قالت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، إن الغرب أصبح منهكًا بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وأشارت في تقرير لها أنه في أوائل فبراير، إلى المشروع الذي تقدم به السيناتور الأمريكي مات جايتز، الجمهوري عن ولاية فلوريدا، لوقف جميع المساعدات العسكرية والمالية الأمريكية لأوكرانيا، وما قرره الجمهوريون في لجنة الرقابة بمجلس النواب –في وقت لاحق- بإحياء الذكرى السنوية لبداية الأزمة الروسية الأوكرانية، من خلال بدء تحقيق يتعلق بالمساعدات الأمريكية المقدمة إلى كييف، بحجة عدم إهدار أموال دافعي الضرائب بسبب الاحتيال أو إساءة الاستخدام.
وأطلق "جايتز" على عمله التشريعي مشروع قرار "إجهاد أوكرانيا"، وشجع الجمهوريون في لجنة الرقابة بمجلس النواب فكرة أن مثل هذا الشعور منتشر بين الأمريكيين، لكن دافعي الضرائب الأمريكيين ليسوا هم الذين سيستفيدون من هذه الجهود الجمهورية لكبح جماح الدعم المقدم إلى أوكرانيا فقط، فمنذ بداية الأزمة في فبراير 2022، اعتمدت روسيا على وصول الغرب إلى مرحلة "الإجهاد" بسبب مساعدة الأوكرانيين في قتالهم، وسواء أدركوا ذلك أم لا، فإن بعض أعضاء الحزب الجمهوري المناهضين لأوكرانيا يساعدون روسيا على تحقيق أهدافها.
حرب استنزاف
بعد وقت قصير من بدية الأزمة مع أوكرانيا، اعترف بعض الشخصيات في الدائرة المقربة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لصحيفة "واشنطن بوست" أن الزعيم الروسي كان ينتظر وقتًا محددًا، فهو منخرط في حرب استنزاف طويلة ضد أوكرانيا، وهي حرب بالوكالة ضد الغرب، كما كثف المسؤولون الروس أيضًا الدعاية القائلة إن العقوبات الغربية على الاقتصاد الروسي -وليس قرار العمليات العسكرية في أوكرانيا-ستسبب أزمة غذاء وطاقة عالمية، وسوف ترهق الشعوب الغربية بسبب دعم حكوماتهم لكييف، مطالبين بحل للصراع يجنبهم المزيد من المعاناة المادية، ولم يكن ظهور هذه الروايات بهذه السرعة من قبيل الصدفة.
التزام غير دائم
وتابعت المجلة أنه بفضل اتصالات كييف وتقارب الغرب الطبيعي مع أوكرانيا، لم تحقق روسيا جميع أهدافها، وتمكنت الشعوب الغربية من الاستمرار والالتزام بمساعدة أوكرانيا، لكن هذا الالتزام لن يدوم إلى الأبد، بل ربما يكون بدأ بالفعل في التراجع في العديد من البلدان، ولا تستطيع الحكومات الغربية الإعلان عن رضاها خشية أن تبدأ شعوبها في الاستياء من تقديم المساعدات العسكرية، ويجب على القادة الاعتراف بالتكلفة الحقيقية التي فرضتها الحرب على شعوبهم مع تذكير مواطنيهم بكل ما هو على المحك في ساحات القتال في أوكرانيا.
تراجع التأييد لأوكرانيا
وعلى الرغم من أن الدعم لأوكرانيا لا يزال قويًا في أوروبا وأمريكا الشمالية، إلا إن هناك مؤشرات على أنه بدأ في التراجع، وأظهر الاستطلاع الذي أجراه مركز CIR، -منظمة غير ربحية مقرها بريطانيا- أنه في أوائل عام 2023، انحسر التأييد العام لتوفير الدعم المالي لأوكرانيا في وسط وشرق أوروبا، حتى في الأماكن القريبة من التي لديها عداء لروسيا. وفي بلغاريا وسلوفاكيا، على سبيل المثال، يعتقد 43% أن حكوماتهم تقوم "بالكثير" من أجل أوكرانيا، وعلى الرغم من صعوبة تحديد المبررات، إلا أن الروايات الروسية الرئيسية، بما في ذلك فكرة أن الأوكرانيين هم نازيون جدد وأن الناتو هو المسؤول عن الحرب قد اكتسبت زخمًا في هذه المجتمعات.
وأوضح التقرير أن هناك اتجاهات مماثلة في الولايات المتحدة، وفقًا لاستطلاع أجراه مركز "بيو" للأبحاث في فبراير، حيث يعتقد ربع الأمريكيين أن الولايات المتحدة تقدم الكثير من الدعم إلى كييف، كما تساءل بعض المحافظين عن سبب زيارة الرئيس جو بايدن إلى كييف بدلًا من أماكن متضرره داخل بلده.
وعلاوة على ذلك، منذ بداية العام، سعى المؤثرون المحافظون من الأمريكيين البارزين إلى تشويه صورة معاناة الأوكرانيين على وسائل التواصل الاجتماعي، باعتبارها صورًا مزيفة، بينما أصروا على أن النقص المزعوم في لقطات القتال في الحرب في أوكرانيا يشير إلى أن الصراع "مؤامرة ملفقة"، وأن إدارة بايدن تثير الصراع لتبرير السخاء الاستثنائي الذي تقدمه إلى أوكرانيا.
استفزاز الناتو لأوكرانيا
وتابع التقرير أنه لطالما أملت روسيا في حدوث مثل هذه الانقسامات في الرأي العام في البلدان الأخرى، وعملت في عدة مناسبات على زيادتها، حيث تحاول روسيا تكرار هذا التكتيك عندما يتعلق الأمر بأوكرانيا، وتتزايد الروايات التي تنشرها موسكو ووكلائها حول "استفزاز" الناتو لروسيا، وهو ما يطرحه الآن بعض الجمهوريين في الكونجرس الأمريكي، وهو أن الأموال التي تذهب إلى أوكرانيا يتم استخدامها لأغراض غير مشروعة أو غير قانونية.
وخلص التقرير إلى أنه بدون بذل جهود منسقة للرد على الهجوم الدعائي الروسي، سيسمح الغرب للكرملين باكتساب الأرض في حرب المعلومات التي كان أنصار أوكرانيا ينتصرون فيها في البداية، وتدرك روسيا أن ساحة معركة الدعاية لا تقل أهمية عن ساحة المعركة الحقيقية، ومن الأفضل أن يتذكر الغرب ذلك أيضًا.