواجهة بتوقيع اتفاق السلام في الجزائر. وتدهورت علاقة حركات إقليم أزواد بالحكومة المالية، منذ الإطاحة بالسلطة الحاكمة في باماكو، عام 2022.
واتهم التحالف الذي يقوده الطوارق، المسمى تنسيقية حركات أزواد، خلال الأيام الماضية، قوات مالي وقوات مجموعة فاجنر العسكرية الروسية الخاصة، بانتهاك وقف إطلاق النار بمهاجمة قواته المتمركزة بالقرب من بير، حسب وكالة "رويترز".
ولم يرد جيش مالي على هذه الاتهامات، لكنه أعلن، أول أمس السبت، مقتل 6 من جنوده المتمركزين في بير، بينما كانوا يتصدون لمحاولة توغل "جماعات إرهابية مسلحة" لم يذكرها بالاسم.
وقالت بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مالي، الأحد الماضي، إنها عجّلت الانسحاب المزمع من بلدة بير، شمال مالي، بسبب تدهور الوضع الأمني، بعد أن أثار القتال في المنطقة مخاوف من تجدد انتفاضة الانفصاليين.
وطلبت مالي بشكل مفاجئ، يونيو الماضي، أن تنهي بعثة الأمم المتحدة مهمتها المستمرة منذ 10 سنوات، ما أثار مخاوف من أن يؤدي انسحابها إلى مزيد من الضغوط على اتفاق السلام، الذي أبرم في عام 2015 مع الطوارق.
وسيتم انسحاب نحو 11600 جندي و1500 شرطي من عشرات الجنسيات، كانوا موجودين في مالي بحلول 31 ديسمبر المقبل.