حصدت الأزمة المصرفية لعام 2023 أكبر ضحية لها في الولايات المتحدة حتى الآن، وهو بنك "فرست ريبابلك"، لكن صفقة استحواذ مؤسسة "جي بي مورجان" على أصول دائني "فرست ريبابلك"، هي أفضل سيناريو مُتوقع في هذه الظروف.
وقالت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية في افتتاحيتها إن مشاركة خسائر قروض بنك "فرست ريبابلك" مع بنك الاستثمار العملاق "جي بي مورجان"، ستؤدي إلى الحد من التكاليف التي تتحملها المؤسسة الفيدرالية لتأمين الودائع إلى 13 مليار دولار فقط، ومع ذلك، فإن فشل "فرست ريبابلك" الذي كان يبدو ناجحًا للغاية ولم يشارك في أنشطة محفوفة بالمخاطر، هو أمر مثير للقلق، ويؤكد على حاجة جميع أصحاب المصلحة في النظام المصرفي، مثل المستثمرين والمديرين ومجالس الإدارة والمنظمين، إلى إيجاد طرق أكثر مرونة وإبداعًا لاكتشاف المخاطر التي قد تظهر فجأة؛ بسبب التغيرات في بيئة التداول المالي.
عدم التكيف مع رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة
وتابعت الصحيفة البريطانية أن ما حدث مع بنك "فرست ريبابلك"، وكذلك مع بنكي "سيليكون فالي" و"سيجنيتشر" اللذين انهارا في مارس الماضي، يُعد نموذجًا تجاريًا لعدم التكيف جيدًا مع ارتفاع أسعار الفائدة، وفي حين كانت مشكلة "سيليكون فالي" تتمثل في مخزونه من سندات الرهن العقاري وسندات الخزانة، كانت إصدارات "فرست ريبابلك" تتركز أكثر في محفظة القروض، ومثل نموذجًا في تقديم قروض الرهن العقاري الرخيصة للعملاء الأثرياء، ما تسبب في خسائر مالية كبيرة في الرهن العقاري، عندما ارتفعت أسعار الفائدة بسرعة، ومن جهة التمويل، بدأ العملاء أيضًا في المطالبة بمعدلات إيداع أعلى للاحتفاظ بأموالهم في البنك، إذ كان "فرست ريبابلك" يتمتع بقاعدة عملاء أكثر تنوعًا من عملاء "سيليكون فالي" التي يهيمن عليها قطاع التكنولوجيا، وقد واجه "فرست ريبابلك" عامين من الأرباح القليلة، ولكن كان من الممكن أن يعبر الأزمة المصرفية بسلام لو لم يسحب المودعون أموالهم.
قواعد السيولة النقدية
وأوضحت الصحيفة أن ما حدث يُسلط الضوء على الحاجة إلى إعادة التفكير في القواعد المُتعلقة بمتطلبات السيولة النقدية، وجعل اختبارات الضغوط الاقتصادية أكثر صرامة وخيالية، فقد أظهر سحب 40 مليار دولار من "سيليكون فالي" في يوم واحد في شهر مارس السرعة المذهلة التي يُمكن بها سحب الودائع في عصر الخدمات المصرفية الرقمية، وكيف يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تضخم الذعر، وكان مصير "فرست ريبابلك" مُحددًا منذ الأسبوع الماضي، عندما كشف أن العملاء سحبوا ودائع بقيمة 100 مليار دولار في الربع الأول من هذا العام.
إضعاف القوانين الاقتصادية في عهد ترامب
وأشارت الصحيفة إلى أنه هناك مبررات قوية للتراجع الجزئي عن التغييرات التي أدخلتها التشريعات المصرفية من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، في عام 2018 والتي خففت القيود والرقابة على البنوك التي تقل أصولها عن 250 مليار دولار، مع تطبيق معايير أعلى مرة أخرى على البنوك متوسطة الحجم، واستعرضت الصحيفة تقريرًا صدر الأسبوع الماضي من قبل مايكل بار، نائب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي لشؤون الإشراف والمراجعة، إذ ألقى باللوم في انهيار "سيليكون فالي" على تخفيف القيود وإضعاف القوانين الاقتصادية في عهد الرئيس الأمريكي السابق ترامب، فضلًا على الخطوات الخاطئة من قبل المشرفين الداخليين، وفي النظام الاقتصادي مُتعدد المستويات، يحتاج المنظمون أيضًا إلى التعامل وفق سياسة "حافة الهاوية" عندما يتجاوز المقرضون سقف الأصول وينتقلون من نظام تنظيمي إلى آخر، وهنا يجب أن تواجه البنوك مزيدًا من التدقيق عندما تقترب من هذا السقف، وليس فقط بعد تجاوزه.
الإضرار بقوانين المنافسة
وتابعت الصحيفة أن الصفقة مع "جي بي مورجان" إيجابية بالنسبة لاستقرار القطاع المصرفي على المدى القصير، على الرغم من الخسائر التي استمر "فرست ريبابلك" في تكبدها لمدة أسابيع، حيث يوجد في الولايات المتحدة عدد كبير جدًا من البنوك وهناك حاجة إلى دمج بعضها، وعلى الرغم من أن ذلك سيكون أفضل بالنسبة للمقرضين متوسطي الحجم أن يتحدوا فيما بينهم، "جي بي مورجان"، الذي استحوذ على بنك "واشنطن ميوتشوال" في عام 2008، أصبح الآن المشتري في أكبر بنكين منهارين في تاريخ الولايات المتحدة، ما يُثير بعض التساؤلات، فالتنازل عن القيود المصرفية التي من شأنها أن تمنع أكبر مقرض أمريكي من إجراء عملية الاستحواذ، قد يكون ضارًا بقوانين المنافسة ويجعل "جي بي مورجان" يتمتع بقوة اقتصادية استثنائية.