عادت دمشق إلى مقعدها بالجامعة العربية بموجب قرار صُوِّت عليه بالإجماع، بعد أكثر من 10 سنوات فراق، لتسد ثغرة في صلابة بنيان العمل العربي المشترك، وتطأ خطوة ثابتة في مسار تسوية أزمة طاحنة ألمت بشعبها ونظامه، ودفعت بالملايين إلى مخيمات اللجوء بالمنطقة وخارجها.
واتخذت جامعة الدول العربية، اليوم الأحد، قرارًا باستعادة سوريا لمقعدها واستئناف مشاركتها الفوري في اجتماعات مجلس الجامعة وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها بدءًا من يوم الأحد، وأكد الأمين العام للجامعة إمكانية مشاركة الرئيس بشار الأسد في القمة المقرر لها هذا الشهر "إذا رغب".
من جهتها، أكدت سوريا -العضو المؤسس لجامعة الدول العربية-، ضرورة تعزيز العمل والتعاون العربي المشترك، وأن المرحلة المقبلة تتطلب نهجًا عربيًا فاعلًا وبناءً على الصعيدين الثنائي والجماعي، يستند على قاعدة الحوار والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة للأمة العربية، وفق بيان للخارجية السورية.
ترميم للنظام الإقليمي العربي
من جهته، اعتبر بشير عبد الفتاح، الباحث السياسي في مركز الأهرام للدراسات، في تصريحات لموقع "القاهرة الإخبارية"، أن عودة سوريا للجامعة العربية يعد ترميمًا لأحد التصدعات في النظام الإقليمي العربي والعمل العربي المشترك، إذ إن خروج دولة مؤسِسة للجامعة العربية من منظومة العمل العربي يعبر عن خلل، على حد وصفه، خصوصًا أن سوريا لم تفقد مقعدها في الأمم المتحدة أو مشاركتها فيها، رغم العقوبات المفروضة عليها.
ومنذ عام 2011، تعيش سوريا أزمة بين النظام والمعارضة تفاقمت إلى نزاع أدى إلى نزوح الملايين، وخلفت دمارًا وأزمات اقتصادية وأمنية أضرت بمجمل أوضاع البلاد، وعلى إثرها علقت الجامعة العربية مقعدها.
تعاطي عن قرب
رجّح الباحث السياسي أن عودة سوريا ستتيح للدول العربية والجامعة التعاطي مع أزمة البلاد من الداخل، إذ ستسمح بالتنسيق المباشر مع النظام السوري بشأن اللاجئين والسيطرة على الحدود ومحاربة الإرهاب والإصلاح السياسي والحوار مع المعارضة، وتنفيذ القرار الأممي 2254، والعمل على رفع العقوبات الأوروبية والأمريكية وقانون قيصر الأمريكي 2019، الأمر الذي من شأنه أن يحقق مساحة أكبر من التفاهم بين سوريا والجامعة العربية، بعد أن كان هناك جفاء، وفق تعبيره.
أضاف أن قرار العودة سيتيح للدول العربية أن تكون فاعلًا مؤثرًا في الداخل السوري، وأن تُقلِص النفوذ الإيراني والتركي والروسي والأمريكي، إذ أتاح ابتعاد الدول العربية مساحة خالية لأطراف إقليمية للتدخل والتموضع في سوريا على نحو سياسي واقتصادي وعسكري.
مصلحة للجميع
أكد الباحث السياسي أن عودة سوريا ستصب في مصلحة المنطقة العربية، باعتبارها بوابة لتسلل الإرهابيين، وكذلك تسلل الأطراف الإقليمية والدولية والتغلغل في النظام الإقليمي العربي لزيادة أزماته.
أضاف أن من شأن عودة دمشق للجامعة إعطاء زخم للعلاقات العربية، والتنسيق في مواجهة التدخلات الخارجية في نظام الإقليم العربي.
أشار إلى أن القرار سيساعد كذلك في حل مشكلة اللاجئين التي تؤرق المنطقة العربية، لافتًا إلى نحو 6 ملايين لاجئ سوري موزعين على دول عربية وغير عربية، بينها من تعاني بسبب اقتصاداتها الضعيفة.
تسوية سلمية للأزمة السورية
وقال إن عودة سوريا لحضن الجامعة العربية سيساعد على تسوية أزمتها بشكل سلمي، باعتبارها أزمة من ضمن أزمات تؤرق المنطقة العربية وتؤثر على النظام الإقليمي العربي، ومن شأن ذلك أن يعطي دفعة للعمل العربي المشترك.
وقال أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، خلال مؤتمر صحفي في أعقاب اجتماع الوزراء العرب بالقاهرة، إن عودة سوريا لشغل المقعد هي بداية حركة وليست نهاية مطاف، بمعنى أن مسار التسوية للأزمة السورية ستأخذ مرحلة من الإجراءات.
وأوضح أيضًا أن عودة سوريا ليس بقرار لإقامة علاقات طبيعية بين الدول العربية ودمشق، وأن القرار سيادي لكل دولة على حدة.