انعكاسات لقائي "بيلوسي" و "بايدن" مع "السيسي" على مستقبل العلاقات المصرية-الأمريكية

  • مشاركة :
post-title
الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره الأمريكي جو بايدن

القاهرة الإخبارية - محمود جمال

تُعيد زيارات الرئيس الأمريكي "جون بايدن"، ورئيسة مجلس النواب "نانسي بيلوسي" لمصر، مشاركين في قمة المناخ "Cop 27" التي تستضيفها مدينة شرم الشيخ، الأهمية للعلاقات المصرية الأمريكية، باعتبارها نموذجًا للتعاون الاستراتيجي، لا سيما في ظل الظروف الراهنة، سواء تلك التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط التي تشهد حالة من غياب الاستقرار السياسي، وانتشار العنف والتنظيمات الراديكالية، أو حتى على مستوى العالم الذي يشهد مزيدًا من التهديدات الاقتصادية والأمنية التي وصلت لحد التلويح باستخدام الأسلحة النووية.

في هذا السياق، تحتفل كل من القاهرة وواشنطن بمرور قرن على علاقاتهما الدبلوماسية، وقد كانت رحلة القرن زاخرة بجهود التعاون في العديد من الملفات أبرزها؛ مكافحة الإرهاب، تحقيق السلام، استقرار إقليم الشرق الأوسط، ضمان أمن منطقة الخليج العربي، وضمان حرية تدفق الطاقة والتجارة العالمية عبر ممر قناة السويس العالمي.

وعلى ما سبق، يتطرق هذا التحليل لمحددات العلاقات المصرية الأمريكية، وانعكاس لقاءات الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" بكلٍ من "بيلوسي"، و"بايدن" على هامش مشاركتهما في قمة المناخ بشرم الشيخ.

محددات كاشفة:

ترى التحليلات أن العلاقات المصرية الأمريكية، بمثابة علاقة بين قوة عظمى وقوة طامحة تعمل على استغلال أدوات قوتها التقليدية لتحقيق مكاسب استراتيجية. ونعرض فيما يلي أبرز محددات العلاقات المصرية الأمريكية في الفترة المقبلة، وذلك على النحو التالي:

(*) تحقيق السلام في المنطقة: تُعوّل واشنطن على دور القاهرة التاريخي في الملف الفلسطيني، باعتبارها من أوائل الدول العربية التي فتحت مجالًا للسلام مع تل أبيب، بزيارة الرئيس المصري الراحل "محمد أنور السادات" عام 1977. في هذا السياق، لا تزال القاهرة تمتلك مفاتيح الحل لأي تصعيدٍ عسكري بين حركات المقاومة في قطاع غزة من ناحية، وإسرائيل من الناحية الأخرى، وهو ما ظهر في العديد من المواجهات بين الطرفين، والتي كان أهمها معركة "سيف القدس" 2021 التي تدخلت فيها القاهرة بقوة، ونجحت في وقف الحرب وضمان بدء مرحلة إعادة الإعمار ، إضافة إلى وساطتها في الإفراج عن العديد من الأسرى الفلسطينيين.

(*) مكافحة الإرهاب: تُمثل جهود مصر في مكافحة الإرهاب، فرصة ثمينة لتأكيد متانة العلاقات المصرية الأمريكية؛ حيث تُعوّل واشنطن على خطاب القاهرة الديني، لا سيما أن لديها مؤسسة الأزهر الشريف التي تُعد أكبر مؤسسة إسلامية سُنية. وبالتالي تلجأ واشنطن لصوت القاهرة وتوجهاتها في تحقيق التعايش السلمي، وتبني مبدأ الحوار والانفتاح على الآخر، وهو ما يتأكد بتطور العلاقات بين الأزهر والفاتيكان مؤخرًا، ودعوات شيخ الأزهر "أحمد الطيب" للمسلمين في الغرب بضرورة التعايش وتقبل الثقافات المختلفة.

(*) تحقيق الاستقرار: كانت القاهرة على الدوام مصدرًا لضمان الاستقرار في المنطقة. في هذا السياق، عبَّر مستشار الأمن القومي الأمريكي "جيك سوليفان" خلال لقائه بالرئيس المصري في سبتمبر 2021 عن تقدير الإدارة الأمريكية، للدور المحوري والمتزن الذي تلعبه القاهرة في منطقة الشرق الأوسط. تجدر الإشارة إلى أن القاهرة لم تقف يومًا ضد أي إجراء يضر باستقرار دول المنطقة، وكان تأكيدها الدائم في حالات ليبيا واليمن وسوريا ينّصب على توحيد المؤسسات، واستعادة هذه المؤسسات لدورها في تحقيق الأمن والاستقرار.

(*) أمن دول الخليج العربي: تهتم واشنطن بأمن منطقة الخليج العربي، منذ الحرب العالمية الثانية وتأكيد هيمنتها عالميًا بعد تراجع بريطانيا. ويأتي اهتمام واشنطن بمنطقة الخليج انطلاقًا من مساهمتها في ضمان أمن الطاقة العالمي وتدفق النفط. ولم تُغرّد الدولة المصرية بعيدًا عن هذه السياسة، بل اعتبرت دوائر السياسة الخارجية المصرية أن أمن القاهرة من أمن دول الخليج، وتأكد هذا المبدأ في حرب الخليج الثانية، ومساندة مصر لسياسات الدول الخليجية في مواجهة التهديدات الإيرانية.

(*) ضمان حركة التجارة العالمية: تُولي واشنطن أهمية كبرى لضمان استمرار حركة التجارة العالمية، وتعد مصر حلقة الوصل بين الشرق والغرب عبر شريان قناة السويس العالمي؛ إذ يمر بها 12 في المئة من حجم الاقتصاد العالمي، و22 في المئة من تجارة الحاويات، وفي مقدمتها الطاقة من نفط وغاز ووقود. وقد أدرك العالم الصناعي أهمية القناة في حركة التجارة العالمية بعد توقفها عن العمل لمدة ستة أيام متتالية خلال العام الجاري إثر جنوح السفينة "إيفرجيفن".

قوة التمثيل ودلالة التوقيت:

شهدت قمة المناخ (Cop 27) مشاركة فاعلة من الجانب الأمريكي؛ حيث حضر مبعوث الرئيس الأمريكي الخاص للمناخ "جون كيري" لفاعليات القمة منذ يومها الأول، ولحق به كل من "نانسي بيلوسي" رئيسة مجلس النواب، والرئيس الأمريكي "جو بايدن". ورغم أن هذا التمثيل يعكس أهمية قضية المناخ بالنسبة للإدارة الأمريكية، إلا أنه لا يغفل في الوقت نفسه تقدير الجانب الأمريكي للقاهرة، باعتبارها الدولة المستضيفة للقمة، خاصة أن ظروف انعقاد القمة تصادفت مع حدث انتخابي مهم لإدارة "بايدن"، وهو انتخابات التجديد النصفي التي لم تؤثر على الحضور الفاعل للجانب الأمريكي. وهو ما يؤكد على استراتيجية العلاقات المصرية الأمريكية والتفاهم المشترك بين الجانبين في العديد من القضايا التي تأتي في مقدمتها قضية المناخ، والاستقرار في الشرق الأوسط، وتحقيق السلام، ومكافحة الإرهاب.

دلالات واضحة:

عكست لقاءات الرئيس المصري بكلٍ من "بيلوسي"، و"بايدن" دلالات مهمة في شكل وطبيعة العلاقات المصرية الأمريكية، باعتبارها استراتيجية لكلا الطرفين. وفيما يلي أبرز الدلالات والانعكاسات:

(*) التأكيد على دور مصر في الشرق الأوسط: أكد "بايدن" خلال لقائه بالرئيس المصري "السيسي" على متانة العلاقات المصرية الأمريكية، مشيدًا في الوقت نفسه بالتفاهم المصري الأمريكي في العديد من ملفات المنطقة، لا سيما الدور المصري في قطاع غزة. من جانبها، أكدت "بيلوسي" في لقائها مع "السيسي" على المكانة التي توليها واشنطن للقاهرة، باعتبارها ركيزة الأمن والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط التي تعج بالقضايا المفتوحة؛ مثل المسألة الليبية وضرورة توحيد المؤسسة العسكرية للوصول إلى إقرار الدستور وإجراء الانتخابات ومكافحة الإرهاب، وكذا القضية الفلسطينية. وفي هذا الصدد، تطرق "بايدن"، و"السيسي" في لقائهما على هامش قمة المناخ بشرم الشيخ إلى مستجدات القضية الفلسطينية، وثمَّن "بايدن" جهود مصر في هذا الملف. من جانبه أكد الرئيس المصري على ضرورة الوصول لحل عادل للقضية الفلسطينية.

(*) توافق مصري أمريكي حول مواجهة الإرهاب: تتفق الإدارة الأمريكية مع الرؤية المصرية حول المجابهة الشاملة لمسألة الإرهاب، باعتباره آفة تهدد الأمن والسلم العالميين. وفي هذا السياق، عبَّر "بايدن"، و"بيلوسي" في لقائهما مع الرئيس المصري "السيسي" عن دعم الإدارة الأمريكية لجهود مكافحة الإرهاب، معتبرين أن مصر تُعد شريكًا استراتيجيًا في التصدي للإرهاب العابر للحدود.

(*) تفاهمات مصرية أمريكية حول الأزمة الأوكرانية: كان الموقف المصري من الأزمة في أوكرانيا محل تقدير للجانب الأمريكي، لا سيما بعد إعلان الرئيس المصري عن مبادرته لإنهاء الحرب، معتمدًا على ما تتمتع به القاهرة من ثقة لدى أطراف النزاع مما قد يجعلها وسيطًا محايدًا وموثوقًا به لديهم. وتأكد هذا التوافق بإشادة "بايدن" بموقف مصر الواضح من الصراع في أوكرانيا.

(*) توافق مصري أمريكي حول قضايا المناخ: هدفت مصر بشكلٍ أساسي من قمة المناخ للفت انتباه العالم نحو احتياجات الدول النامية ومتوسطة الدخل، لا سيما الإفريقية، في دعم إجراءات التكيف مع التغيرات المناخية، والتحول الأخضر، وهو الاتجاه نفسه الذي تسير عليه سياسة الحزب الديمقراطي والرئيس "بايدن". وتأكد الدعم الأمريكي للمشروع المصري نحو التحول للطاقة النظيفة بتخصيص ما قيمته 500 مليون دولار للقاهرة كمساعدات دولية لمصر للتحول للطاقة الخضراء.

في الختام، يأخذ التعاون بين القاهرة وواشنطن صورًا كثيرة تشمل السياسي والعسكري والأمني. وتُمثل مصر محطة أساسية في الاستراتيجية الأمريكية بالمنطقة؛ إذ تُمثل القاهرة ركيزة الاستقرار في البلاد المضطربة بمنطقة الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، ارتكزت رؤية الرئيس المصري حول هذا الملف، والتي عبَّر عنها لنظيره الأمريكي في لقاء شرم الشيخ على أن أي تسوية سياسية للأوضاع في ليبيا وسوريا واليمن لا بد أن ترتكز بالأساس على ترسيخ مفهوم الدولة الوطنية، وإنهاء تواجد المرتزقة والميليشيات الأجنبية.