بعدما نجحت الصين في تحقيق طفرات كبيرة لحلَّ بعض الأزمات ولعب دور الوسيط عن طريق تعزيز دورها والظهور بشكل قوي داخل النظام العالمي، ورسم مستقبلها كقوة بارزة من أجل إرساء السلام بين الدول، وظهور ذلك في تمَّكنها من إنهاء الصراع بين "السعودية - إيران"، أخذت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في استخدام أدواتها التي تبدو محدودة حتى الآن في مواجهة "بكين"، خصوصًا أنَّ بعض الدول التي ظهرت فيها النزاعات بدأت تثق في الدبلوماسية الصينية التي تسير بنهج محايد بعيدًا عن طرفي الصراع.
عدد من الخبراء أكدوا لـــ"القاهرة الإخبارية"، أن التنافس بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية سيظل مستمرًا، لأن كلَّا منهما يسعى لتنفيذ مصالحه ولعب دور الوسيط في الصراعات الدولية، كما أن أمريكا وحلفاءها يحاربون الصعود الصيني ويحاولون إزاحتها من المشهد العالمي خصوصًا بعد نجاحها في إنهاء الصراع في بعض الأزمات الدولية.
إزاحة أمريكا عن دورها
تراجع دور الولايات المتحدة الأمريكية في لعب دور الوسيط بالصراعات الدولية، يعلَّق عليه توماس جورجسيان، الكاتب المتخصص في الشأن الأمريكي، لـ "القاهرة الإخبارية" قائلًا: "إنَّ دور الوسيط في السابق كان لا تلعبه دولة بعينها، لكن مع مرور الزمن لعبت أمريكا دور الوسيط في عدد من القضايا أبرزها اتفاقية كامب ديفيد، فضلًا عن دورها في أوروبا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي"، وأوضح أنَّ فشل المنظمات الأوروبية والأمم المتحدة في لعب دور الوسيط بالصراعات الناشئة ليس عيب الولايات المتحدة نفسها.
وعن دور الولايات المتحدة في الوساطة الدولية الذي أصبح محل شك، قال المتخصص في الشأن الأمريكي إنَّ الصين لديها الرغبة لإزاحة واشنطن عن دورها في ظل الإمكانيات الهائلة التي تمتلكها الآن، وظهر ذلك في الوساطة "السعودية - الإيرانية" وسعيها لحل الأزمة الأوكرانية ما دفع بعض الآراء إلى التطلع إليها كـ"وسيط محل ثقة" لوقف القتال في السودان.
سلام شامل للدول
الباحث الصيني نادر رونج، قال إنَّ الصين تتحمل مسؤوليتها الدولية باعتبارها دولة كبري وعضوًا دائمًا في مجلس الأمن هدفها الدفاع عن الاستقرار والسلام في العالم، وبناء مصير مشترك للبشرية كافة، مؤكدًا أن الوساطة الصينية تضع حلولًا للتهدئة بين أطراف الصراع واستعادة السلام.
أحد أبرز الأهداف الرئيسية التي تلعبها "بكين" ودخولها كلعب دور الوسيط إرساء السلام العالمي من أجل بناء اقتصاد قوي، وعن ذلك أوضح "رونج" أن الصين باتت تسرَّع الخطي لترسيخ انطباع لدي الدول بأن لديها القدرة على إيجاد حلول للصراعات الناشئة، كما تتفق مع مصالح معظم دول العالم من أجل سلام شامل يصب في مصلحتهم ومصلحة الصين أيضًا.
وفي تقدير الباحث الصيني فإن بكين لديها القدرة على لعب دور كبير بين طرفي الصراع، ويرجع ذلك إلى الصعود الكبير الذي يشهده الاقتصاد الصيني من خلال التبادل التجاري مع دول العالم، إذ إنها تٌعد أكبر شريك تجاري لـ100 دولة، فضلًا عن المساعدات الاقتصادية والاستثمارات داخل بعض الدول وتطوير علاقات الصداقة من خلال التمسك بالموقف الحيادي، لافتًا إلى أنه قبل 20 عامًا كانت الولايات المتحدة تلعب هذا الدور.
الصين قوة سلام
الدكتور محمد فايز فرحات، مدير مركز الأهرام المصري، أكد أن الصين لديها مراجعة في سياستها الخارجية وقدمت نفسها كقوة في النظام العالمي باعتبارها قوة اقتصادية، وأضاف أنه منذ صعود الرئيس الصيني شي جين بينج إلى سدة الحكم وبكين تقدم نفسها بأنها قوة سلام وتسعى إلى أن تضطلع بمسؤوليات أكبر لإرساء الأمن العالمي.
ورغم الصعود الصيني، إلَّا أن دورها مازال محدودًا في لعب دور الوساطات الدولية بين الصراعات الناشئة، واستشهد "فرحات" بالمبادرة الصينية التي أعلنتها بشأن حل الأزمة الأوكرانية وحتى الآن لم يتضح حجم تأثير هذه المبادرة على الصراع.
وذكر مدير مركز الأهرام، أنَّ أي مشروع للوساطة الصينية فيما يتعلق بالأزمات الدولية الحالية سوف يواجه بيئة معقدة ومصالح أمريكية وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأنه غير المتوقع أنَّ تلقى المبادرات الصينية قبولًا لدى الغرب؛ لأن نجاحها يُعزز من موقف الصين داخل النظام العالمي، وأكد أن الوساطات التي تُطلقها الصين تسعى لخدمة المصالح الصينية وتعظيمها.
وأشار إلى أن الصين تنتقي الأزمات التي سوف تقرر لعب دور الوسيط فيها بناءً على نجاحات هذه الوساطة وطريقة تفاعل الأطراف مع الدبلوماسية الصينية.