ساعات ويتجه المواطنين الأتراك لصناديق الاقتراع للادلاء بأصواتهم في واحدة من أكثر الانتخابات المرتقبة خلال العام الجاري، إذ تعتبر هذه الانتخابات خطوة مفصلية في تاريخ تركيا الحديث، ومن المتوقع أن تتغير سياسات أنقرة الخارجية والداخلية للمرة الأولى منذ 2022.
وعلى الرغم من مواجهة البلاد العديد من التحديات السياسية (بعد توحيد صفوف المعارضة للوقوف أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه والعدالة والتنمية) كذلك التحديات الاقتصادية الجمة التي ساهمت في تراجع شعبية الرئيس التركي وتآكل شعبيته، وسمح لمرشح قوي في الظهور للمنافسة في وقت ركّز أردوغان خلال فترة رئاسته على توسيع النفوذ العسكري والدبلوماسي للبلاد، إلا أن السياسة الخارجية لواحدة من أكبر دول الشرق تعتبر نقطة فاصلة في تحديد اتجاهات تركيا على مدار الخمسة أعوام المقبلة.. هل سترتكز تركيا في سياستها على الجانب الغربي وحلفائها في الناتو؟.. أم ستبقى في مسار التحالفات الذي رسمته في الفترة الأخيرة، خصوصًا مع روسيا؟
واليوم، بالنسبة لأنقرة، تعد واشنطن وموسكو أهم عاصمتين، بينما تحتل لندن المرتبة الثالثة، في حين أن الدول الأوروبية تعتبر أقل أهمية. ومن غير المرجح أن يتغير هذا التسلسل الهرمي، بغض النظر عمن يحكم تركيا.
قضايا الاهتمام
نشرت صحيفة "فوربس" تقريرًا عن أهم العلاقات التركية مع حلفاء أو أعداء، وعلى الرغم من ترجيح فوز أردوغان لفترة رئاسية جديدة، حسب العديد من استطلاعات الرأي، إلا أنه من المتوقع أن تعمل أنقرة على تغيير بعض مساراتها الخارجية لتكون أقل حدة، خاصة فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط، لكن تبقى روسيا هي الحليف الأهم لأنقرة في ظل وجود أردوغان بصورة خاصة.
ووفق تقرير لوكالة "رويترز"، أوضح أنه بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات التركية، فمن المتوقع أن تحافظ أنقرة على علاقات ودية مع روسيا.
وأشارت "رويترز" إلى أن ما دفع الرئيس رجب طيب أردوغان لإصلاح العلاقات المتوترة مع دول في الشرق الأوسط سببه الأساسي تدهور اقتصاد تركيا بصورة قوية على مدار الخمسة أعوام الماضية وبصورة خاصة العام الماضي.
ونقلت "رويترز" عن فاتح جيلان، رئيس مركز أنقرة للسياسات (مؤسسة فكرية مقرها العاصمة التركية) أن تعزيز العلاقات مع عدد من الدول كان "بدافع الضرورة".
وأضاف أن تركيا لا تستطيع تنحية روسيا جانبًا، لأنها "جارة قوية ولدينا بعض العلاقات الاقتصادية والتجارية القوية التي ترتبط مباشرة بمصالحنا الوطنية".
كانت تركيا انتهجت منهجًا دبلوماسيًا وسطيًا منذ اندلاع حرب أوكرانيا، اذ رفضت أنقرة الانضمام إلى العقوبات الغربية المفروضة على روسيا.
كما شارك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع أردوغان، في حفل افتتاح أول محطة للطاقة النووية في تركيا أبريل الماضي، أنشأتها شركة الطاقة النووية الروسية الحكومية "روساتوم". ووصفه بوتين بأنه مشروع رئيسي ساعد في "تعزيز الشراكة متعددة الأوجه بين تركيا وروسيا".
من جهة أخرى، منعت تركيا جميع السفن الحربية من عبور البحر الأسود عبر المضيقين الاستراتيجيين، البوسفور والدردنيل، بموجب "اتفاقية مونترو"، ضمن مساعي أنقرة لتجنيب المنطقة مزيدًا من التصعيد.
ومع انطلاق العملية العسكرية الروسية، ناشدت كييف أنقرة لمنع مرور السفن الحربية الروسية إلى البحر الأسود، الذي أطلقت منه موسكو هجومها على الشاطئ الجنوبي لأوكرانيا، إلا أن تركيا لم ترد بشكل حاسم آنذاك.
وبهذا الأمر اتضحت سياسة تركيا من الحرب الروسية- الأوكرانية بأنها تسعي للوقوف دون انحياز لحليفها روسيا وهو الاتجاه الذي كان غير متوقع بصورة كبيرة، وقد ساهم هذا الدور المحايد للحرب في دخول تركيا مفاوضات تصدير الحبوب عبر البحر الأسود.
قلق روسي
من جهة أخرى نقلت "فوربس" أن موسكو تخشى في حال فوز المعارضة التركية من تخفيض الاعتماد على الطاقة الروسية من 50% لتصل إلى 30% فقط، لكن هذا الأمر لا يعتبر جزءًا محسومًا حتى الوقت الراهن، إذا أكد تكتل المعارضة التركية أنه سيعطي الأولوية للدبلوماسية، ويتخلى عن أسلوب المواجهة الذي ميز السياسة الخارجية التركية في العقد الماضي.
كما نقلت "فوربس" أن المرشح الرئاسي الأبرز للمعارضة أمام أردوغان كليتشدار أوغلو، له حسابات أخرى قد تعمل على تغير في حسابات تركيا الخارجية.
كما وعدت المعارضة التركية بتبني شعار "سلام في الوطن.. سلام في العالم" كحجر زاوية للسياسة الخارجية. في حين وعد التحالفات المعارضة بـ"العمل على استكمال عملية الحصول على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي"، فإنه تعهد بمراجعة اتفاق اللاجئين لعام 2016 بين تركيا والاتحاد الأوروبي.
كما سيتم تقييم العلاقات مع الولايات المتحدة، لتستند إلى الثقة المتبادلة وعودة تركيا إلى برنامج الطائرات المقاتلة إف-35. وستحافظ تركيا على العلاقات مع روسيا "على أساس أن كلا الطرفين متساويان وسيجري تعزيزها من خلال الحوار المتوازن والبناء".
وبالنسبة إلى "ضرورة بقاء النظام"، فإن فوز المعارضة يعني تغير الحكومة، وبالتالي إنهاء النظام الحالي. وفي هذه الحال، لن تكون حكومة المعارضة مقيدة للغاية، وستشعر بدعم العالم الغربي.
وقال أونال جيفيكوز، كبير مستشاري كليتشدار أوغلو للشؤون الخارجية، إن الحكومة التي سيقودها الأخير ستكون مصممة على تطبيع علاقاتها مع المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وأضاف الموقع أن "المعارضة ستعطي الأولوية للحوار ونهج عدم التدخل، وستكون وسيطًا نزيهًا في أماكن مثل ليبيا من خلال التحدث إلى جميع الأطراف"، بحسب تعبيره.
وهنا في حال فوز أوغلو بالكرسي الرئاسي فمن المتوقع أن تبدأ العلاقات التركية الأمريكية والأوروبية في الاتجاه نحو التعميق أكثر، الأمر الذي قد يؤدي لبعض الإضطرابات بالعلاقات الروسية والصينية أيضًا، وهو ما يؤدي إلى تحويل دفة أنقرة للغرب مرة أخرى بعد تعميق علاقاتها بالجانب الشرقي.
جهات فاعلة للسياسة الخارجية
نجاح المعارضة التركية أو استمرار أردوغان على رأس السلطة تحكمه أيضًا عدة معايير أخرى لرسم سياساتها الخارجية.
ووفق تقرير "فوربس" فإن الرئاسة تمتلك الكلمة الأخيرة في جميع الشؤون للسياسة الخارجية للبلاد، بينما يلعب الجهاز الأمني دورًا رئيسيًا في تشكيل السياسات الإقليمية لتركيا.
وعلى الرغم من أن الرئاسة ستتغير في حال انتصار المعارضة، فإن "الوكالة الأمنية القوية والجهات الفاعلة داخلها ستستمر في السيطرة والتأثير في قرارات السياسة الخارجية، ما يضمن الاستمرارية في السياسة الخارجية التركية".
كذلك يعد العامل الكردي أيضًا، عاملًا مهمًا في تشكيل العلاقات الدولية لتركيا.
ورأت "فوربس" أن فوز المعارضة بالسلطة بدعم من الحركة الكردية عكس طريق لتحسين العلاقات مع أكراد تركيا، وقد تدفع المعارضة إلى معالجة القضية الكردية المحلية، ما سيؤثر في سياسات تركيا الإقليمية والدولية.