فقدت إيطاليا رئيس وزرائها السابق سيلفيو برلسكوني، الذي توفي، اليوم الاثنين، عن عمر يناهز 86 عامًا بعد صراع مع مرض السرطان.
وتمثل وفاة برلسكونى نهاية مسيرة سياسية استمرت ثلاثين عامًا تميزت كلها بالجدل والخلافات والقضايا القانونية.
وشغل برلسكوني منصب رئيس الوزراء في إيطاليا 4 مرات منذ عام 1990، وسط تأثيره القوي على الحياة العامة من خلال إمبراطوريته في وسائل الإعلام والرياضة.
وتم استبعاده من مجلس الشيوخ الإيطالى في نوفمبر 2013 بعد إدانته بتهمة التهرب الضريبي، وتم منعه من المشاركة في الانتخابات البرلمانية لمدة ست سنوات. ومع ذلك، تم انتخابه فى البرلمان الأوروبي في عام 2019.
حياته المهنية
ولد برلسكونى في 29 سبتمبر 1936. وبدأ حياته المهنية ببيع المكانس الكهربائية، كما اشتهر بالغناء في الملاهي الليلية وعلى متن السفن السياحية.
تخرج في كلية الحقوق عام 1961 ثم أسس شركة اديلنورد للإنشاءات، واشتهر كمتعهد لبناء المساكن في مسقط رأسه بمدينة ميلانو.
وبعد عشر سنوات، أسس شركة محلية لتجهيزات القنوات التلفزيونية، تحولت فيما بعد إلى أكبر إمبراطورية إعلامية في ايطاليا، التي باتت تعرف باسم "ميدياست".
وتجمع الشركة القابضة الضخمة الخاصة به تحت مظلتها "ميدياست" وأكبر دار نشر في ايطاليا وجريدة يومية ونادي ميلانو، فضلًا عن عشرات الشركات الأخرى.
وتسيطر شركته الاستثمارية على أكبر ثلاث محطات تلفزيونية خاصة في البلاد، فضلًا عن أنه كرئيس للوزراء كان مسؤولًا عن تعيين مديري القنوات العامة الثلاث في البلاد.
قضية "روبى"
فى 2017، وجّه القضاء الإيطالى لبرلسكونى، تهمتي الرشوة والتلاعب بشهادات الشهود في القضية المتعلقة بحفلات "البونجا بونجا" الجنسية التي كان يقيمها.
واتهم رئيس الحكومة الإيطالية السابق بدفع مبلغ يتجاوز 10 ملايين يورو على هيئة نقود وسيارات وهدايا ونفقات إقامة لضيوف في مسكنه القريب من ميلانو، وذلك من أجل الشهادة لصالحه في القضية المعروفة بقضية "روبي".
وكان أساس هذه التهم هي المحاكمة التي خضع لها برلسكوني بتهمة دفع المال مقابل ممارسة الجنس مع فتيات شابات، كانت أشهرهن راقصة تدعى "روبي سارقة القلوب" لم تكد تبلغ آنذاك سن الـ18.
وأدين برلسكوني في تلك المحاكمة وحُكم عليه بالسجن لمدة 7 سنوات بتهمتي استغلال السلطة وإغواء القاصرات.
لكن أخليت ساحته في عام 2015، بعد استئنافه الحكم، إذ قال القاضي آنذاك إن برلسكوني لم يكن بمقدوره أن يعلم أن "روبي سارقة القلوب" كانت قاصرًا.
واعتقدت النيابة آنذاك، أن برلسكوني اشترى صمت الشهود، لكن رئيس الحكومة السابق يقول إن الهدايا الباذخة التي قدمها لم تكن سوى تعبير عن كرمه، ويصر محاموه أن لديهم "نحو 80 شاهدًا" مستعدون للإشادة "بكرمه غير المرتبط بأي غرض".
ونجح برلسكوني في تجنب العديد من التهم الجنائية التي وجهت له عبر السنين، ولم تتم إدانته الا في قضية تزوير ضريبي تجاري طرد على أثرها من البرلمان. لكنه ظل يتزعم حزبه "فورزا إيطاليا".
الاحتيال الضريبي
كان مجلس الشيوخ الإيطالي صوّت بطرد برلسكوني من البرلمان، عقب إدانته بالاحتيال الضريبي عام 2011، وحُكم عليه القيام بعمل مجاني في خدمة المجتمع لمدة عام، إضافة إلى الإقامة الجبرية.
وشهدت الحياة السياسية الحافلة لبرلسكوني إخفاقات ونجاحات وانتقادات من المعارضة ومن الإيطاليين، لكنه في كل مرة كان يعرف كيف يقنع الناخبين بأن الآخرين هم المشكلة وأنه هو الحل.
وفي عام 1993، أسس برلسكوني حزبًا سياسيًا حمل اسم "فورزا ايطاليا"، الذي يعني "إلى الأمام يا إيطاليا"، وهو شعار اعتاد مشجعو فريق ميلانو ترديده.
وخسر برلسكونى الانتخابات عام 1996 أمام منافسه اليساري رومانو برودي، لكنه عاد إلى السلطة في عام 2001 في ائتلاف مع حلفائه السابقين.
وبعد عشر سنوات، هي الفترة الأطول التي يتولى فيها شخص رئاسة الحكومة في ايطاليا منذ الحرب العالمية الثانية، خسر مجددًا أمام برودي.
وعاد برلسكوني إلى السلطة مجددًا في عام 2008 لكن حالة عدم اليقين السياسي التي كانت أحاطت به ظلت قائمة، إذ قال مرارًا إنه ضحية السلطات القانونية في مسقط رأسه بمدينة ميلانو، بعد ما واجه اتهامات بالاختلاس والتهرب الضريبي وتقديم معلومات محاسبية غير صحيحة ومحاولة رشوة قاض.
2500 مرة أمام القضاء
في عام 2009، قال برلسكوني على وجه التقدير إنه على مدار 20 عامًا مثل أمام القضاء 2500 مرة في 106 قضايا بتكلفة 200 مليون يورو.
ومررت حكومته تعديلات قانونية تضيق نطاق الاحتيال، لكن المحكمة الدستورية ألغت في عام 2010 بعض بنود قانون يمنح حصانة مؤقتة لبرلسكوني ووزراء آخرين.
وخلال تاريخه السياسي، نجا برلسكوني من نحو 50 اقتراعًا لسحب الثقة منه في البرلمان.
وتجدر الإشارة إلى أن حزب برلسكونى السياسي، "فورزا إيطاليا"، شريك في ائتلاف رئيسة الوزراء الحالية جورجيا ميلوني اليمينية التي تولت السلطة العام الماضي، إلا أن برلسكوني لم يتول أي منصب في حكومتها.