تخوض إيران وأفغانستان نزاعًا طويل الأمد، في ظل منطقة مُلتهبة بالفعل؛ بسبب تقاسم المياه من نهر هلمند، قبل أن يتفجر الأمر خلال الأسبوع الماضي على حدود إيران مع أفغانستان، ليتحول إلى معركة، أسفر عنها عن مقتل وإصابة جنود، بينما تصاعد التوتر بشكل حاد بين البلدين، ويتبادل الطرفان الاتهامات حول من أطلق النار أولاً.
وجاء هذا الاشتباك وسط نزاع مُتصاعد بين كابول وطهران، بشأن نهر هلمند الذي يُعد مصدرًا حيويًا للمياه للجانبين، ويدعم الزراعة وسُبل العيش والنظم الإيكولوجية في المنطقة، إذ إن أفغانستان وإيران كانتا على خلاف حول تقاسم مياه الأنهار لأكثر من قرن.
وأفادت صحيفة "طهران تايمز" الإيرانية، بأن 3 جنود من قوات حرس الحدود الإيرانية قتلوا في اشتباكات على الحدود مع أفغانستان، بينما اتهمت طالبان الجنود الإيرانيين بالمبادرة بإطلاق النار ودعت للحوار.
وبحسب "بي بي سي"، حذّر الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، حركة طالبان الأفغانية، الأسبوع الماضي، بشكل واضح إذ قال "لن نسمح بانتهاك حقوق شعبنا، خذوا كلامي على محمل الجدّ حتى لا تعاتبوا لاحقاً".
يُذكر أن الحدود المُشتركة بين إيران وأفغانستان، تبدأ من "مضيق ذو الفقار"، حيث المثلث الحدودي بين إيران وأفغانستان وتركمانستان في الشمال، وتستمر الحدود حتى جبل "ملك سياه"، حيث المثلث الحدودي بين إيران وأفغانستان وباكستان في الجنوب بمسافة 945 كيلومترًا.
يُعد هلمند هو أطول نهر في أفغانستان، إذ ينبع بالقرب من كابول في سلسلة جبال هندو كوش الغربية، ويتدفق في اتجاه الجنوب الغربي عبر المناطق الصحراوية لنحو 1,150 كيلومترًا قبل أن يفرغ في بحيرة هامون، التي تمتد على الحدود الأفغانية الإيرانية، والتي تُعد أكبر بحيرة للمياه العذبة في إيران، وتُعد ذات أهمية كبيرة للبيئة الإقليمية والاقتصاد.
وواجهت بحيرة هامون موجة شح شديدة، وهو اتجاه يلقي خبراء الاتجاه باللوم فيه على الجفاف وتأثير السدود والسيطرة على المياه.
اتهامات مُتبادلة
وقعت أفغانستان وإيران اتفاقية "معاهدة نهر هلمند" في عام 1973 لتنظيم تخصيص مياه النهر، لكن لم يتم التصديق على الاتفاقية بصورة كاملة ولم يتم تنفيذها، مما تسبب في استمرار الخلافات والتوترات.
اتهمت إيران أفغانستان بانتهاك حقوقها المائية لسنوات، بحجة أن كمية المياه التي تم الاتفاق عليها في عام 1973 تتدفق إلى إيران أقل بكثير من الكمية المتفق عليها في المعاهدة الموقعة بين البلدين.
قال حسن كاظمي قومي، سفير إيران في أفغانستان، في مقابلة مع وسائل إعلام إيرانية، إنه في العام الماضي حصلت بلاده على 4٪ فقط من حصتها من مياه النهر.
ورفضت أفغانستان اتهامات إيران، مُؤكدة أن العوامل المناخية مثل نقص هطول الأمطار، كانت السبب وراء انخفاض منسوب المياه في النهر.
يُمثل بناء أفغانستان للسدود والخزانات وأنظمة الري على طول نهر هلمند أحد المصادر الرئيسية للقلق بالنسبة لإيران، إذ تخشى طهران أن تقلل هذه المشاريع من تدفق المياه إليها.
من جانبها قالت كابول إن من حقها توسيع تخزين المياه وقدرات الري داخل أفغانستان.
حدود مُلتهبة
تشترك إيران وأفغانستان في حدود برية طولها 950 كيلومترًا، ولا يوجد أي نزاعات إقليمية كبيرة بين البلدين.
وكانت طهران قد أقامت علاقات جيدة مع طالبان قبل أن تستولي الجماعة المتشددة على الحكم في أغسطس 2021 بينما كانت القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي في الأسابيع الأخيرة من انسحابها من أفغانستان، إذ اجتمع الطرفان على معارضتهما للوجود الأمريكي في المنطقة.
على الرغم من أن إيران امتنعت حتى الآن عن الاعتراف رسميًا بحكومة طالبان، إلا أنها كانت واقعية وحافظت على العلاقات مع حكام أفغانستان الحاليين.
علاقة مصالح
كانت العلاقة مع كابول مطلوبة في صالح طهران؛ من أجل تحقيق أهداف مثل الحفاظ على بحيرة هامون، إلا أنه منذ وصول طالبان للسُلطة، وقعت حوادث مُتكررة على الحدود.
أشار نجيب أغا فهيم، خبير البيئة من أفغانستان، إلى أنه قبل ستة أشهر من وصول طالبان للسُلطة، استقبلت طهران وفدًا من طالبان، للتوصل إلى اتفاقات بشأن حقوق المياه، إلا أنه يبدو أن طالبان الآن غير راغبة في احترام تلك الاتفاقات، مُشددًا على الحاجة إلى حل مُستدام لحل الخلاف على المياه، بحسب ما أفاد موقع "فويس أوف أمريكيا".
وكان "فهيم" وزيرًا مسؤولًا عن مكافحة الكوارث الطبيعية في حكومة الرئيس أشرف غني، التي انهارت في أغسطس 2021.
ولتحقيق ذلك، يتعين على المسؤولين والخبراء المتخصصين من كلا البلدين العمل معًا بشكل أوثق وتبادل المعلومات لتحديد كمية المياه المُتاحة وكمية المياه التي تتدفق إلى إيران.
حلول قصيرة المدى
قال نيك كوثر، الخبير البيئي الإيراني المُقيم في الولايات المتحدة، إن كلًا من طهران وطالبان لا يبديان أي اهتمام بمعالجة سوء إدارة الموارد المائية ومعالجة المشاكل البيئية في المنطقة، وفقًا لموقع "دويتشه فيله" الألماني.
وقال الخبير البيئي الإيراني إن "الجانبين يبحثان عن حلول قصيرة المدى ويريدان حل مشاكلهما الداخلية"، مُضيفًا أن "طالبان تريد الترويج للزراعة، والحكومة في طهران تتصرف وكأنها تهتم فجأة بمحافظة سيستان بلوشستان المحرومة بعد الاحتجاجات التي عمت البلاد العام الماضي".
وكان الخبير يُشير إلى المظاهرات الواسعة والاضطرابات السياسية التي أعقبت وفاة مهسا أميني، الفتاة البالغة من العمر 21 عامًا في أحد أقسام الشرطة، التي نتج عنها مواصلة التظاهرات في سيستان وبلوشستان لفترة طويلة في حين أنها قوبلت بعنف شديد من قوات الأمن.
تعد الموارد المائية من بحيرة هامون ضرورية للمقاطعة المنكوبة بالجفاف، وهي واحدة من أفقر المناطق في البلاد.
وفقًا للبرلمان الإيراني، غادر 25٪ إلى 30٪ من السكان المنطقة خلال العقدين الماضيين؛ بسبب نقص المياه وانتقلوا إلى ضواحي المدن في مناطق أخرى، وفقًا لموقع "إنديا تايمز".
وضع قابل للاشتعال
يتصاعد الغضب العام بالفعل في منطقة شرق إيران، وسط نقص المياه ومشاكل اقتصادية واجتماعية أخرى، إذ زادت الاشتباكات الأخيرةبين القوات الإيرانية وقوات طالبان من التوترات.
أشارت وكالة أنباء "فرانس برس" إلى أنه في 28 مايو الماضي، سافر قائد القوات البرية للجيش الإيراني ونائب قائد الشرطة الإيرانية إلى سيستان وبلوشستان، وقالا إن الوضع تحت السيطرة.
في حين اتفقت طهران وكابول على تشكيل لجنة تحقيق لمعرفة ما حدث في تبادل إطلاق النار على الحدود.
في إيران، كثير من الناس غاضبون، لأن ثلاثة جنود إيرانيين لقوا مصرعهم في غضون الاشتباكات الأخيرة.
محاولة تهدئة
قال العميد أمير علي حاج زاده، قائد قوات الجو والفضاء التابعة للحرس الثوري الإيراني، في حفل أُقيم في الجامعة الإيرانية للعلوم والتكنولوجيا في طهران في 29 مايو: "بعض الناس يرغبون في حرب ضد طالبان"، بحسب ما أشارت وسائل إعلام إيرانية.
وأضاف القائد العسكري "لكن أعداءنا هم من يقفون وراء هذه الاستفزازات، يريدون بدء حرب من هذه الاشتباكات على الحدود، لن يحدث ذلك بأي حال من الأحوال."