الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

النقابات الفرنسية تحشد لمظاهرة 16 أبريل.. دومينيك أندولفاتو: "إصلاح التقاعد" يواجه مقاومة شعبية وبرلمانية

  • مشاركة :
post-title
المحلل السياسي الفرنسي دومينيك اندولفاتو

القاهرة الإخبارية - محمد البلاسي

- استخدام الحكومة المادة 49-3 لتجاوز البرلمان في إقرار قانون التقاعد أجج الاحتجاجات
- حسم قرار الاستفتاء على القانون بيد المجلس الدستوري 

تشهد فرنسا حاليًا إضرابات عديدة في قطاعات مختلفة، احتجاجًا على قانون إصلاح التقاعد، الذي أعلن عنه الرئيس إيمانويل ماكرون وحكومته، وبعد يوم جديد من المظاهرات أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين في باريس ومدن فرنسية أخرى، مع عودة مئات الآلاف من الأشخاص إلى الشوارع للاحتجاج على القانون، واقتحامهم مبنى يضم شركة "بلاك روك"، التي تعد أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم، وتوعدت النقابات بمواصلة مقاومتها ودعت إلى مظاهرة كبرى، الخميس المقبل.

 "القاهرة الإخبارية" حاورت الدكتور دومينيك أندولفاتو، المحلل السياسي الفرنسي البارز، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بورجاندي، وأحد الخبراء البارزين في الشئون الدولية والعلاقات الدولية.

وتحدث "أندولفاتو" عن الإضرابات وتأثيرها على الحياة الاقتصادية والاجتماعية في فرنسا، وهل يمكن لحكومتها أن تجد حلولًا سريعة للخروج من هذه الأزمة؟ وكذلك الخيارات المتاحة أمام "ماكرون" لتهدئة الأوضاع واستعادة الاستقرار في البلاد.

وإلى نص الحوار:

- ما تعليقك على موجة التظاهرات الجديدة بعد إقرار قانون إصلاح نظام التقاعد في فرنسا ورفض الحكومة التراجع عنه؟

منذ يناير الماضي، لاقت العديد من المظاهرات النقابية ضد إصلاح نظام التقاعد -الذي يرفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عامًا- نجاحًا شعبيًا كبيرًا، على الرغم من أن العديد منهم حشد أكثر من مليون شخص في الشوارع، لكن الحكومة لم تغير خطتها، وبسبب عدم وجود أغلبية في البرلمان، لجأت إلى المادة 49-3 من الدستور لتبني هذا الإصلاح، وأطلق استخدام هذه المادة موجة جديدة من الاحتجاجات، لأن الكثيرين رأوا فيها إنكارًا للديمقراطية، وبالفعل تلزم المادة "49-3" البرلمانيين بالتصويت بحجب الثقة عن الحكومة إذا كانوا لا يرغبون في إقرار قانون إصلاح التقاعد، ولم يكن هناك تصويت بالمعنى الدقيق للكلمة على القانون، ومنذ ذلك الحين اتخذت الاحتجاجات بعدًا سياسيًا أكثر، مستهدفة الافتقار إلى الديمقراطية في الدستور والمطالبة بتغيير الدستور الفرنسي، وتخللت هذه المظاهرات حوادث عنف كانت في بعض الأحيان تصل حد الشغب، ويبدو أن الأمور عادت إلى طبيعتها أخيرًا، بعد أن وعدت الحكومة بإجراء محادثات جديدة مع النقابات، دون أن تذكر مع ذلك ما إذا كانت ستعيد فتح ملف إقرار القانون أم لا؟

- لماذا رفضت الحكومة الفرنسية الاتفاق مع النقابات في الاجتماع الأخير؟

اعتبرت الحكومة الفرنسية أنها أجرت مشاورات كافية مع النقابات، قبل عرض إصلاح قانون إصلاح التقاعد على البرلمان، يناير الماضي، ثم تم تعليق المشاورات مع النقابات، وأدى تكرار المظاهرات ونجاحها الشعبي وأحداث عنف مختلفة في الآونة الأخيرة إلى إعادة فتح القنوات مع النقابات، ولذلك ستستقبل رئيس الوزراء قريبًا ممثلي النقابات في جولة محادثات جديدة، ثم يأتي دور رئيس الجمهورية، لكن في الوقت الحالي من غير المعروف ما إذا كان قانون إصلاح التقاعد سيكون موضوع مناقشات جديدة، فالحكومة تتحدث على نطاق أوسع عن المناقشات حول الموضوعات المتعلقة بالعمل.

- ما خيارات الرئيس ماكرون لتهدئة الوضع السياسي؟ وهل هناك إمكانية لتعليق القانون؟

هناك طرق مختلفة للخروج من الأزمة، نحن ننتظر بالفعل قرار المجلس الدستوري -المحكمة الفرنسية العليا- لمعرفة ما إذا كان مشروع إصلاح التقاعد سيتم المصادقة عليه بشكل نهائي أم لا، وسيتم اتخاذ هذا القرار في منتصف الشهر الحالي، ويجب على الحكومة أيضًا أن تفتح مشاورات جديدة مع النقابات، لكننا لا نعرف حتى الآن ما إذا كان ذلك سيؤدي إلى مراجعة القانون، وهو أمر لا يبدو أن السلطة التنفيذية تريده، أم أنها ستكون مسألة فحص لبعض البنود، وإذا تحدثنا بشكل أكثر واقعية فإن السلطة التنفيذية لا تفكر في إجراء استفتاء شعبي، لكن بعض البرلمانيين، كما يسمح الدستور، طالبوا بتنظيم مثل هذا الاستفتاء حول موضوع القانون، لكننا ننتظر الضوء الأخضر من المجلس الدستوري، لأنه هو الذي يمكنه أن يأذن بمثل هذا الاستفتاء أم لا، وسيكون من الضروري بعد ذلك جمع نحو 5 ملايين توقيع من المواطنين لتنظيم هذا الاستفتاء، ولا ينبغي أن يطول ذلك بقدر الإمكان.

- أظهر استطلاع أجرته "Elabe" أن أكثر من 60% من الفرنسيين يؤيدون التظاهرات.. فهل تنجح في تغيير المشهد؟

لاقت التظاهرات نجاحًا شعبيًا كبيرًا، وشارك فيها أعداد كبيرة من المتظاهرين هو الأكبر منذ أكثر من ثلاثين عامًا، وحاليًا تُفضل الحكومة تجاهل هذه المظاهرات، كما سعت من قبل إلى جعل البرلمان يتبنى القانون، بينما تُلقي النقابات باللوم على المشرعين الذين صاغوا القانون، وحذا الرئيس ماكرون حذو الرئيس ساركوزي، الذي لم يتخل عن قانون مشابه في عام 2010، رغم الغضب الاجتماعي، ورفع سن التقاعد إلى 62 عامًا بينما ارتفع الآن إلى 64 عامًا.

- ذكر استطلاع رأي أن 68% من المشاركين بالاحتجاجات تتراوح أعمارهم بين 54-60 عامًا.. ما تفسيرك لذلك؟

من الواضح أن الأقرب إلى سن التقاعد هم الأكثر عداءً ورفضًا للقانون، فهم يرون أنهم سيضطرون إلى العمل عدة أشهر إضافية، وربما تصل المدة عامين قبل الاقتراب من سن التقاعد، ويشعر الكثيرون بالظلم ويستنكرون القانون الذي قدمته الحكومة، ويرون أنها تسوق مبررات غير واضحة، في حين نددت صحيفة كبرى مثل "لوموند" بأسلوب التواصل الحكومي، خلال الأزمة ووصفته بأنه "ضبابي".

- بين عامي 2020 و2021 شهدت فرنسا نحو "79 يومًا ضائعًا" بسبب الإضرابات.. كيف يؤثر ذلك على اقتصادها؟

تستند الاحتجاجات الحالية بشكل أساسي إلى مظاهرات مدتها نصف يوم دون التوقف عن العمل، ولذا تكون أيام الإضراب قليلة، وباستثناء عدد قليل من القطاعات، لا سيما النقل العام، والشركات الكيميائية والمعدنية وعمال الموانئ، تكمن المشكلة في معرفة ما إذا كانت الإضرابات التي لا تزال محدودة ستستمر بنفس الوتيرة أم أنها قد تتجاوز مدة يوم أو بضعة أيام.

وعلى نطاق أوسع، فإن حجم أيام الإضراب في فرنسا، خلافًا للاعتقاد السائد منخفض جدًا، حتى لو بدت أعلى من تلك الخاصة بالدول الأوروبية المجاورة، وفي ألمانيا على سبيل المثال، الآونة الأخيرة كانت هناك حركات اجتماعية مهمة، ويشير تحليل إحصاءات الإضراب، كما أشرت في كتابي "تشريح النقابات العمالية" إلى أن الإضرابات في فرنسا تتراجع منذ 30 عامًا، وأن هذا التراجع زاد بشكل طبيعي مع الأزمات الصحية، ووفقًا لآخر إحصائيات الإضراب عام 2021 نجد أن الموظف الفرنسي يضرب يومًا واحدًا في المتوسط ​​كل 17 عامًا، وهو معدل منخفضً للغاية، وهذا يعني أنه سيضرب طوال حياته المهنية لمدة يومين أو ثلاثة أيام، لكن في بعض القطاعات يكون الميل إلى الإضراب أقوى كما هو الحال في السكك الحديدية.

- تأمل النقابات في شل البلاد.. هل سيكون تكتيكًا فعالاً لإجبار الحكومة على التراجع؟

هناك بالفعل رغبة في إحداث حالة من "الانسداد" بين بعض النقابات والأحزاب السياسية اليسارية، لا سيما في حزب "فرنسا الأبية"، بقيادة جان لوك ميلينشون، لكن ليس على الإطلاق، فقد كانت الحركة التي أعيد إطلاقها في 7 مارس 2023، تنناسب بشكل خاص مع هذا اليوم، لكن تحالف النقابات لا يتحدث رسميًا عن إضراب قابل للتجديد أو حتى إضراب عام، بالرغم من أن بعض القطاعات تهيمن عليها اتحادات نقابية راديكالية أو يسارية متشددة، لكن هناك رغبة في تنظيم حركة اجتماعية أكبر، لكن اتحادات النقابات في الوقت الحالي أقلية، ما يجعلنا نتساءل عن وسائلهم لتنظيم إضرابات طويلة في البلاد، ناهيك عن انخفاض معدل أعضاء النقابات في فرنسا، فأقل من 10% من الموظفين منتسبون إلى نقابات، وبالتالي فإن جميع القطاعات بعيدة عن أن تذهب بالبلاد إلى طريق مسدود، وجزء من أعمال قطاع النقل والتعليم شاركت في الإضراب لمدة يوم واحد، 7 مارس الماضي.

- هل ما يحدث الآن يشبه ما حدث في عام 2010؟

نعم، تذكرنا المظاهرات الحالية بحركة عام 2010 وأيضًا مظاهرات عام 2019، قبل أن يستسلم الرئيس ماكرون، بسبب الأزمة الصحية بسبب "كوفيد 19"، لكن الأزمة الحالية لم تظهر تأثيرًا كبيرًا على إمدادات الوقود، لكن الأمر قد يتطور إلى مشكلة إذا استمر نقص الوقود لعدة أيام، وعلاوة على ذلك، يبقى تساؤل وهو هل تؤيد النقابات حقًا حركة اجتماعية طويلة؟ فالحكومة تمتلك أيضًا الوسائل القانونية لاستدعاء موظفي مصافي ومحطات الوقود وإجبارهم على السماح بضخ الإمدادات.

- هل تعتقد أن الحكومة أخطأت في توقيت إقرار قانون إصلاح التقاعد؟

الحكومة أخطأت بالفعل في التوقيت، وكذلك الإجراء، فقد كان هناك تردد كبير بشأن جوهر المشروع، وبدت الحكومة مشوشة، وترددت كثيرًا بشأن القانون نفسه وطريقة تطبيقه، حتى إن الرئيس ماكرون أشار خلال محاولة سابقة لإصلاح نظام التقاعد، في 2019، إلى أنه سيتم تطبيق إصلاح معياري بسيط، لأسباب اقتصادية، ولم يكن ذلك أمرًا موفقًا، كان من المهم أن يكون هناك أسلوب اجتماعي أكثر إن لم يكن ثقافيًا، من خلال إثارة مسألة العمل في المجتمع والتفكير في فلسفة جديدة لنظام المعاشات التقاعدية، ومع ذلك في عام 2022، أطلقت الحكومة إصلاحًا محدودًا، فوجئ به الكثيرون وظن العديد أن الرئيس ربما كانت لديه فرصة سانحة لإجراء هذا الإصلاح بعد فترة وجيزة من إعادة انتخابه، إلا إنه تأخر، ولم يأخذ في الاعتبار الانتقادات التي تضاعفت، ولم يتوقع الغضب الاجتماعي الذي كان قادمًا، والذي أججه أيضًا الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة وكذلك الغذاء، ومن هنا جاءت التوترات الحالية والشكوك بشأن المستقبل.