من غير المتوقع أن تُكمل المجموعة الأولى المكونة من ستة طيارين أوكرانيين التدريب على المقاتلة الأمريكية "إف-16" قبل الصيف المقبل، وذلك بعد سلسلة من التأخيرات من قبل الشركاء الغربيين في تنفيذ برنامج تدريبي للمقاتلة المتطورة، وفق ما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست"، نقلًا عن مسؤولين حكوميين وعسكريين أوكرانيين رفيعي المستوى.
ويعكس الجدول الزمني الانفصال بين داعمي أوكرانيا، الذين يرون في "إف-16" أداة رئيسية في الدفاع عنها على المدى الطويل، وكييف التي طلبت بشدة أن تصل الطائرات إلى ساحة المعركة في أقرب وقت ممكن، والتي تعتبرها حاسمة في المعركة الحالية ضد القوات الروسية.
بعد أن رفض الرئيس الأمريكي جو بايدن المناشدات الأوكرانية للحصول على المقاتلة "إف-16 " لأكثر من عام، عكس مساره في مايو الماضي، وقال إنه يؤيد فكرة تدريب الطيارين الأوكرانيين على الطائرات، ودعم نقلها من قبل دول أخرى.
وتطوعت الدنمارك وهولندا لقيادة جهود تدريبية، مما أثار الآمال بين المسؤولين في كييف بأن الطائرات ستدافع عن المجال الجوي الأوكراني بحلول سبتمبر المقبل.
لكن بعد تأجيل بدء التدريب عدة مرات، ربما يتعين على أوكرانيا الآن أن تتحمل عامًا آخر بدون المقاتلات، وهو ما توقع المسؤولون في كييف أنه سيوفر ميزة عسكرية كبيرة، ويساعد على حماية المدنيين بشكل أفضل من الضربات صاروخية والمسيرات الروسية، وسط هجوم مضاد بطيء.
وبينما تعهدت إدارة بايدن بالدعم المستمر للمبادرة التي تقودها أوروبا، قال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، في منتصف يوليو، إن الولايات المتحدة ستقدم دعمها بمجرد أن يستعد الأوروبيون.
وانتقد الجنرال فاليري زالوجني القائد العام لأوكرانيا، الشركاء الغربيين لتوقعهم أن تشن قوات بلاده هجومًا مضادًا واسع النطاق بدون قوة جوية حديثة، ويقول المسؤولون الأوكرانيون إنه بدون طائرات مقاتلة مثل F-16، لا يمكنهم المنافسة في السماء.
وقال جنود أوكرانيون على الخطوط الأمامية إن طائرات هليكوبتر روسية تحلق على ارتفاع منخفض نجحت في مهاجمة قواتهم البرية جزئيًا، لأن أوكرانيا غير قادرة على تهديدهم بالمثل.
وحسب ما نقلت" واشنطن بوست" عن مسؤولين أوكرانيين، سيخوض ستة طيارين فقط (نحو نصف سرب)، الجولة الأولى من التدريب، وتم تحديد طياريّن اثنين آخرين بالاحتياط.
وعلى الرغم من أن الطيارين الأوكرانيين يجيدون اللغة الإنجليزية بالفعل، يتعين عليهم أولًا حضور أربعة أشهر من دروس اللغة الإنجليزية في بريطانيا، لتعلم المصطلحات المرتبطة بالطائرات.
وستحدث هذه التعليمات جنبًا إلى جنب مع الموظفين الميدانيين الذين قد يكونون أقل كفاءة في اللغة الإنجليزية، لأنه وفقًا لمسؤولين أوكرانيين، طلبت الدنمارك تدريب أطقم كاملة معًا بدلًا من الطيارين فقط أولًا.
وقال المسؤولون الأوكرانيون إن ذلك يؤجل بدء التدريب القتالي، الذي من المتوقع أن يستغرق ستة أشهر، حتى يناير. ستكون المجموعة الثانية من نفس الحجم جاهزة بعد ستة أشهر من ذلك، أو تقريبًا نهاية العام المقبل.
وقال مسؤولون أمريكيون إن 20 طيارًا أوكرانيًا آخرين جاهزون للتدريب على اللغة الإنجليزية، مضيفين أنه من المتوقع أن يظل معظم أفضل الطيارين الأوكرانيين في أوكرانيا، حيث ينفذون طلعات جوية بطائرات سوفييتية مطورة، ويطلقون صواريخ "سكالب" الفرنسية و"ستورم شادو" البريطانية.
وقال الجنرال سيرهي هولوبتسوف، رئيس الطيران في القوات الجوية الأوكرانية، لصحيفة واشنطن بوست، إنه في الفترات الفاصلة بين طلعاتهم الجوية، أخذ الطيارون الأوكرانيون دروسًا في اللغة الإنجليزية عبر الإنترنت خلال العام الماضي.
وقال "هولوبتسوف": "سيتم توفير تدريب متخصص إضافي للطيارين والطواقم الأرضية على المصطلحات المطلوبة للتدريب على إف-16، إذ لم يكن من الممكن تدريب الطيارين وغيرهم من الطواقم الأرضية في أوكرانيا على تلك المصطلحات بسبب نقص الخبرة في العمل بدونها".
وقال إنه "نظرًا لأن الطيارين المختارين لديهم بالفعل مستوى عالٍ من أساسيات اللغة الإنجليزية، فإن تعلم المصطلحات الإضافية لن يستغرق الكثير من الوقت".
كيف تغير إف-16 مسار المعركة؟
وأضاف "هولوبتسوف" إن مقاتلات "إف-16" تأتي مع رادار قوي، مما سيسمح لأوكرانيا بتحديد المزيد من الأهداف ومواجهة طائرات العدو والصواريخ والطائرات بدون طيار بشكل أفضل من الأسطول الأوكراني الحالي من الطائرات المقاتلة، والذي يضم طائرات "ميج-29" و"سو-27" من الحقبة السوفييتية.
ولفت رئيس الطيران في القوات الجوية الأوكرانية، إلى أنه سيكون بمقدور أوكرانيا نشر صواريخ هاربون المضادة للسفن التي قدمتها المملكة المتحدة من طائرات إف-16 -وهي قدرة لا تمتلكها كييف حاليًا- لاستهداف البحرية الروسية، التي تطلق صواريخ بانتظام من البحر الأسود.
وقال هولوبتسوف إن الصواريخ عالية السرعة والمضادة للإشعاع، التي أرسلتها الولايات المتحدة إلى أوكرانيا العام الماضي، ستطلق أيضًا من طائرات إف-16. وأضاف: "لقد تم تكييف تلك الصواريخ بالفعل للاستخدام على مقاتلات ميج-29، ولكن نظرًا لعدم وجود نظام تصويب، فإن فعاليتها محدودة بشكل كبير".
كما أن الطائرات السوفييتية الحالية بحوزة أوكرانيا، مزودة برؤوس حربية موجهة شبه نشطة، ما يعني أنه يجب أن تستمر في الطيران مباشرة نحو هدفها حتى يضرب الصاروخ. وقال إن ذلك يجعل المهمة خطيرة للغاية للطيارين.
طلبت أوكرانيا من حلفائها طائرات مقاتلة منذ الأيام الأولى لانطلاق الهجوم الروسي، لكن دفعها لم يكتسب زخمًا حتى هذا الربيع.
مشكلات التدريب
وجاء تغير موقف بايدن في مايو، بعد شهور أصرّ خلالها المسؤولون الأمريكيون على أن الطائرات ليست ضرورية في هذه المرحلة من القتال، وسط ضغوط مكثفة من المسؤولين الأوكرانيين والأوروبيين والمشرعين الأمريكيين.
وأعلن مسؤولون دنماركيون وهولنديون في قمة لزعماء حلف شمال الأطلسي في يوليو الماضي، أن 9 دول أخرى (بريطانيا وبلجيكا وكندا ولوكسمبورج والنرويج وبولندا والبرتغال ورومانيا والسويد) ستشرع في تدريب الطيارين الأوكرانيين على إف-16 في أغسطس الجاري.
لكن من الواضح أن الخطط لا تزال تتشكل، وتخشى الدنمارك وهولندا الخوض في تفاصيل تتعلق بنطاق التدريب أو حجمه أو توقيته، إذ رفضت وزارة الدفاع الدنماركية التعليق على المدة التي سيستغرقها البرنامج، أو الرد على أسئلة حول التأخيرات المحتملة.
وتعمل الحكومة الهولندية مع رومانيا على إنشاء مركز تدريب على أراضيها، لكن المسؤولين الأمريكيين قالوا إن ذلك سيستغرق وقتًا.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الهولندية اللفتنانت كولونيل مارك فان دي بيك، إن التحدي الرئيسي هو النقص في مدربي إف-16 في أوروبا.
هولندا، على سبيل المثال، في طور الانتقال إلى طائرة إف-35 الأكثر تقدمًا، وحولت تركيز تدريبها بعيدًا عن طائرات إف-16.
وأضاف فان دي بيك: "لتدريب طيار مقاتل، تحتاج أيضًا إلى طيارين مقاتلين.. وهذا مكلف وقدرة لا تمتلكها البلدان الصغيرة بعد الآن".
وشدد على أن تدريب شخص ما على التحليق بطائرة إف-16 في القتال مهمة معقدة يجب أن تستمر خطوة بخطوة.
جدل أوكراني أمريكي
ويتساءل المسؤولون الأوكرانيون عن سبب عدم قيام الولايات المتحدة، مع مجموعة أكبر بكثير من المدربين، بإجراء التدريب في قاعدة لوك الجوية في أريزونا، حيث يتم تدريب أكثر من 400 طيار أمريكي على قيادة طائرة إف-16 كل عام، ويستمر هذا البرنامج سبعة أشهر.
وتم تدريب الأوكرانيين على تشغيل نظام الدفاع الجوي باتريوت الأمريكي الصنع في قاعدة عسكرية في أوكلاهوما، في وقت سابق من هذا العام.
وقال مسؤول أوكراني إن العدد القليل من الطيارين الأوكرانيين الذين يتم تدريبهم في وقت واحد يرجع إلى عدم وجود عدد كافٍ من المدربين المتاحين لمجموعة أكبر.
في غضون ذلك، يقول المسؤولون الأمريكيون إن أوكرانيا قدمت ثمانية طيارين فقط حتى الآن، وقال مسؤول أمريكي إن إدارة بايدن تلقت مؤخرًا قائمة بأسماء الطيارين.
وأضاف المسؤول: "أوكرانيا لديها عدد قليل فقط من الطيارين المستعدين لبدء التدريب ونحو 20 آخرين قالوا لنا إنهم بحاجة إلى بعض التدريب الإضافي على اللغة الإنجليزية قبل أن يتمكن الطيارون من المضي قدمًا".
وهذه الأعداد الصغيرة أثارت تساؤلات في واشنطن، حول مدى استعداد كييف لإطلاق مثل هذا البرنامج الطموح في خضم معركة وجودية.
وفي حين قالت الإدارة الأمريكية إنها ستتحرك بسرعة للموافقة على نقل الدول الشريكة للطائرات إلى أوكرانيا، بمجرد أن تكون هذه الصفقات جاهزة، كما هو مطلوب بموجب القانون الأمريكي، إلا أنها لم تشر إلى ما إذا كانت ستجري تدريبًا على طائرات "إف- 16" على الأراضي الأمريكية في وقت لاحق.
وأكد المسؤول الأمريكي أن الدول الأوروبية -على عكس العديد من المبادرات الأخرى المتعلقة بالدعم الغربي لأوكرانيا- تأخذ زمام المبادرة في تدريب إف-16.
فالمملكة المتحدة، التي لا تستخدم طائرات F-16، تعتزم توفير تدريب أرضي وأولي على الطيران للطيارين الأوكرانيين، مما يضع الأساس للتدريب الأكثر تخصصًا بقيادة الحكومتين الهولندية والدنماركية.
قال مسؤول بريطاني إن الحكومة البريطانية عرضت تدريب الطيارين الأوكرانيين على طائرة تايفون، وهي مقاتلة ذات محركين يقودها سلاح الجو الملكي، لكن كييف اختارت المقاتلة إف-16.
ومثل الولايات المتحدة، ترى الحكومة البريطانية طائرات إف-16، جزءًا من جهد طويل الأمد لتطوير القوة العسكرية لأوكرانيا.
ورغم من أنه من المتوقع أن يستغرق التدريب القتالي للطيارين الأكثر خبرة في أوكرانيا ستة أشهر، اقترح الحلفاء الغربيون مسارًا منفصلًا للمبتدئين يتطلب أكثر من عامين من التدريب، بما في ذلك دروس اللغة الإنجليزية.