حادث جديد ينضم إلى عشرات الحوادث الأخرى، أودى بحياة 16 شخصًا بينهم نساء وأطفال في جنوب إفريقيا، الخميس، والسبب تسرب غاز سام في أحد الأحياء العشوائية، في واقعة جديدة مرتبطة بأنشطة تعدين غير شرعية، في البلد الذي يعد معقلًا لآلاف من عمال المناجم غير الشرعيين أو ما يطلق عليهم "زاما زاماس".
ومصطلح "زاما زاماس" يعني بلغة الزولو "الذين يسعون للحصول على شيء من لا شيء"، ويطلق على الأشخاص الذين ينخرطون في عمليات استخراج المعادن كالذهب والألماس، بطريقة غير قانونية "محفوفة بالمخاطر"، ينقصها وسائل الوقاية وحماية العاملين بها.
مخاطرة بالحياة
ثروة جنوب إفريقيا الهائلة من المعادن، مثل الذهب والبلاتين، هي ما يسعى إليه الـ"زاما زاماس"، إذ يخاطرون بحياتهم على أمل العثور على تلك المعادن بهدف تغيير حياتهم للأفضل.
وتنشط مجموعات "زاما زاماس"، في المناجم التي تركتها شركات التعدين، وأخرى مهجورة، ومعظمهم في الأساس عمال مناجم سابقين، وأفراد فقدوا وظائفهم، وتتوجه أصابع الاتهام إلى شبكات أكثر تنظيمًا تحرك هؤلاء الأفراد.
كثير من أولئك الذين يطلق عليهم "زاما زاماس"، مهاجرون غير شرعيين في الأساس، فروا من بلادهم، وآلت بهم الأمور ليعملوا في التعدين غير الشرعي بجنوب إفريقيا.
6 آلاف منجم مهجور
الرابطة الوطنية لعمال المناجم المستقلين "NAAM" تقول إن جنوب إفريقيا بها نحو 6 آلاف منجم مهجور، يموت فيها عشرات العمال غير القانونيين، جراء الانهيارات أو الانفجارات فيها.
التنقيب عن الفحم
بونجينكوسي، هو أحد "زاما زاماس" الذين يعملون في مناجم الفحم، يقول: "عندما تنزل لا تعرف أبدًا إن كنت ستعود مرة أخرى"، بحسب حديثه مع وكالة "فرانس برس"، ورغم ذلك لا يتقاضى سوى 500 راند مقابل الطن الواحد (أكثر بقليل عن 26 دولارًا).
أما إدي مالاجا، فيقول إن التلوث الناتج عن الفحم، لا يؤذيه بقدر "الجوع"، مضيفًا: "نأسف للجيل القادم لكننا نعاني اليوم".
بحسب تقارير منشورة في 2021، تحصل جنوب إفريقيا على 80% من الكهرباء من الفحم، ووفقًا لمنظمة العمل الأرضي غير الحكومة في جنوب إفريقيا، كشفت أن محطات توليد الطاقة القديمة التي تعمل بالفحم، مسؤولة عن أكثر من ألفي حالة وفاة سنويًا، بسبب أمراض القلب والتهابات الجهاز التنفسي والسرطان.
التعدين عن الذهب
شبكة Eyewitness News، كشفت تفاصيل مهمة في تقريرها عن تنقيب الـ"زاما زاماس" عن الذهب، وكيف يتم بيعه بعد الحصول عليه، مشيرة إلى أن غالبية العمال من جنسيات "ليسوتو وزيمبابوي وموزمبيق"، وأن العامل يكسب ما بين ألف إلى 5 آلاف راند في اليوم (بين 52 إلى 261 دولارًا)، اعتمادًا على كمية الذهب التي يحصل عليها.
بعد ذلك، غالبًا ما يكون المشترون من شعب الـ"شونا" في زيمبابوي، وغالبًا ما يكون مقرهم في العاصمة الجنوب إفريقية جوهانسبرج، ولكن لديهم روابط في جميع أنحاء العالم، ويقومون بتسويقه عبر السوق السوداء العالمية.
فيلم وثائقي بعنوان "vice"، عن التعدين غير القانوني، نقل عن أحد رؤساء "زاما زاماس" قوله: "هذا عمل تجاري، هذه لعبة"، مؤكدًا إن هناك 5 من كبار الرؤساء يمكنهم جني نحو 20 مليون راند، يتشاركونها فيما بينهم، وأنهم يقومون برشوة ضباط الشرطة الفاسدين للابتعاد عنهم، وأن لهم رواتب مدرجة في كشوف شهرية.
خسائر بالمليارات
وكشف تقرير صادر عن ENACT -مشروع تابع لمعهد الدراسات الأمنية والإنتربول والمبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود- في 2019، أن نحو 30 ألف شخص يعملون في آلاف المناجم المهجورة، ويتسببون في خسائر مالية كبيرة ومتاعب أمنية للشركات، وتبلغ الخسائر مليارات الراندات من عائدات الضرائب، كما أنهم يهددون البنية التحتية والسلامة العامة.
وبحسب التقرير، يقدر مجلس المعادن بجنوب إفريقيا، المبيعات الضائعة والضرائب، بنحو 21 مليار راند سنويًا، وتشير أبحاث ENACT إلى أن "زاما زاماس"، يستخرجون ما تتجاوز قيمته 14 مليار راند سنويًا، وهي واحدة من أكبر مصادر الذهب غير المشروعة في القارة السمراء، ويتم تصدير معظمها.
وتحدث التقرير عن ضرورة أن تركز الحكومة في جنوب إفريقيا، على نظام شراء الذهب، والسيطرة على السوق غير المشروعة، لتكون خطوة نحو إضفاء الطابع الرسمي على نشاط "زاما زاماس"، في سلسلة التورية، وإعطائهم قيمة الذهب الحقيقية، وبالتالي تحفيزهم على العمل في إطار رسمي وقانوني.
منافسة قاتلة
كشف تقرير لشبكة "سي إن إن"، عن التهديد الذي يأتي من عصابات "زاما زاماس" المتنافسة، وأنهم ربما يقتلون عمال المناجم في أعماق الأرض، للحصول على كيس من الصخور الحاملة للذهب، ففي عام 2014 قامت عصابة منافسة بسرقة الذهب وحبس ما يصل إلى مائتي فرد من "زاما زاماس"، من خلال إغلاق مخارج منجم غير قانوني، ورغم نجاح رجال الإنقاذ في إنقاذ البعض، ماتت أعداد لا توصف.
رئيس جنوب إفريقيا
في تصريحات العام الماضي، قال سيريل رامافوزا رئيس جنوب إفريقيا، إنه يركز على التخلص من التعدين غير القانوني في البلاد، مشددًا على أنه يتخذ إجراءات ضد هذه الجريمة، في محاولة لطمأنة السكان، بعد عملية اغتصاب جماعي لـ8 نساء في كروجرسدورب.
وما تزال الـ "زاما زاماس"، تنشط في قطاع التعدين غير الشرعي في جنوب إفريقيا، حتى الآن.