توقع المستثمرون رفع أسعار الفائدة مرة أخرى، خلال الفترة التي سبقت الاجتماع الأخير لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، أمس الثلاثاء، بنسبة 99%، وحقق صانعو السياسة هذه التوقعات، مع قرار الزيادة الـ11 في 12 اجتماعًا، ما جعل مسار أمريكا الاقتصادي الحالي هو الأكثر حدة في التشديد النقدي منذ أربعة عقود، ومع ذلك فإن الخطوات التالية للاحتياطي الفيدرالي يخيم عليها حالة من عدم اليقين، بحسب مجلة إيكونومست البريطانية.
انخفاض التضخم
وبحسب المجلة البريطانية، فإن بعض الاقتصاديين مقتنعون بأن هذا الارتفاع سيكون الأخير في هذه الدورة، إذ انخفض التضخم من أعلى مستوياته في عام 2022، مع ارتفاع أسعار المستهلكين بنسبة 3% فقط على أساس سنوي، يونيو الماضي، بعد أن كان معدل التضخم الأساسي، الذي يستبعد تكاليف الغذاء والطاقة المتقلبة، أكثر عنادًا بعض الشيء، لكنه بدأ في التراجع، في إشارة إلى تراجع ضغوط الأسعار الأساسية.
خفض سعر الفائدة
وتابعت المجلة البريطانية، أن التطورات الأخيرة تفتح الطريق أمام بنك الاحتياطي الفيدرالي للتراجع عن الاستمرار مستقبلًا في سياسة التشدد النقدي، وربما يوجه الاقتصاد الأمريكي إلى ما أسمته المجلة بـ"هبوط اقتصادي ناعم"، ودللت المجلة على ذلك بتوقع إيلين زينتنر، المديرة الإدارية وكبيرة الاقتصاديين الأمريكيين في بنك مورجان ستانلي، بـ"تعليق ممتد" لسياسة الاحتياطي الفيدرالي الحالية، ما ينذر بخفض سعر الفائدة، بداية العام المقبل.
التعافي من كوفيد وليس التشدد الاقتصادي
من جهة أخرى، يرى بعض الخبراء أنه لا توجد وسيلة للتأكد من تلك التوقعات الاقتصادية، فلقد خدع التضخم أكبر المتفائلين على مدى العامين الماضيين، وعلى سبيل المثال، إذا ارتفعت أسعار الطاقة، يمكن للمستهلكين والشركات مراجعة توقعاتهم للتضخم بسرعة، ما يدفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي لنحو زيادة أخرى في سعر الفائدة.
وإذا تسارعت وتيرة الانتعاش الأولى في أسواق العقارات، فسيؤدي ذلك أيضًا إلى إثارة المخاوف، كما يضيف النشاط السريع في سوق العمل مخاوف أخرى، لأن الارتفاع السريع في الأجور يغذي التضخم، ومن اللافت للنظر أن الإجراءات المشددة التي اتخذها بنك الاحتياطي الفيدرالي بالكاد أثرت على العمال الأمريكيين حتى الآن، فقد بلغ معدل البطالة اليوم 3.6%، وهو مطابق لمستواه في مارس 2022، عندما رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة للمرة الأولى في هذه الدورة، ومن المتوقع عادة أن تؤدي وتيرة التشدد الاقتصادي إلى ارتفاع معدلات البطالة، وبدلًا من ذلك يبدو أن التعافي من جائحة كوفيد -19، بما في ذلك زيادة عدد العمال الراغبين في العمل، قد خفف من معدلات التضخم.
آراء متعارضة داخل الاحتياطي الفيدرالي
تنعكس الآراء المتعارضة بين الاقتصاديين داخل الاحتياطي الفيدرالي نفسه، وعلى مدار العامين الماضيين، تحدث مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي بعبارات مماثلة عن خطر التضخم، وكان هناك شبه إجماع عندما يتعلق الأمر بتحرك أسعار الفائدة، ومع ذلك ظهرت الانقسامات على السطح في الأشهر الأخيرة، وأصبح كريستوفر والر، محافظ الاحتياطي الفيدرالي، يمثل الأصوات الأكثر تشددًا، وحذر هذا الشهر من أن البنك المركزي قد يواصل رفع أسعار الفائدة حتى يكون هناك تحسن مستدام في التضخم، رافضًا التفاؤل المفرط الناتج عن أرقام الأسعار الخاصة بشهر يونيو، وحذر من أن "نقطة بيانات واحدة لا تصنع اتجاهًا".
وفي الطرف الآخر، قال رافائيل بوستيك، رئيس فرع بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا، إنه حتى قبل الزيادة الأخيرة في أسعار الفائدة يمكن للبنك المركزي أن يتوقف عن رفع أسعار الفائدة، وقال في أواخر يونيو: إن هناك تضخمًا تدريجيًا سيستمر.
ويشبه ستيفن إنجلاندر كبير اقتصاديي بنك ستاندرد تشارترد، الاحتياطي الفيدرالي بمن يتننبأ بحالة الطقس، فهو يعتقد أن هناك فرصة بنسبة 30% لتساقط الأمطار، لكنه يستمر في تسليط الضوء على احتمالية الطقس الرطب.
مهمة أسهل وقرارات أخطر
وخلص تحليل المجلة البريطانية إلى أنه من الناحية العملية، من المؤكد أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيكون مرنًا ويتفاعل مع البيانات الاقتصادية، ويمكن أن ينظر إلى شمال الحدود الأمريكية، إذ أوقف بنك كندا دورة رفع أسعار الفائدة في يناير الماضي، معتقدًا أن التضخم قد بلغ ذروته، لكن في يونيو اضطر إلى استئناف سياسة التشدد، مع استمرار التضخم، وفي النهاية، لا توجد خيارات خالية من المخاطر لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، وما يُنظر إليه على أنه الخيار الأكثر تشاؤمًا، مثل إبقاء معدلات الفائدة ثابتة لبقية هذا العام، سيكون سياسة أكثر تطرفًا إذا استمر التضخم في التراجع، وعند حدوث مثل هذا السيناريو، ينبغي على محافظي البنوك المركزية الراغبين في الحفاظ على موقفهم الحالي من السياسة أن يفكروا في خفض أسعار الفائدة، فعندما كان التضخم مرتفعًا كانت مهمة بنك الاحتياطي الفيدرالي صعبة، لكن قراراته كانت واضحة تمامًا، ولم يكن لدى المسؤولين حقًا الكثير من الخيارات سوى رفع أسعار الفائدة، لكن من الآن فصاعدًا، تبدو مهمتهم أسهل ولكن قراراتهم أخطر.