الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

كيف تخطط الصين لتضييق الفجوة العسكرية مع الولايات المتحدة؟

  • مشاركة :
post-title
قطعة بحرية صينية

القاهرة الإخبارية - محمد البلاسي

من الغواصات إلى الأسلحة النووية.. الصين تزيد قوتها النارية رغم تباطؤ الاقتصاد

منذ هزيمة قوات "سلالة تشينج" الصينية أمام القوات البريطانية في حروب الأفيون في القرن التاسع عشر، كان الصينيون يحلمون ببناء قوات مُسلحة على مستوى عالمي، مع قوة بحرية قوية، حيث أن الرماح والسفن الشراعية في الصين ند للزوارق الحربية البخارية، وذلك بحسب لي هونج تشانج، وهو جنرال ومسؤول صيني ساعد في إنشاء أول ترسانة حديثة للبلاد، وحوض لبناء السفن في شنجهاي في عام 1865، وقال "تشانج" إنه إذا درست الصين بشكل منهجي التكنولوجيا الغربية، كما فعلت روسيا واليابان فقد يمكن أن تحقق الاكتفاء الذاتي خلال مئة عام.

البحرية الصينية تتفوق "عدديًا" على البحرية الأمريكية

وبحسب مجلة "إيكومنومست" البريطانية، استغرق الأمر وقتًا أطول مما تخيله "لي"، لكن حلمه أصبح حقيقة اليوم، إذ تفوقت البحرية الصينية عدديًا على البحرية الأمريكية باعتبارها الأكبر في العالم، من حيث عدد القطع، بحلول عام 2020 وهي الآن تُشكل "تحديًا مُتناميًا" حسب تعبير البنتاجون، لكن السؤال المُحير للقادة العسكريين الصينيين والغربيين هو: هل يمكن للصين أن تستمر على نفس المسار، وهل من الممكن أن تزيد من قدرتها على تحدي الهيمنة الأمريكية؟ أم إن تباطؤ الاقتصاد الصيني، والغرب الذي أصبح مُوحدًا وأكثر عدائية، يعني أن القوة النسبية للصين قد بلغت ذروتها في الأشهر الأخيرة؟، ورجح بعض الباحثين الأمريكيين الافتراض الأخير، بحجة أن الصين قد تهاجم قريبًا تايوان، وكتب هال براندز ومايكل بيكلي، وهما خبيران سياسيان أمريكيان، في كتاب صدر في أغسطس الماضي: "نحن نعيش في عصر ذروة الصين، حيث إن بكين أصبحت قوة تريد إعادة ترتيب العالم، لكن الوقت ينفد منها".

تحديات كبيرة أمام الرئيس الصيني

وبحسب المجلة البريطانية، فإن الرئيس الصيني، شي جين بينج، يواجه تحديات كبيرة، بما في ذلك شيخوخة المجتمع، وزيادة الديون الحكومية، إلى جانب الحكومة الأمريكية المصممة على كبح جماح الجيش الصيني ومنعه من الوصول إلى التكنولوجيا الغربية المتقدمة، كما تقوم أمريكا أيضًا بإصلاح قواتها المسلحة وحشد التحالفات للتحضير لحرب محتملة على تايوان، ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير من الأدلة على أن القوة العسكرية الصينية، لا تزال بعيدة عن التفوق على نظيرتها الأمريكية، وضربت المجلة مثلًا بميزانية الدفاع الصينية التي ارتفعت بمعدل يزيد على 9٪ سنويًا منذ أن أطلق القادة الصينيون برنامجًا طموحًا للتحديث العسكري في أواخر التسعينيات، وفي نهاية عام 2023، ومن المُتوقع أن تبلغ الميزانية العسكرية الرسمية للصين 224 مليار دولار، وبهذا تحتل المرتبة الثانية بعد أمريكا، التي تمتلك ميزانية أكبر بنحو أربعة أضعاف، كما أن زيادة الإنفاق الدفاعي بهذه الوتيرة أصعب مع تباطؤ الاقتصاد.

تحويل الموارد من الاقتصاد المدني إلى القوات المُسلحة

ومع تلك الصعوبات، من المقرر أن يزيد الإنفاق الدفاعي هذا العام بنسبة 7.2٪، بما يتماشى تقريبًا مع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للصين، حيث تستثني الميزانية العسكرية بعض البنود الرئيسية مثل تطوير الأسلحة، ومع ذلك، فهو مؤشر مفيد؛ مما يُشير إلى أن الرئيس الصيني قد بدأ تحجيم الإنفاق الدفاعي الأساسي عند 1.6 إلى 1.7٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وهي تقريبًا نفس النسبة التي كانت عليها خلال العقد الماضي، وإذا تمكن من الحفاظ على ذلك، استنادًا إلى توقعات الناتج المحلي الإجمالي الحالية، بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، فإن الإنفاق العسكري الصيني السنوي سيظل أقل بكثير من الإنفاق العسكري الأمريكي بحلول عام 2030، وفقًا لمؤشر آسيا للطاقة بحسب "معهد لوي"، وهو مركز دراسات أسترالي، لكن الصين ستعمل على تتضيق الفجوة بشكل كبير بحلول ذلك الوقت، وستزيد الإنفاق العسكري بمقدار 155 مليار دولار، مُقارنة بـ123 مليار دولار في أمريكا، وحتى لو كان اقتصاد الصين ينمو بشكل أبطأ مما كان متوقعًا، فإن الرئيس الصيني يمكنه تحويل بعض الموارد إلى القوات المسلحة من الاقتصاد المدني، وداخل القوات المسلحة، يمكنه إعطاء الأولوية للمناطق التي يعتبرها أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية، وعلى سبيل المثال عن طريق تقليص حجم الجيش، والذي يبلغ عدده ما يقرب من 2.2 مليون فرد في الخدمة الفعلية.

الإنفاق الدفاعي والقوة العسكرية

ليس بالضرورة أن يُترجم الإنفاق الدفاعي إلى قوة عسكرية، فهذا يعتمد على العديد من العوامل الأخرى، بما في ذلك التكنولوجيا والتحالفات والأهداف، لكن في حالة الصين، هناك مؤشر آخر، وهو القوة البحرية، فهي تتضمن استخدام العديد من المعدات المُختلفة، بما في ذلك الصواريخ والطائرات، وستكون في طليعة أي عملية عسكرية ضد تايوان، أو عرض للقوة على مستوى العالم، كما أن بناء السفن مُكلف ويحتاج إلى قاعدة صناعية قوية، لذلك فهو يعكس الصحة الاقتصادية، ومن الممكن أيضًا مُقارنة خطط بناء السفن البحرية الصينية بالخطط الأمريكية، ولكن ماذا تُظهر الأرقام؟ من الواضح أن البحرية الصينية قد تطورت في العقدين الماضيين من قوة ساحلية ضئيلة من السفن القديمة، إلى قوة حديثة إلى حد كبير، وهي محلية الصنع يمكنها القيام ببعض المهام بعيدًا عن شواطئ الصين، لكنها لا تزال أقل من طموحات القيادة الصينية من عدة نواحٍ رئيسية، لا سيما من خلال عدم امتلاك سفن كبيرة بما يكفي لضمان القيام بغزو ناجح لتايوان.

ويتوقع البنتاجون أن يتغير ذلك خلال هذا العقد، إذ ستحيل البحرية الصينية آخر سفنها القديمة إلى التقاعد وتضيف سفنًا أكبر وحديثة ومتعددة الأدوار، فالصين لديها الآن نحو 340 سفينة تمثل "القوة القتالية"، بما في ذلك ناقلات الجند والغواصات والفرقاطات والمدمرات، ومن المُرجح أن يصل هذا الرقم إلى 400 بحلول عام 2025 و440 بحلول عام 2030، وفقًا للبنتاجون، ومن بين السفن الجديدة سيكون هناك نحو اثنتي عشرة سفينة برمائية كبيرة أخرى، وحتى بافتراض انخفاض نمو ميزانية الدفاع، فإن البحرية الصينية ستستمر في النمو إلى ما يُقدر بـ356 سفينة بحلول عام 2033، مضيفةً ثلاث ناقلات وتسع سفن برمائية كبيرة، وفقًا لمركز التقييمات الاستراتيجية والميزانية "CSBA"، وهو مركز دراسات في واشنطن ويقول جاك بيانكي، وهو من الخبراء البارزين في المركز: "لا أعتقد أن قيود الموارد ستشكل عقبة أمام القادة الصينيين".

انخفاض عدد السفن الحربية الأمريكية

بالمقارنة، كان لدى البحرية الأمريكية قوة قتالية قوامها 296 سفينة في أبريل ومن المُتوقع أن ينخفض ​​هذا العدد إلى نحو 290 بحلول نهاية هذا العقد، وبعد ذلك، قد تبدأ أمريكا في تضييق الفجوة، ولا يزال هدف البحرية التابعة لها رسميًا يتمثل في وجود 355 سفينة قتالية، لكن قيود الميزانية والتغييرات السياسية وعوامل أخرى قد تجعل من الصعب تحقيق ذلك حتى بحلول عام 2040، وبينما تركز الصين حشدها العسكري على تايوان، يتعين على أمريكا الحفاظ على وجودها العالمي، وتتمثل إحدى مزايا الصين في صناعة بناء السفن الضخمة، وهي الأكبر في العالم، إذ تمثل 44٪ من السفن التجارية المنتجة في جميع أنحاء العالم في عام 2021، كما استحوذت شركة حكومية واحدة، وهي شركة بناء السفن الحكومية الصينية "cssc"، على أكثر من خُمس الطلبات العالمية في ذلك العام. لكنها تنتج أيضًا معظم السفن البحرية الصينية، غالبًا في نفس أحواض بناء السفن مثل السفن التجارية.

الخبرة القتالية

ومع ذلك، هناك مجال واحد حاسم ستكافح فيه الصين لمضاهاة أمريكا لسنوات عديدة، إن لم يكن لعقود، وهو الخبرة، فلم تخض الصين حربًا منذ حرب فيتنام، حيث قاتلت على الأرض في عام 1979، ولم تتقن بعد عمليات نقل الجند في وقت السلم، ناهيك عن القتال، وهي لم تتقن فن إخفاء غواصاتها، بينما تتعقب الغواصات التي يحتمل أن تكون مُعادية، أما الولايات المتحدة، فقد شحذت تلك القدرات على مدى عقود، في الوقت الذي تكافح فيه الصين لجذب عدد كافٍ من المجندين المتعلمين لتشغيل سفنها الجديدة.

نفاد صبر الصين

ويرى البعض علامات على نفاد صبر الصين، إذ يقول مسؤولون أمريكيون إن الجيش الصيني يُخطط للاستيلاء على تايوان بحلول عام 2027، في الذكرى المئوية لجيش التحرير الشعبي الصيني، لكن هذا لا يعني أن الصين قد تنفذ فعليا الهجوم بحلول ذلك الوقت، بحسب وكالة المخابرات المركزية، ويعتقد العديد من خبراء الجيش الصيني أن عام 2027 هو منظور قصير المدى، مُصمم للحفاظ على الزخم نحو الهدف متوسط ​​المدى، المتمثل في التحديث الكامل للجيش الصيني بحلول عام 2035، ولا يزال هدفه النهائي هو بناء قوة قتالية "عالمية" بحلول عام 2049، في الذكرى المئوية للحكم الشيوعي.

تضاعف الترسانة النووية

وتُشير المناورات الحربية الأخيرة إلى أن الصين ربما تنخرط في صراع على تايوان هذا العقد، وستكون الخسائر مدمرة لجميع الأطراف، وكلما طال انتظار الصين، ازداد الميزان العسكري ثقلًا لصالح الصين، وليس فقط من ناحية الأسلحة التقليدية، إذ يتوقع البنتاجون أن حجم ترسانة الصين النووية سيتضاعف أربع مرات تقريبًا بحلول عام 2035، كما يأمل الخبراء الاستراتيجيون الصينيون أن يسهل ذلك الحل السلمي، من خلال إقناع كل من تايوان وأمريكا بأن الصراع سيكون مُكلفًا للغاية.