في مسعى لوقف أسوأ حرب تشهدها القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية، وتطفي ظلال تبعياتها على العالم كله، صرحت الرئاسة الإفريقية في بيان بأن ستة من قادة الدول في القارة السمراء قدموا اقتراحًا لحل الأزمة بين موسكو وكييف، وبدأت محادثات سلام بين الطرفين، في الوقت الذي يستعد فيه مسؤولون من جنوب إفريقيا لزيارة البلدين للترويج للفكرة.
وتشمل مبادرة السلام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس زامبيا هاكيندي هيشيليما ورئيس جمهورية الكونغو، دينيس ساسو نجيسو، ورئيس أوغندا يويري موسيفيني.
وقال فينسنت ماجوينيا، المُتحدث باسم رئاسة جنوب إفريقيا، إن المبادرة تلقى استحسانًا دوليًا في الوقت الراهن، موضحًا أن مساعي السلام تبدأ أولًا بوقف إطلاق النار بين الطرفين، ثم وضع إطار عمل لمناقشة مبادئ عملية إطار سلام دائم بعد 15 شهرًا من القتال بين القوات الروسية والأوكرانية دون توقف.
وأعلن الرئيس الجنوب إفريقي، سيريل رامافوزا، المبادرة في 16 مايو، ويقود المبادرة الرئيس السنغالي، ماكي سال، رئيس الاتحاد الإفريقي العام الماضي.
وكان رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، قد صرح سابقًا، بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي "وافقا على استقبال البعثة ورؤساء الدول الإفريقية في كل من موسكو وكييف".
وتابع في مؤتمر صحفي في كيب تاون، خلال زيارة لرئيس وزراء سنغافورة، لي هسين لونج، "نأمل أن نجري نقاشات مكثّفة"، مُضيفًا أن النزاع "مدمر" وإفريقيا "تُعاني أيضًا كثيرًا" بسببه.
وكشف "رامافوزا" عن أنه تم إطلاع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، والاتحاد الإفريقي على المبادرة التي رحبا بها، لكنه لم يصرح حتى الوقت الراهن، بأي تفاصيل عن الجدول الزمني للزيارة أو موعدها.
إلا أن "رويترز" قد صرحت وفق مصادرها، بأنه من المُتوقع أن تسافر بعثة السلام الإفريقية إلى موسكو وكييف في أوائل يونيو المقبل.
من جانبها، صرحت ليوبوف أبرافيتوفا، سفيرة أوكرانيا لدى جنوب إفريقيا في رسالة نصية "لا محادثات بين أوكرانيا وروسيا ما لم يغادر الروس أراضينا بحدودها المعترف بها دوليًا"، لكنها أضافت "سنستقبل جميع المندوبين ونتحدث معهم".
أما الجانب الروسي فلم يصدر منه أي تعليق على المبادرة الإفريقية، في الوقت الذي تشهد فيه أيضًا اتفاقية الحبوب عبر البحر الأسود المزيد من التعقيدات الروسية لإمداد الاتفاق المُبرم العام الماضي بين كييف وموسكو تحت رعاية الأمم المتحدة وتركيا.
وعانت أشد الفئات هشاشة في إفريقيا بشدة من الصدمات التي تعرضت لها أسعار الغذاء والطاقة بسبب الحرب الدائرة منذ 24 فبراير 2022.
وفي تعليق على الخطة الإفريقية، قال مُتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن واشنطن "ترحب بأي جهد ناجح لإقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإنهاء حربه العدوانية على الأراضي الأوكرانية".
معاناة إفريقية
وتعتبر هذه المبادرة هي الأولى التي تخرج من القارة السمراء وبالتعاون مع ستة من قادة القارة، وهي خطوة للمحاولة في حل النزاع الدائر؛ حيث تعتبر الدول الإفريقية من أكثر الدول التي عانت من تبعيات الحرب.
وقد أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى تداعيات كثيرة تمثلت في توقف كل من الصادرات الروسية بفعل الحصار الغربي، والصادرات الأوكرانية بفعل الحصار الروسي، وعدم قدرة أوكرانيا على تصدير الحبوب من موانئها.
وقد أدت الحرب إلى نقص نحو 30 مليون طن من الغذاء في إفريقيا، كذلك زيادة الأسعار بنسبة 40% بأسعار الغذاء في القارة، هذا بجانب نقص شديد في إمدادات الغذاء إلى دول القارة وانخفاض المساحة المحصولية بنسبة 25%، وانخفاض حجم الإنتاج بنسبة 37% فاقم أزمة الغذاء في عدة دول، ووضع بعضها على حافة المجاعة.
إضافة لذلك، نقصت القدرة التصديرية عن العام السابق على الحرب، وارتفعت تكاليف سداد قيمة المواد الغذائية نتيجة لارتفاع أسعار الحبوب والأرز والقمح.
مساعي الحل
وتلقى المبادرة الإفريقية استحسانًا من قبل الدول، خاصة بعد فشل العديد من الخطوات السابقة لحل الأزمة الراهنة، وكان أبرزها المبادرة الصينية والتي جاءت في 12 بندًا، أبرزها احترام سيادة الدول، وعدم سعي أي دولة لتحقيق الأمن على حساب الأخرى، لكنها لم تحقق اختراقًا في ضوء تشكيك غربي في مواقف بكين.
كذلك محاولة البرازيل لتقديم اقتراح بتشكيل مجموعة اتصال من دول غير ضالعة في الحرب، للوساطة من أجل إحلال السلام، إلا أن المقترح لم يمض قدمًا، كذلك الفاتيكان في مارس 2022، بتقديم المساعدة في أي نوع من الوساطة، و"فعل كل ما هو ممكن" بهدف التوصل إلى وقف إطلاق النار في أوكرانيا، لكن أيضًا لم يتم المُضي قدمًا فيه، ومحاولة تركيا في دفع عملية التفاوض، واستضافة وفدين روسي وأوكراني في إسطنبول، لكن المناقشات لم تسفر عن تقدم في محاولات الحل.
أمل دولي
وتعول الكثير من الدول على المبادرة الإفريقية هذه المرة، حيث تتمتع إفريقيا بعلاقات سياسية واقتصادية طيبة بين كلٍ من الجانب الروسي والأوكراني، وهو الأمر الذي يُعطي دورًا قويًا في لعب دور الوسيط، على عكس المبادرة الصينية التي دفعت واشنطن وحلفاءها في الغرب للتشكك من أهداف بكين.
ومن جهة أخرى عكس قبول الجانبين لاستقبال وفود الدول الإفريقية، رغبة كل منهما في كسب ساحة القارة السمراء، خاصة أن هذه القارة تمثل مُؤخرًا ساحة للاستقطاب الدولي.
وفي السياق نفسه كانت زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لحضور القمة العربية في الرياض، الأسبوع الجاري، كذلك جولة وزير خارجية كييف، ديمترو كوليبا، لعدد من الدول الإفريقية تزامنًا مع المبادرة التي طرحها عدد من القادة الأفارقة، عكست مساعي كييف الدبلوماسية لتحدي النفوذ الروسي في القارة الإفريقية وتعزيز الرؤية التي وضعتها أوكرانيا باعتبارها السبيل الوحيد للسلام، إذ قال في مؤتمر صحفي له برفقة نظيره المغربي ناصر بوريطة، خلال زياته إلى الرباط أمس الاثنين، إن أولويته الرئيسية تتمثل في إقناع الدول الإفريقية لتأييد خطة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للسلام.
وأضاف الوزير الأوكراني في منشور له على مواقع التواصل الاجتماعي، إنه يهدف إلى كسب التأييد للتدفق المستمر للحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود وتأمين فرص جديدة للأعمال التجارية الأوكرانية، مُشيرًا إلى تطلع بلاده للمفاوضات مع القادة الأفارقة.
وعلى الجانب الآخر من المعادلة، تعمل روسيا منذ عقود؛ لتعميق علاقاتها في القارة السمراء، كما تُخطط موسكو لعقد قمة إفريقية روسية في سان بطرسبرج في يوليو المقبل، في حين أجرى وزير خارجيتها، سيرجي لافروف، جولة في القارة العام الماضي وزارها مرتين على الأقل هذا العام.