الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

قصة "لؤي".. فلسطيني بُترت ساقاه في لحظة بطولية والاحتلال يهدد "حلم حياته"

  • مشاركة :
post-title
الفلسطيني لؤي النجار

القاهرة الإخبارية - محمد صبحي

على مرمى بصره، أردى صاروخ محمل بالفسفور الأبيض سيدة فلسطينية شهيدة، هرول إليها محاولًا انتشال جثمانها، فباغته صاروخ آخر، نزع عظام ساقيه، لتصبح لحظة فارقة، توقفت حياته عندها قليلًا، قبل أن يتسلح بالأمل ويعود للحياة بوجه آخر. 

في 2009؛ بدأت قصة الفلسطيني لؤي النجار، وقتها كان شابًا يتلقى تعليمه العالي، بالجامعة الإسلامية في غزة، وتحديدًا بقسم الجغرافيا في كلية الآداب، يتذكر تلك اللحظات جيدًا، قائلًا: "أنا الجريح الفلسطيني لؤي النجار أبو عبيدة من خان يونس بقطاع غزة، أصبت بصاروخ صهيوني عام 2009 أثناء محاولتي انتشال جثمان امرأة سقط عليها الفسفور الأبيض الذي يشتعل لدى تعرضه للهواء، ويتفاعل ليولِّد حرارة كبيرة تؤدي إلى انفجار العنصر ذاته، وذلك إبان حرب الفرقان التي شنها العدو الصهيوني، مما أدى لبتر بكلتا الساقين من فوق الركبة وشظايا عديدة بأنحاء الجسد، جُلّها بالمخ وخلف العيون". 

لم يكن الوضع سهلًا على الشاب الفلسطيني، الذي لزم منزله بعد الإصابة، قبل أن يتمالك نفسه مجددًا: "بعد الإصابة ومضاعفاتها جلست بالبيت 5 أشهر، مرّت بصعوبة بالغة، وأُصبت بالاكتئاب، وعندها قررت العودة لمركز تحفيظ القرآن الكريم، والذي كنت أصلًا مسؤولا عنه قبل الإصابة، منذ عام 2006".

كان لؤي النجار متفوقًا في دراسته، فقرر العودة مجددًا للجامعة، إذ تخرج في العام 2015، بالمركز الأول، ولم يكتف بشهادته الجامعية وتابع دراساته العليا: "أدرس الآن نظم المعلومات الجغرافية GIS، وسأتخرج هذا العام، وسألتحق ببرنامج الماجستير في الجيوماتكس"، يحكي لؤي لـ"القاهرة الإخبارية".

لؤي النجار أثناء عمله

بعد إصابته، فكر لؤي في الزواج، ساعدته أسرته، وتقدم للزواج من إحدى الفتيات في نفس العام الذي أُصيب فيه: "تقدمت للزواج من فتاة في منطقتنا، وتقبلت هي وأسرتها وضعي وكوني مبتور الساقين، ووقف الجميع معي وساندوني معنويًا وشخصيًا، وتوفقت وتزوجت وأنجبت 6 من الأبناء، أكبرهم عمره 13 عامًا وأصغرهم 4 سنوات".

في 2014 كان الشاب الفلسطيني، على موعد مع نكبة جديدة، إذ دمر الاحتلال بيته: "في 2014 تم تدمير بيتي أيام المحرقة أو المجزرة التي ارتكبها الاحتلال، وتشتتت عائلتي وزوجتي وأهلي وأبنائي لمدة عام تقريبًا، حتى تيسرت الأمور ورجعنا وعمّرناه مرة أخرى".

حب الوطن

يغرس لؤي حب الوطن في أبنائه، ويملؤهم بالأمل، ويحدثهم عن ذلك الوقت الذي ينتصرون فيه على هذا العدو الغاشم، يذكرهم دائمًا بمن دمر بيته وتسبب في بتر ساقه: "في قطاع غزة لا يوجد بيت واحد إلا وبه شهيد أو أسير أو جريح، الشهيد يعيش أولاده أيتام وتترمل زوجته، والجريح يظل طوال حياته على كرسي متحرك، والأسير مفقود، ويولد الأطفال وهم يرون المعاناة التي يعيشها شعبهم".

ويقول: "أولادي غرست فيهم حب فلسطين وحب الأقصى وانتمائهم الصادق لفلسطين، وتوعيتهم بما يحدث وبالحروب".

وأضاف: "بكل صراحة؛ أولادي عندما يسمعون أصوات الانفجارات، يتقبلون الوضع الذي يعيشون فيه، لأننا كفلسطينيين مزروعين في هذه الأرض ومتشبثين بها".

وتابع لؤي النجار:" أطفالنا نغرس فيهم - كما غرس فينا أباؤنا وأجدادنا الذين سبقونا- أننا هنظل مشرشين في الأرض - مشرشين تعبير شعبي مقصود به مثل النباتات المزروعة في الحقول-".

لؤي النجار مع أسرته

ظل "لؤي" يحصل على راتب من الحكومة الفلسطينية حتى عام 2019، ليصبح قعيدًا دون دخل يعول به أسرته، وعندها بدأ تحدٍ جديد في حياة الشاب الفلسطيني: "عملت بمهن مختلفة منها النجارة والحدادة وموسم حصاد القمح والشعير والطوبار (تركيب القوالب التي تستخدم لوضع الخرسانة)".

أثناء محاولة الشاب الفلسطيني توفير ما يساعده في إعالة عائلته، قرر دخول عالم "النحل": "دخلت على هذا العالم بإرادة وعزيمة، وكان هذا في 2017، بدأت بخليتين فقط، واستشرت الأصدقاء ومن سبقوني في هذا المجال".

تبدأ صعوبات تعامل الشاب الفلسطيني مع النحل منذ اللحظة الأولى التي يقرر فيها الصعود إلى منحله، الذي وضعه فوق سطح منزله: "صعوبة بالغة عند الصعود للمنحل لحالتي، فأصعد زاحفًا من خلال الدرج، ثم تبدأ صعوبات التربية، في ظل اعتداءات الاحتلال المتكررة".

لؤي النجار في منحله

ما بين قطع الأشجار المثمرة التي يتغذى عليها النحل، ورش للمبيدات الضارة التي تقتل الأشجار، من قبل الاحتلال، ونقص للأراضي والمراعي الواسعة، يحاول لؤي الحفاظ على منحله، الذي بات مصدر دخله الأساسي.

يتذكر الشاب الفلسطيني، اللحظات الصعبة التي مرت عليه: "أصعب موقف تعرضت له في تربية النحل، إنه في إحدى المرات مرضت، وبقيت طريح الفراش لمدة 3 أسابيع، لم أصعد فيها لمتابعة النحل، وبعد الشفاء، تعرضت لصدمة كبيرة، إذ خسرت كل المنحل تقريبًا، فلم يتبق إلا صندوق واحد، بسبب رش العدو مبيدًا أدى لقتل وتجفيف المراعي القريبة من السلك الفاصل".

يواجه الشاب الفلسطيني، صعوبات أخرى في التعامل مع النحل: "معاملتي مع النحل أو المنحل في ظل الغازات والغبار الناتج عن ممارسات الاحتلال الصعبة، وللأسف لا أستطيع الصعود للمنحل أثناء التصعيدات لوجود طائرات دون طيار تراقب كل الأماكن، وفي بعض الأوقات يتم استهداف كل من يتحرك على الأرض".

يأمل لؤي النجار، أن يمتلك منحلًا أكبر، وأن يعود راتبه الذي تم إيقافه من قبل الحكومة الفلسطينية، حتى يتمكن من إعالته أسرته وتوفير حياة كريمة لهم، في ظل ظروف صحية واجتماعية صعبة فرضتها الإصابة، وتجاوزات الاحتلال.