يهدد الانقلاب الذي نفذته قوات الحرس الرئاسي، الأربعاء 26 يوليو، ضد الرئيس النيجيري محمد بازوم، المصالح الغربية المهمة في إفريقيا، كما يُظهر مدى تعرض الاستقرار في المنطقة للخطر، بحسب تقرير نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية.
أهمية النيجر بالنسبة للغرب
تعتمد الولايات المتحدة وفرنسا وأوروبا بشكل كبير على النيجر كحليف استراتيجي في المعركة ضد الإرهاب، كما تسعى الحكومات الغربية لتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي اللذين يهددهما التدهور المتزايد.
إلا أن رئيس النيجر محمد بازوم، الذي امتدحه الزعماء الأوروبيون والأمريكيون باعتباره قدوة، تم الآن الإطاحة به من خلال انقلاب عسكري، على يد الجنرال عبد الرحمن تشياني، قائد الحرس الرئاسي منذ عام 2011.
وأثار هذا الحدث مخاوف حقيقية بشأن استقرار النيجر والمنطقة ككل، كما أظهر ضعف التأثير الغربي وقدرته على تعزيز الديمقراطية وحكم القانون في إفريقيا.
تدهور الأوضاع الأمنية
تشير الصحيفة الفرنسية، إلى ما أثاره الانقلاب من مخاوف بشأن مستقبل هذا البلد ذي الـ25 مليون نسمة، الذي ينتج 7% من اليورانيوم في العالم، كما أنه يزعزع شريكًا استراتيجيًا للغرب في إفريقيا يتجاوز المصالح الفرنسية ليصبح محورًا للنشاطات العسكرية والإنسانية في السنوات الأخيرة.
قلق غربي
ردت الولايات المتحدة على الانقلاب، الخميس الماضي، بعد وقت قصير من إصدار بيان فرنسا الخاص بها، إذ هددت واشنطن بتعليق شراكتها الاقتصادية والأمنية بعد أقل من 15 دقيقة من الإعلان التلفزيوني من قِبل زعماء الانقلاب بأن الرئيس بازوم قد تم عزله. وفي اليوم نفسه، وصفت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك الانقلاب بأنه "ضربة مريرة" لسكان البلد بعد أن تحدثت هاتفيًا إلى نظيرها النيجيري حسومي مسعودو.
أوضحت "لوموند" أن سرعة الردود كانت متناسبة مع الموارد التي استثمرتها واشنطن وبرلين في النيجر، مثلما فعلت بلجيكا وإيطاليا.
فلدى الولايات المتحدة عدة قواعد عسكرية في هذا البلد الصحراوي، بما في ذلك واحدة في النيامي وواحدة في أغاديس في وسط البلاد، إذ نشرت طائرات بدون طيار ومعدات الأخرى.
ويتم نشر نحو 1000 جندي أمريكي بشكل رئيسي في النيامي، تقريبًا مثل عدد الجنود الفرنسيين الذين يبلغون نحو 1500 جندي، باستثناء القوات الخاصة.
بينما وجود برلين أقل لكنه يعكس قيمة النيجر في عيون الجيش الألماني الذي يتردد في الالتزام بالعمليات الخارجية.
تزايد الاستثمارات الغربية
ارتفعت الاستثمارات الغربية بشكل حاد خلال السنوات العشر الماضية، إذ بدأت الولايات المتحدة في جعل النيجر مركزًا إقليميًا بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، وانضمت إليها فيما بعد سلسلة من الشركاء الأجانب.
وقد أجبرت النيجر على ذلك استنادًا إلى التدهور المتزايد في المنطقة نتيجة لضغوط الجهاديين المتزايدة والانقلابات المجاورة في مالي عام 2020 وبوركينا فاسو في عام 2022.
أهمية الرئيس محمد بازوم
تلعب شخصية الرئيس محمد بازوم، الذي انتخب في عام 2020، دورًا مهمًا، فهو يعارض أساليب شركة فاجنر العسكرية الخاصة وقادة الانقلاب في الدول المجاورة، وكان يُعتبر قدوة للعديد من الزعماء الأوروبيين والأمريكيين.
وفي ديسمبر 2022، خلال القمة الأمريكية الإفريقية، تمت معاملته بالشرف في واشنطن، إذ جلس بجانب الرئيس جو بايدن في العشاء الرسمي.
تراجع التعاون
يمثل الانقلاب هذا الأسبوع تراجعًا كبيرًا لاستراتيجية التعاون التي وضعها الغرب في محاولته للتخفيف من الأزمة في منطقة الساحل. بعد الانقلابات الأخيرة في المنطقة، أصبحت الشركاء الأفارقة أقل أو أصبحوا أكثر عداءً وميلاً إلى التساؤل عن التدخل الغربي، لا سيما الفرنسي.
في نوفمبر 2022، علّقت باريس المساعدات لمالي انتقامًا من الحكومة العسكرية، وردت باماكو بحظر المنظمات غير الحكومية التي تمولها فرنسا.
ويبدو أن النيجر يقاوم الشعور المتزايد بالعداء تجاه فرنسا، وهو موافق على سمعة الخير التي اكتسبها خلال فترتي رئاسة محمدو إيسوفو وخلفه بازوم في عام 2021.
في عام 2017، أصبح النيجر واحدًا من المستفيدين الأوائل لاستراتيجية الأمنية الجديدة للاتحاد الأوروبي في منطقة الساحل الإفريقي، والتي تهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
تأثيره على مساعي الاتحاد الأوروبي
وأصبح النيجر مركزًا للتعاون الدولي في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، ويستضيف مقرًا لعمليات الاتحاد الأوروبي في المنطقة.
ومع ذلك، فإن الانقلاب النيجيري يثير مخاوف من أن تتدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة، وقد يؤدي إلى زيادة النشاط الإرهابي والجريمة المنظمة.
ويحتمل أيضًاً أن يؤثر الانقلاب على مساعي الاتحاد الأوروبي لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، خاصةً في ظل الخلافات الحالية بين الاتحاد الأوروبي وفرنسا بشأن السياسة الإفريقية.
وبالنظر إلى أهمية النيجر كشريك استراتيجي للغرب في إفريقيا، فإن العالم بأسره يشعر بالقلق إزاء الوضع في البلاد، ويترقب الأحداث المقبلة بحذر.