في ظل تحديات اقتصادية وسياسية هائلة يواجهها العالم، يشهد البحر المتوسط منطقة تدفق كبير للمهاجرين غير الشرعيين الذين يسعون للوصول إلى الأراضي الأوروبية، ورغم أن هذا السعي يترافق مع مخاطر جسيمة تتمثل في قوارب الموت التي تصطف على طول سواحل المتوسط، وتحمل في جوفها أحلام وآمال الراغبين في الهجرة، إلا أن هؤلاء المهاجرين مستمرون في محاولاتهم للهروب من الفقر والحروب في بلدانهم، ويأملون في بناء حياة أفضل وفرصة للعيش في أوروبا.
غرق 39 شخصا
اليوم، ذكر تقرير لمنظمة "ووكينج بوردرز"، المعنية بقضايا الهجرة، يفيد بغرق حوالي 39 مهاجرًا كانوا على متن زورق في طريقهم إلى جزر الكناري الإسبانية، ووفقًا لمصدر في خدمة الإنقاذ البحري الإسبانية، فقد تم إنقاذ 24 شخصًا وتأكيد وفاة طفل واحد، في عملية إنقاذ قامت بها فرق مغربية على بعد نحو 141 كيلومترًا جنوب شرق جزيرة "جران كاناريا".
من جانبها، قالت منظمتي "ووكينج بوردرز" و"ألارم فون" غير الحكوميتين وجود 59 شخصًا على متن الزورق، وتباينت تصريحاتهما حول عدد الضحايا المحتملين، حيث أشارت "ووكينج بوردرز" إلى غرق 39 شخصًا، في حين أكدت "ألارم فون" وجود 35 شخصًا في عداد مفقودين، ويأتي هذا الحادث بعد أسبوع واحد فقط من واحدة من أكبر كوارث الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط في التاريخ الحديث، حيث غرقت سفينة كانت في طريقها إلى إيطاليا قادمة من ليبيا وعلى متنها 750 شخصًا، ونجا منهم فقط 104، وتم انتشال جثث 81 شخصًا من قبل السلطات اليونانية حتى الآن.
وترى فيديريكا سايني فاسانوتي زميلة برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكينجز، أن دول شمال وجنوب أوروبا تحاول إيجاد أرضية مشتركة بشأن تصاعد ضغوط الهجرة من إفريقيا، مما يخاطر بعواقب سياسية واقتصادية، ففي يناير 2009، اجتمع وزراء خارجية اليونان وإيطاليا ومالطا وقبرص في روما لمناقشة الهجرة غير النظامية في البحر الأبيض المتوسط، وكانت النتيجة وثيقة مطولة تدعو إلى مزيد من العمل الأوروبي المنسق بشأن تدفقات الهجرة غير النظامية وشبكات التهريب التي تقف وراءها، بينما كان المجلس الأوروبي قد تبنى بالفعل "الميثاق الأوروبي بشأن الهجرة واللجوء" في أكتوبر 2008، لكن التأثير العملي لم تكن كبيرة.
معاهدة دبلن
وتابعت "فاسانوتي "، في مقال لها بموقع مركز "جي آي إس" أنه منذ ذلك الحين، اشتدت أزمة المهاجرين عام 2015، حيث هبط أكثر من مليون مهاجر على الشواطئ الأوروبية، ما تسبب في أزمة سياسية واجتماعية غير مسبوقة، وقانونًا، تم توقيع معاهدة دبلن في عام 1990، وتم تعديلها في عام 2003 و 2013، لكن مبدأها الأساسي استمر، وهو أن المكان الذي يصل إليه المهاجر أولاً هو ما يحكم قضايا الاستقبال وطلبات اللجوء، لكن ذلك سبب آثارًا سلبية للبلدين الأكثر تضررًا من عمليات الهجرة، وهما إيطاليا واليونان.
دول الوصول الأولى
وأوضحت "فاسانوتي" أنه بالإضافة إلى ذلك، أدى الحظر المفروض على حركة طالبي اللجوء داخل الاتحاد الأوروبي، إلى عودة العديد من المهاجرين إلى "دول الوصول الأولى" من قبل دول مثل ألمانيا وفرنسا والنمسا، وفي عام 2019، على سبيل المثال، شهدت إيطاليا عودة طالبي اللجوء إلى دول أوروبية أخرى أكثر من عمليات الإنزال على شواطئها، ووفقًا للسلطات الألمانية، في عام 2018 وحده، كان هناك حوالي 35 ألفا و375 حالة معروفة لمهاجرين قدموا إلى ألمانيا بعد وصولهم إلى دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، وتغادر عدة طائرات الأراضي الألمانية كل شهر لإعادة هؤلاء المهاجرين، إلى إيطاليا بشكل أساسي.
إيطاليا
بعد ذلك، في 23 سبتمبر 2019، اجتمع وزراء داخلية مالطا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا في فاليتا للتوقيع على اتفاقيات مالطا لإعادة توزيع المهاجرين الذين يصلون عن طريق البحر، وواجهت الاتفاقات، انتقادات كبيرة، فعلى سبيل المثال، ظل عبء الاستقبال الأول لإيطاليا دون تغيير، ومن بين حوالي 53 ألف مهاجر وصلوا بين أكتوبر 2019 ومايو 2021، تم نقل حوالي 990 فقط إلى دول أوروبية أخرى، أي أقل من 2٪ من الإجمالي، كما أن تسعة من كل 10 من المهاجرين الذين تم إنقاذهم في البحر الأبيض المتوسط ما زالوا في إيطاليا.
وقالت فاسانوتي إن الإحصائيات تظهر أن المهاجرين، ربما لأسباب اقتصادية، يتمكنون من العثور على وظيفة بنسبة 80٪، في حين أن 30٪ فقط من اللاجئين أو أولئك الذين يسعون إلى لم شمل الأسرة ينجحون في غضون السنوات الخمس الأولى من وصولهم، كما أن قنوات الهجرة النظامية قد تقلصت لأسباب مختلفة، في حين زادت القنوات غير النظامية.