أطلقت المفوضية الأوروبية استراتيجية جديدة للأمن الاقتصادي بنودها استهداف مواجهة المخاطر الأمنية والاقتصادية التي تهدد دول الاتحاد الأوروبي، ما يقود لاحتمالية استعداد أوروبا لأن تصبح قطبًا عالميًا ثالثًا.
بحسب إيهاب عمر، الكاتب الصحفي بـ"الأهرام" المصرية، فإن الاستراتيجية الأوروبية بمثابة حظر ناعم لفكرة تصدير التكنولوجيا الرقمية والاتصالات والذكاء الصناعي إلى روسيا والصين.
وأضاف "نافع" لـ"القاهرة الإخبارية" أن استراتيجية المفوضية تأتي كنوع من الحظر، بفكرة أن تقوم الشركات التي لديها مثل هذه النوعية من التكنولوجيا بعمل مقار داخل الدولتين السابق ذكرهما، وهذا يعود لأن الثورة الرابعة هي ثورة رقمية، وبالتالي الاتحاد الأوروبي بدأ في تأمين نفسه في هذا الملف بألا تذهب هذه التكنولوجيا إلى موسكو وبكين.
وذكر الكاتب الصحفي، أن هذه الخطوة أتت متأخرة بعض الشيء، خاصة أن الصين تحديدًا قطعت أشواطًا هائلة في الاستحواذ على هذه التكنولوجيا وابتكارها، وكذلك الدولة الروسية، وكلاهما دخلا أدوات العولمة للاستحواذ على مصادر هذه المعلومات.
وأوضح أن الاتحاد الأوروبي يقدم أوراق اعتماده للعالم بهذه الاستراتيجية بحيث يكون قطبًا بديلًا عن الولايات المتحدة في مرحلة مستقبلية، وتحديدا بعد رصد تخلى بعض الدول عن الدولار كعملة رسمية لحركة التجارة العالمية، وبات اليورو يأخذ مكانه كعملة بديلة قادرة على سد الفراغ الذي خلّفته العملة الأمريكية.
وأشار إلى أن العالم أدرك أن الولايات المتحدة تلعب بشكل خطير برفع الفائدة، وأن ما حدث بالبنك الفيدرالي الأمريكي وأزمة انهيار البنوك الأمريكية خير دليل، وكل هذا جعل العالم يبحث عن بديل للدولار، لذا يقدم الاتحاد نفسه كبديل سياسي واقتصادي.
استراتيجية أوروبا تحقيق للأمن والاستغناء عن بكين وموسكو
ومن فرنسا يقول مجيد بودن، أستاذ القانون الدولي، إن الاستراتيجية جاءت بعد ما أدرك الاتحاد الأوروبي خطورة استحواذ دول بعينها على الإنتاج، وهو ما حدث في الصين عندما استحوذت بكين على تصنيع الكمامات أثناء جائحة كورونا، وفي المقابل لم تتمكن الدول من تصنيع الأدوات الوقائية التي كانت بأكملها في أيدي بكين.
وأوضح بودن لـ"القاهرة الإخبارية" أن الاتحاد الأوروبي أدرك الخلل في العلاقة، وأنه يجب إعادة بناء تلك العلاقة على أساس أن تكون أوروبا وأمريكا في استقلال تام عن الصين، وبالتالي مثلت سلسلة الإمدادات أزمة أساسية وكان لابد من حلها.
وأضاف أستاذ القانون الدولي، أن أوروبا وأمريكا يتفقان على المبادئ التي يحكمها القانون الدولي وليس القوة والعنف على عكس الصين وروسيا، وأن الاتحاد الأوروبي وضع استراتيجية جديدة كنوع من الحذر كي لا تعاد السياسات الماضية التي جعلت أوروبا سجينة إلى حد ما عندما وقعت الأزمة الروسية الأوكرانية، واستحوذت روسيا على البترول والغاز الخاص بها.
أوروبا لن تتمكن من تجاوز التنين الصيني اقتصاديًا
ويقول أبو بكر باذيب، الباحث في الشؤون الاستراتيجية، إن أوروبا تحاول التخفيف من الاعتماد على التنين الصيني، وتحاول سحب كثير من الصناعات، أو الإمدادات الخاصة بالصناعات السيادية، إذا صح التعبير أو الصناعات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، والجيل السادس من الاتصالات والصناعات الأخرى أيضًا.
وأضاف لـ"القاهرة الإخبارية"، أن أي طرف في العالم حاليًا يحاول أن يقصي طرفًا آخر أو يحاول أن يتجاوزه، أصبح ذلك من الصعوبة بمكان، خصوصًا دولة بحجم الصين، باقتصاد يتجاوز 20% من اقتصاد العالم.
ولفت إلى أن تجاوز الصين اليوم أصبح صعبًا للغاية، وأن أوروبا تحاول أن تخفف من هذا الاعتماد، وتحاول إعادة توطين بعض الصناعات السيادية المهمة.
وأوضح أن أوروبا أيضا تحاول قدر الإمكان أن تضع لها قدمًا في منظومة القطبية الجديدة في العالم على المستوى الاقتصادي وعلى المستوى السياسي، فيما يتعلق بالحفاظ على القانون الدولي والحفاظ على السوق الحرة وعدم تجاوز كثير من الأيدولوجيات الاقتصادية والسياسية التي تم الترويج لها خلال العقود الماضية كلها.
أوروبا قادرة على تعزيز قدراتها العسكرية والتكنولوجية
كما يقول الدكتور عبداللطيف الدرويش، أستاذ الاقتصاد، إن أوروبا قادرة على تعزيز قدرتها العسكرية والتكنولوجية، وأيضا ضمان أمنها الاقتصادي، في توقيت يستمر فيه الدعم العسكري أوكرانيا وتعاني من أزمات اقتصادية.
وأضاف لـ"القاهرة الإخبارية"، أن هناك تنسيقًا في الموقف الأوروبي، وهذا نجاح، حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية تحاول أن تلعب بالاتحاد الأوروبي، حتى يصبح الموقف الأوروبي هو نفس الموقف الأمريكي بشأن الغاز.
وذكر أن على أوروبا أن تحترم القانون الدولي، لأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تحترم القانون الدولي في التدخلات العسكرية، وتجرجر أوروبا وراءها كما حدث في العراق، وحين قررت الانسحاب من أفغانستان لم تعلم أحدًا.
وشدد على أنه يجب على الاتحاد الأوروبي أن يسعى لأن تكون له سياسة موحدة تحسن من أدائها على الصعيد العالمي سياسيًا واقتصاديًا وتنافسيًا مع الصين ومع الولايات المتحدة الأمريكية، وينتهج سياسة مستقلة للمصالح الأوروبية.