يعقد الكنيست الإسرائيلي، اليوم الأحد، جلسة مداولات قبل التصويت على قانون التعديلات القضائية غدًا الاثنين، وفي نفس الوقت، بدأ متظاهرون بالتوافد باتجاه مقر الكنيست، للاحتجاج على التعديلات، التي يرون أنها تقوض سلطات المحكمة العليا لصالح الحكومة.
وشهدت إسرائيل، أمس السبت، احتجاجات ضخمة شارك فيها مئات الآلاف رفضا لهذه التعديلات، ليبقى السؤال: لماذا يصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تمرير تلك التعديلات، رغم الرفض الواسع لها؟
طرحت حكومة نتنياهو اليمينية المتشددة خطة التعديلات القضائية في يناير، بعد أيام قليلة من أداء اليمين.
تمكين الحكومة من تمرير التشريعات
وتشمل التعديلات القضائية التي يرغب ائتلاف نتنياهو بتمريرها 4 مجالات أساسية، أولها سلطة المحكمة العليا التي تشكل جوهر الخلاف في التعديلات المقترحة، إذ تعتبر المحكمة أحد الفاعلين الأساسيين في النظام السياسي الإسرائيلي، وذلك من خلال دورها في العمل على حفظ التوازن السياسي بين مؤسسات الدولة التشريعية والقضائية والتنفيذية.
منذ نشأتها عام 1948، لم تتفق الأحزاب الإسرائيلية على دستور للدولة، واستعاضت عن ذلك بقوانين الأساس التي تشكِّل أساس الحكم وتنظم العلاقة بين السلطات الحاكمة والمجتمع.
ويتمثل دور المحكمة العليا في حفظ التوازنات السياسية و"حماية الحقوق الأساسية" وهي تنظر في كل الاستئنافات والقضايا ضد سلطات الدولة أو الهيئات العامة، والأهم من ذلك، أنها تبُت في دستورية القوانين التي تصدرها الحكومة، ولديها الصلاحيات لإلغائها.
لذلك، فإن أحد الأهداف الأساسية للتعديل القضائي، هو تمكين الحكومة من تمرير التشريعات، سواءً التي أبطلتها المحكمة في السابق أو التي سوف تُمرر مستقبلًا، وذلك بموافقة أغلبية بسيطة من أعضاء الكنيست، أي 61 عضوًا من أصل 120 عضوًا.
ويعني هذا من الناحية العملية أن ميزان القوى سيميل لصالح السلطات التشريعية التي ستتمكن من سن القوانين، بما في ذلك قوانين الأساس، مع تقييد دور المحكمة أو أي رقابة قضائية.
نفوذ أكبر لأعضاء الكنيست
المجال الثاني للتعديلات، يتعلق بتركيبة المحكمة العليا، إذ تشمل خطة "إصلاح القضاء" منح أعضاء الكنيست نفوذًا أوسع في لجنة تعيين قضاة المحكمة، وذلك بهدف منح السلطات السياسية دورًا محوريّا في اختيار أعضاء اللجنة، وهو ما سيسمح للحكومة الحالية -في حال استمرت لأربع سنوات- حق تعيين أربعة قضاة جدد مكان الأربعة الذين سيتقاعدون خلال السنوات الثلاث المقبلة.
وأقر الكنيست، في 21 مارس الماضي، أول قراءة من ثلاث قراءات لمشروع قانون يهدف إلى توزيع السلطة في لجنة اختيار القضاة، وهو ما سينهي التوازن الحالي الذي يتطلب اتفاقًا بين الممثلين السياسيين والمهنيين، ويُمكّن السياسيين في الائتلاف من السيطرة على التعيينات.
حماية نتنياهو وحلفائه
أما المجال الثالث للتعديلات، فيتعلق بحماية نتنياهو وحلفائه، حيث يعمل الائتلاف الحاكم على مساعدة نتنياهو وزعيم حزب "شاس"، المتحالف معه، آرييه درعي، في مشكلاتهم القانونية وقضايا الفساد والاحتيال التي تلاحقهم، وذلك بسن قوانين تمنع تنحية رئيس الوزراء من منصبه، وتضع طريقتين فقط لفعل ذلك: إما أن يقوم رئيس الوزراء بإبلاغ الكنيست بأنه سيتنحى من منصبه، وإما أن الحكومة تنحي رئيس الوزراء بأغلبية ثلاثة أرباع وزرائها، ثم يتم تأييد هذا القرار بأغلبية 90 عضوًا في الكنيست.
وبالصورة نفسها، يسعى الائتلاف إلى إعادة "درعي" الذي أبطلت المحكمة العليا تعيينه في 18 يناير 2023، وزيرًا للداخلية والصحة، مشيرة إلى أنه أُدين بتهرب ضريبي، وهو ما دفع نتنياهو لإقالته من منصبه، منتقدًا قرار المحكمة التي اتهمها بتجاهل "إرادة الشعب".
وأيضًا، يعمل الائتلاف الحاكم، الذي يدعم أعضاؤه "درعي" بشدة وتعهدوا بمعارضة الحكم، على إعادته للحكومة، وذلك عن طريق سن تشريع جديد لهذا الغرض أُقِرّ بالقراءة الأولى.
تقويض سلطة المستشارين القانونيين
وأخيرًا، هناك المستشارون القانونيون، الذين يسعى الائتلاف الحاكم إلى الحد من صلاحياتهم وتأثيرهم داخل الوزارات. في العادة، يستشهد قضاة المحكمة العليا بتوصيات هؤلاء المستشارين عندما ينظرون في حسن سير الحكومة. وستجعل التعديلات التشريعية المرتقبة توصياتهم "نصائح غير ملزمة"، وذلك بهدف إضعاف سلطة كبار موظفي الدولة.
وجاءت خطة التعديلات في وقت يدفع فيه نتنياهو ببراءته في قضية فساد قائمة منذ فترة طويلة، وترى المعارضة أن خطة التعديلات تهدف إلى التأثير على سير محاكمة نتنياهو، وتجنب الملاحقة القضائية للفساد داخل الحكومة، وهو ما يعمل الائتلاف الحاكم على تمريره من خلال عدد من مشروعات قوانين تهدف إلى حماية نتنياهو وإعادة درعي وزيرًا بالائتلاف الحاكم.
قطاعات واسعة تعارض التعديلات
ويتشكل التكتل المعارض للتعديلات القضائية من أحزاب "يش عتيد" (هناك مستقبل) برئاسة يائير لبيد، والمعسكر الوطني برئاسة بيني جانتس وجدعون ساعر، و"إسرائيل بيتنا" برئاسة ليبرمان، وحزب العمل بزعامة ميراف ميخائيلي. وترفض هذه الأحزاب حتى الآن أي تسوية أو مفاوضات تتضمن تغييرات جوهرية في القضاء ودوره.
كما تعارض التعديلات القضائية قطاعات واسعة من المجتمع الإسرائيلي، تشمل الجيش، والمجتمع المدني، والاقتصاد، ورأس المال.
وعبَّر المئات من قوات الاحتياط، وخاصة من وحدات النخبة والعمليات الخاصة، والمخابرات العسكرية، ووحدات الحرب الإلكترونية، والطيران العسكري؛ عن موقفهم الرافض للخدمة في حال أُقِرّت التعديلات.
وطالب وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت، بوقف التصويت على التعديلات القضائية. وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إنه في حال تم تمرير القانون فسيكون هناك ضرر حقيقي على كفاءة الجيش خلال 48 ساعة، كما طلب رئيس أركان الجيش لقاء نتنياهو لمناقشة أزمة امتناع الآلاف من جنود الاحتياط عن الخدمة.
معارضة من الطبقة الرأسمالية
وأشعلت التعديلات القضائية، أيضًا، معارضة من الطبقة الرأسمالية التي تطالب بفصل السلطات بوصفه أساسًا للديمقراطية الرأسمالية، بحيث لا يمكن لفرد واحد أو مجموعة من الأفراد الاستحواذ على الحكم لصالحهم، حيث يتخوف هذا القطاع من سيطرة نتنياهو وحلفائه على الدولة ومؤسساتها، وهو ما يعدونه إضرارًا بمركز إسرائيل في جلب الاستثمارات، ويسهم في هروب رؤوس الأموال والأدمغة المحلية، ويلحق ضررًا طويل الأمد بالنمو الاقتصادى.
في المقابل، طلب الائتلاف الحاكم من أعضائه الاستعداد والجاهزية وأن يكونوا على مسافة قريبة من الكنيست، بدءًا من ظهر الأحد لضمان الوصول إليه.
سيناريوهات الصراع الداخلى الإسرائيلي
ولا تزال نتيجة الصراع الإسرائيلي الداخلي حول التعديلات القضائية في طور التشكل، ويمكن أن تتطور بعدد من الطرق المختلفة. ومع ذلك، هناك العديد من السيناريوهات المحتملة التي قد توجه مسار الأزمة.
السيناريو الأول هو نجاح الائتلاف الحاكم في تمرير التعديلات المقترحة رغم المعارضة الشعبية، ويبدو هذا السيناريو هو الأرجح في نهاية المطاف.
السيناريو الثاني هو فشل الائتلاف الحاكم في تمرير الإصلاحات المقترحة، وفي هذه الحالة سوف يُنظر إلى الأمر باعتباره انتصارًا للمعارضة، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تفكك الائتلاف الحاكم.
ويبقى السيناريو الأخير هو التوصل إلى حل وسط يتضمن ضمانات لاستقلال القضاء، رغم أن الحكومة أو المعارضة لم يُظهِرَا حتى الآن استعدادًا للتفاوض.